البُنية المعرفية في خطب السيدة زينب عليها السلام  (مقالة تاريخية)
ا. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
    ان الوظيفة العقدية المعرفية الملقاة على عاتق السيدة زينب عليها السلام ، فقد كان لمعارفها ويقين ايمانها ان عللت واوضحت وعللت الواقع والاحداث ومصير الامة وقد ربطت خطبها  بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ولونته بالوان اللغة وفنونها , وكان لبلاغتها الاهتمام الكبير والضروري في استثمار القواميس العربية التي نتج عنها بلاغه وفصاحة وبيان ، والتي تراوحت بين السهل والصعب ، وبين القوه والإيحاء ، وذلك وفقا للقواعد والاسس الذي انتجت فيه ومنه ، فان اللغة تعد سلاح علمي وفكري واجتماعي وثقافي في القاء الحجة وتثبيتها على الخصم وتأكيدها على الجميع ,ويمكن من خلال القاء الضوء على قراءة خُطب العقيلة عليها السلام ، محاولين البحث عن مدى قدرتها على التحقيق في المباني المعرفية في الخطاب الاسلامي لدى عقيلة الطالبين عليها السلام المقام وتحديد مقاصدها في خُطبتيها في الكوفة والشام ، وتحليلهما بطريقة مغايرة عبر التعمق في دلالاتهما ، ومقاصدهما وحقيقة الوظائف التي تُؤديها ، والاهداف التواصلية المترتبة عليهما .
    ومن خلال القاء الضوء  على البُنية المعرفية في دراسة تأريخية ، يتضح أن خُطبها عليها السلام ، كانت خير موجه ومنّدد بحكومة الطيش والجهالة ، ومرسخة لهمجية الخط اليزيدي في كل زمان ومكان ، فزينب عليها السلام ، راسخة في قلب كل مؤمن ومؤمنة ، تمنحه الصبر والتوجيه والثبات على الشدائد ، والقدرة على مواجهة الصعاب ، والتحلي بالمسؤولية ، وتأسيس قاعده راسخة ، قادر على الوقوف بوجه الفساد والجور والتهميش ، مجتمع قواعده متينة يستطيع إنشاء أجيال حسينية وزينبية ، يسهمون في ترسيخ قواعد النهج النبوي في بناء مجتمع إنساني ذي قواعد متينة وركائز قوية .
   ونذكر في هذا المضمار انموذجا لخطاب السيدة زينب عليها السلام في الشام وما شمله مضامين ذلك الخطاب من عبر ومعاني ومفاهيم جليلة ، فجاء فيه : قامت زينب بنت امير الموحدين وسيد الوصين وامام الانس والجان, وأمها سيد النساء فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم وآله ، بعد شماتة يزيد وما فعله برأس الحسين عليه السلام ,  وقالت : ((الحمد لله ربِ العالمين وصلى الله على جدي سيد المرسلين صدق الله سبحانه كذلك يقول : { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ}  , (( أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في أسار ، نساق إليك سوقا في قطار ، وأنت علينا ذو اقتدار أن بنا من الله هوانا وعليك منه كرامة وامتنانا ، وأن ذلك لعظم خطرك ، وجلالة قدرك ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك  تضرب أصدريك فرحا وتنقض .. مرحا  حين رأيت الدنيا لك مستوسقة  والأمور لديك متسقة وحين صفا لك ملكنا ، وخلص لك سلطاننا ، فمهلا مهلا لا تطش جهلا  أنسيت قول الله عز وجل : }وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوٓاْ إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} )). 
    ((أمن العدل يا بن الطلقاء ؟ ! تخديرك حرائرك وإمائك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، وتستشرفهن المناقل  ويتبرزن لأهل المناهل  ويتصفح  وجوههن القريب والبعيد ، والغائب والشهيد ، والشريف والوضيع ، والدني والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، عتوا منك على الله وجحودا لرسول الله ، ودفعا لما جاء به من عند الله ، ولا غرو منك ولا عجب من فعلك ، وأنى يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الشهداء ونبت لحمه بدماء السعداء ونصب الحرب لسيد الأنبياء ، وجمع الأحزاب ، وشهر الحراب ، وهز السيوف في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ، أشد العرب جحودا ، وأنكرهم له رسولا ، وأظهرهم له عدوانا ، وأعتاهم على الرب كفرا وطغيانا ، ألا إنها نتيجة خلال الكفر ، وصب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر ، فلا يستبطئ في بغضنا أهل البيت من كان نظره إلينا شنفا وإحنا وأظغانا ، يظهر كفره برسول الله ، ويفصح ذلك بلسانه ، وهو يقول : – فرحا بقتل ولده وسبي ذريته ، غير متحوب ولا مستعظم لأهلوا واستهلوا فرحا ولقالوا يا يزيد لا تسل منحنيا على ثنايا أبي عبد الله – وكان مقبل رسول الله صلى الله عليه وآله – ينكتها بمخصرته ، قد التمع السرور بوجهه ، لعمري لقد نكأت القرحة  واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دم سيد شباب أهل الجنة ، وابن يعسوب الدين العرب ، وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت بأشياخك ، وتقربت بدمه إلى الكفرة من أسلافك ، ثم صرخت بندائك ولعمري لقد ناديتهم لو شهدوك ! ووشيكا تشهدهم ، ولن يشهدوك ولتود يمينك كما زعمت شلت بك عن مرفقها وجدت ، وأحببت أمك لم تحملك وإياك لم يلد ، أو حين تصير إلى سخط الله ومخاصمك رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك على من سفك دمائنا , ونقض ذمارنا ، وقتل حماتنا ، وهتك عنا سدولنا ، وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت إلا جلدك ، وما جززت إلا لحمك ، وسترد على رسول الله بما تحملت من دم ذريته ، وانتهكت من حرمته ، وسفكت من دماء عترته ولحمته ، حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، وينتقم من ظالمهم ، ويأخذ لهم بحقهم من أعدائهم فلا يستفزنك الفرح بقتلهم ، ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ، وحسبك بالله وليا وحاكما ، وبرسول الله خصما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين أن بئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا وأضل سبيلا ، وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك  توهما لانتجاع الخطاب فيك  بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى ، وصدورهم عند ذكره حرا ، فتلك قلوب قاسية ، ونفوس  طاغية ، وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول ، قد عشش فيه الشيطان ، وفرخ ومن هناك مثلك ما درج ، فالعجب كل العجب لقتل الأتقياء ، وأسباط الأنبياء ، وسليل الأوصياء ، بأيدي الطلقاء الخبيثة ، ونسل العهرة الفجرة ، تنطف أكفهم , من دمائنا وتنحلب أفواههم من لحومنا تلك الجثث الزاكية على الجيوب الضاحية)). 
 
    ((تنتابها العواسل وتعفرها أمهات الفواعل فلئن اتخذتنا مغنما لتجد بنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما الله بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى والمعول ، وإليه الملجأ والمؤمل ، ثم كد كيدك ، واجهد جهدك فوالله الذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والانتخاب ، لا تدرك أمدنا ، ولا تبلغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا يرحض عنك عارنا ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد  ، وجمعك إلا بدد ، يوم يناد المنادي ألا لعن الله الظالم العادي والحمد لله الذي حكم لأوليائه بالسعادة ، وختم لأصفيائه بالشهادة ، ببلوغ الإرادة ، نقلهم إلى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلى بهم سواك ، ونسأله أن يكمل لهم الأجر ، ويجز لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة ، وجميل الإنابة ، إنه رحيم ودود))  . 
     أما أهم مضامين هذه الخطبة العظيمة ، ركزت العقيله عليها السلام في خطابها العظيم على ثلاثة أمور رئيسة ارادت ايصالها الى الامة الاسلامية وتتعلق بشكل مباشر بالجريمة التي ارتكبها يزيد في واقعة الطف بكربلاء وكان أولها واهمها الانتساب الى النبي الاعظم صلى الله عليه واله وثانيها ابات حقيقة تحميل مسؤولية قتل الحسين عليه السلام ليزيد لتقوم بابطال كل محاولة للتبرؤ من ذلك وثالث المحاور ركزت فيه على اثبات أن يزيد لا علاقة له بالإسلام من قريب ولا من بعيد لتبري المسلمين من تهمة وجريمة قتل سبط نبيهم الحسين عليه السلام حرصا منها على الاسلام ووحدة المسلمين ، وعندما نتابع مجريات الأحداث بعد مواقف وكلمات السيده زينب عليها السلام نكتشف  مدى الصدى الواسع الذي ألفته في ذلك المجتمع المهزوم حيث تحول ذلك الى مجتمع ملتهب ضد الحكام الظالمين المتمثلين ببني أمية ، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الذي كانت عليه ، والمصيبة التي حلت بها وبالهاشميات من آل بيت الرساله ، فهي التي شاركت سيد الشهداء  عليه السلام في مصائبه ، وانفردت عنه بالمصائب التي رأتها بعد شهادته والنهب والسلب والضرب وحرق الخيام والاسر .

شارك هذا الموضوع: