المباني المعرفية للعقلة زينب عليها السلام  ودورها في إتمام أداء الرسالة
ا. د عبير عبد الرسول محمد
    أن القضية الحسينية قضية ليست كأية قضية ، والملحمة الحسينية فريدة لا واقعة نضاهيها ، وشخصية سيد الشهداء عليه السلام ليست كبقية الشخصيات التاريخية الأخرى ، فقد مثل سبط النبي عليه السلام ، جميع الانبياء والمرسلين حاملاً إرث رسالاتهم الإلهية إلى الإنسانية فلا تقتصر معرفته على قومية معينة ، وإن حديث الإمام وعمله وروحه وواقعه وكل شيء فيه، عبارة عن حركة وثورة معطاء تنبض حياة ودروساً وعبرة وتدفقا للقوة ً  , فلم يُقتل الحسين من أجل حداد الأمة إلى أبد الآبدين ، وإنما قدّم نفسه وضحى بروحه ليُحيي الأمة ويُجري في عروقها روح الحرية والعزة إنه خرج للإصلاح في أمة جدّه، ألم يقل : إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي ألم يقل : لكم بي أسوة  إنه أُسوة في الإصلاح ومقارعة الظلم ، وليس ذريعة لالتزام الرثاء والبكاء فقط، وتهميش أهداف عاشوراء الحقيقة  , فالعلة الأساسية لثورة عاشوراء هي تطهير أنواع الانحرافات التي كانت موجودة ، وهذه الانحرافات لم توجد في المجتمع الإسلامي إلا بواسطة أجهزة بني أمية، بدءً بخلافة عثمان ، ووصولا إلى خلافة يزيد بن معاوية وقد عّبر الحسين عليه السلام في خطبته ببعض العبارات التي تدّل على هذا الفهم ، وذلك ، وذلك حين استخدم عبارة الإصلاح .   
  هذا وقد علمت السيدة زينب أن عليها إتمام ما بدء به الإمام الحسين واهل بيته عليهم السلام من رسالة ، والمتمثلة بخدمة الدين والاصلاح ونصرة الحق والوقوف بوجه الظلم ، وهنا ندرس دور السيدة زينب عليها السلام و تحديدا بعد واقعة عاشوراء ، وسبي النساء وحملهن من كربلاء إلى الكوفة ، ومرورهن بأجساد الضحايا وهي مقطعة قطعاً ، وجسد اخيها الشريف وفيه خضاب الدم والشهادة ، ثم دخولهم مجلس ابن زياد ، وما حدث فيه ، ثم دخولهم الشام وكذلك دخولهم المدينة  , وقد رسمت الدكتورة عائشة والملقبة ببنت الشاطئ صورة العقيلة عليها السلام في حينها بأنها مثلت رمزاً للشجاعة والإباء لا يقل عن دور سيد الشهداء عليه السلام ، إذ تجد أن السيده زينب عليها السلام على الرغم من وقع المعركة وافتقادها وامام زمانها واخيها وبقية أصحاب الكساء المطهرين وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام ، إلا أنها بدت قوية صابرة محتسبة راضية بقضاء الله ، لم تظهر الضعف قط ؛ إذ كرهت أن تلقى يزيد لعنه الله عليه وازلامه وحاشيته وهي منكسرة ، وكان دفاعها عن الإمام الحسين عليه السلام دفاعاً يؤكد صلابتها سواءً أكان في الكوفة أم في الشام  , وعلى من أن بنت الشاطئ رسمت صورة أدبية إلا انها حاولت الاقتراب من الحقيقة التاريخية كما أشارت كذلك إلى دفاعها عن السيدة فاطمه بنت الحسين عليها السلام ، في مجلس يزيد ، وكذلك موقفها حين كشف يزيد رأس الإمام عليه السلام ، قاصداً بهذا المنظر زعزعة السيدة عليها السلام إلا أنها ازدادت قوة وإيمانا ، وبينت احتقارها لطغيانه ، وفضحت ضعفه وهوانه ، أمام الاستعراض الذي أعدّ له ، وأبكت جميع النساء دون أن تبكي بل ردّت عليه .
 ويشير الشيخ الصفار إلى دور السيدة زينب عليها السلام في رعاية القافلة إذ ان سيد الشهداء عليه السلام كان مدركاً هذا الأمر واراد منهم ان يواصلوا دور جهادي في خدمة نهضته المقدسة وكانت عقيلة الطالبيين  عليها السلام هي المرشح الوحيد والكفوء ، وعلى الرغم من وجود الإمام زين العابدين الذي حال به المرض عن هذا الأمر كما هو معروف ، فقد تربّص بنو امية واجتهدوا في طلبهم أدنى مبرر للقضاء عليه لذلك أوصاها الإمام برعاية القافلة ، فنهضت بهذه المسؤولية على أكمل وجه ، وكانت مرجع النساء والأطفال ، يلوذون بها في حوائجهم وشؤونهم ، وتتحمل هي عليها السلام مسؤولية رعايتهم والدفاع عنهم ، ومن الصور التي رسمها الشيخ الصفار لرعاية السيدة زينب عليها السلام للقافلة  , تمثل ذلك بعدد من الامور أولها ، بدأت بحراسة القافلة بعد انتهاء المعركة ، وأخذت تجمع الاطفال الذين هاموا في الصحراء وتصبرهم وتسهر على حراستهم ، كما واخذت تُصبر الإمام السجاد عليه السلام حين غادرت القافلة كربلاء ، ومّروا بأرض المعركة ، فتقول له : ((مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي وإخوتي))   , تمنع الأطفال من اخذ الصدقة ، ترفض استقبال الشامتات من نساء أهل الكوفة ، والمتفّرجات على مصابهم ، فأمرت بعدم دخول النساء إلا مملوكة أو أم ولد فإنهن سُبين كما سُبيت عليها السلام . 
