تفسير النص الاقتصادي
الاستاذ الدكتور زمان عبيد وناس – كلية التربية للعلوم الانسانية – قسم التاريخ
يعد تحليل الحدث التاريخي وتفسيره من الضروريات الملحة التي تتطلب جهدا علميا استثنائيا لفهم حركة التاريخ ، إذ ان لكل مادة تاريخية فلسفتها التفسيرية التي تبعدها – اي المادة التاريخية او الحدث – عن صورية السرد التاريخي ، اي ان الباحث يقدم صورة فوقية للنص المكتوب كما رسمه الراوي أو ناقل الحدث .
فالمعروف ان لكل حدث غاياته وعلاته واسبابه الدافعة لصيرورته ، أو ان الغاية والعلة في الاصل وليدة قاعدة الايديولوجية المحركة – اي العقيدة – تحت اي عنوان كانت أو صفة ، وتحت بندها يقع الحدث في ظل امرين ، الاول : العقيدة التي سار على وفقها وقوع الحدث ، والثاني العقيدة التي سار عليها ناقل الحدث وراويه ، فمن المعروف ان النص يتألف من عناصرٍ ثلاثة هي : الحدث – عين الحدث – وهذا له ايديولوجيته ، والمُحدث – صانع الحدث – وهو الذي سار على الايديولوجية التي يؤمن فيها لصنع عين الحدث ، وهذا يمثل الامر الثاني ، أما العنصر الثالث : فهو ناقل الحدث ، وهذا ينقل الحدث ويرويه على وفق ايديولوجيته هو ايضا ، فينقله من عقيدة المُحدث وغايته الى عقيدته هو وغايته ، وبذا يصنع الارباك الذي يتطلب عرض الحدث بفلسفة تفسيرية لشرح ملابسات كل تلك الافكار والغايات وتقديمها بواقعيتها للقارئ أياً كان عنوانه ، ومنذا نقول : ان التفسير والتحليل ضمن اصل فلسفي يعطي قدر حقيقي واقعي لفهم غائية الحدث وعلة وقوعه ، وكذا يقدم فهم لغاية المؤرخ أو ناقل الحدث وراويه ، وهدفه من صياغة نصه ، وجملتهِ التاريخية التي تفيد ما يريد ان يقدمه للمتلقي ، فنحن نعلم ان صورة الحدث المركبة في الجملة الخبرية التاريخية لها مدلولاتها ، يريد منها واضعها ايصال تصور وفكرة عن عين الحدث ، وقد تختلف دوافع المؤرخ في اسلوبه هذا ، بين شخصية تدفعه الى تدوين الحدث بما يعتقده هو ، أو تلبية لرغبة السلطان ، كأن يطلب السلطان من المؤرخ رسم صورة الحدث على هواه ، فيوجه انظار العامة للنقطة التي يريدها هو ، وهذا ما نسميه بالوعي التاريخي – اي ان الامة أو الدولة لها معرفة ادراكية بأهمية حركة التاريخ وفاعليته في تغيير اتجاهات وسلوكيات المجتمع نحو اهداف تبتغيها الدولة أو السلطة ، ومنذا تصنع ثقافته وتتحكم في مسيرته الحياتية وسلوكه الحركي والثقافي .
والنصوص الاقتصادية التي ملأت طي الكتب هي الاخرى خضعت لهذا المفهوم ، منذ الوهلة الاولى التي دُونت فيها صورة تشكل طبقات المجتمع الاسلامي في المدينة منذ عصر النبي الهادي () ، وصولا الى أواخر عهد العرب في العصور الوسطى ، بما في ذلك نصوص الاحكام قدر تعلقها بالاقتصاد ، ونحن في هذه الصورة التي نقدمها في هذا الكتاب سعينا الى عرض تفسيرنا لبعض هذه النصوص ، وحركة المجتمع ضمن اطار بحثي للمادية التاريخية ، وقد تباينت هذه الابحاث والصور زمانيا ومكانيا ، لكنها وقعت ضمن هدف واحد في تفسير الحدث .