 كانت عليها السلام ملاذاً للعيال ، فحين يواجه احد من عائله سبط الرسالة عليه السلام  أي مشكلة ، فإن الملجأ والملاذ هي العقيلة عليها السلام ، ومن ذلك إشارة الصفار إلى ما تعرضت له السيدة فاطمه بنت الإمام الحسين عليه السلام لما سمعت الرجل الشامي يطلبها من يزيد عليه اللعنة ، فبرزت العقيلة عليها السلام ، وتصّدت له متّحدية سلطان يزيد وبطشه ، وكذا تجسد دورها في حماية الإمام السجاد عليه السلام عند استغاثة الإمام ، هذا وأن سيد الشهداء عليه السلام بعد أن قُتل اتباعه واهل بيته الاطهار ، نادى الإمام وهو يطلب النصرة وكان لنداء الاستغاثة وقع كبير على قلب الإمام زين العابدين عليه السلام ، فوثب من فراشه على الرغم مما ألم به من مرض ، فرمقه الإمام عليه السلام ، وأمر أخته بإرجاعه الى الخيمة حتى لا تخلو الارض من نسل الخاتم محمد عليهم السلام كذلك عند هجم معسكر بني امية على الخيام بعد انتهاء المعركة ، ومحاولة شمر بن ذي الجوشن قتل الإمام زين العابدين عليه السلام ، إذ تعلقت به العقيلة عليها السلام ومنعتهم عن قتله او حتى تُقتل دونه ، وكذلك إنقاذ الإمام عليه السلام من بطش ــــ رأت في سيد الشهداء عليه السلام ، الإمام لقائد المفترض الطاعة ، وفوق ذلك يجسّد شخصية جدها صلوات الله عليه وآله وأبيها امير المؤمنين وأمها فاطمه الزهراء وأخيها الإمام الحسن عليهم السلام إذ إنه البقية والامتداد للبيت النبوي ، وليس مجّرد أخٍ عزيز ، وأن ما أقدم عليه بنو أمية يُعد أعظم جريمة في التاريخ، لأنها استهدفت شخص الرسول الاكرم صلوات الله عليه وأهل بيته عليهم السلام عبر قتل من يُمثّلهم  ويجسّدهم جميعا .   
      هذا وعند وصولها المدينة أصبح برنامجها اليومي والدائم في المدينة ، تذكير جماهير الأمة بمظلومية الإمام وأهل بيته عليهم السلام ، لتؤجج بذلك العواطف وتُلهب المشاعر وتحُرّض الناس على الحكم الفاسد ، فكتب والي المدينة عمرو بن سعيد الاشدق الى يزيد، فأمره الاخير بالتفريق بينهما وبين الناس ، وأمرها بالخروج من المدينة ، وبالفعل قامت ثورة في المدينة ضد الحكم الأُموي ، وأُخمدت بواقعة الحرة .  
      هذا و كانت من أهم تلك الادوار الدور المعرفي الذي قامت به عليها السلام بعد معركة الطف الذي لولاه ما عُرف الكثير عن نهضه ابي الاحرار عليه السلام ، فقد حمل التاريخ  المباني المعرفية العالية ونقلتها العقيلة عليها السلام من ساحة المعركة ومن بعدها الى مجلس ابن زياد في الكوفة ومجلس يزيد في الشام ، ومن ثم الى المدينة المنورة ، فقد قالت مخاطبة أهل الكوفة: ((يا أهل الكوفة ، و يا أهل الختر والغدر والختل والخذل والمكر ، فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الزفرة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا … ألا ساء ما قدّمتم لأنفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعساً تعساً ونكساً نكساً)) .  
   فقد كانت لها نيابة خاصة عن الإمام سيد الشهداء عليه السلام ، وذلك بحسب قول الشيخ الصدوق  , وهذا هو السبب الذي أخرجها من بيتها وهي على ذمة عبد الله بن جعفر مع ولديها، محمد وعون اللذين قُتلا في واقعة الطف ، إذ خرجت السيدة زينب عليها السلام وأناط بها سيد الشهداء عليه السلام مجموعة من والوظائف ، منها قيادة قافلة السبايا بعد استشهاده يوم العاشر من المحرم ، ومنها أيضا حفظ المبادئ الاسلامية وأراد الحسين عليه السلام تحقيقها من خلال أحداث واقعة الطف هذا الحفظ الذي تجلى بموقفها بعد المعركة في مجلس ابن زياد ، ثم في مجلس يزيد ، قد مارست عليها السلام دورها الاعلامي والمعرفي على أتم وجه ، وهو دور بطولي شرحت فيه للناس ما صنع الأمويون ، ثم مارست ذلك الدور في المدينة ، مما اضطرهم لأن يُخرجوها من المدينة وينفوها منها الى مصر على لسان بعض الروايات أو الى الشام على لسان البعض الآخر.  

شارك هذا الموضوع: