عملية طبس العواقب العسكرية والسياسية لفشل الانقاذ
حدثت واقعة طبس في 24 نيسان(أبريل) 1980 بعد عدة أشهر من استيلاء الطلبة (السائرين على نهج الإمام الخميني) على السفارة الأمريكية في إيران ، مما أغضب الولايات المتحدة إلى أقصى حد لهذا الخدش الكبير في كرامتها أمام شعوب العالم ، لاسيما الشعب الأمريكي ، لذا قررت الرد على إيران من خلال شن حملة عسكرية لتحرير الرهائن.
وذكر كل من بريجنسكي وهميلتون گوردن في مذاكراتهما ، قبل أيام من العملية العسكرية جرت مباحثات جديدة مع الإيرانيين حتى يتم خداعهم ويستبعدون فكرة أية حملة عسكرية قد تشن من قبل الأمريكيين ويظنون أن أمريكا منشغلة بحل الأزمة بالطرق السياسية والدبلوماسية. وعلى وفق ذلك وضعت أمريكا خطة لشن الحملة العسكرية وكانت تقضي بأن تقوم ثمان طائرات حمولة عسكرية من طراز C130Herclis وست مروحيات من طراز IC53 بالهبوط في صحراء طبس الواقعة جنوب شرق طهران لتزويدها بالوقود ، ثم تقلع بعدها فوراً وتهبط بالقرب من طهران وتبقى هناك حتى يجن الليل ليتم بعدها الإنزال على السفارة والقيام بإنقاذ الرهائن، أطلق على هذه العملية “مخالب النسر” .
إلا أن الولايات المتحدة واجهت بهجومها هذا فشلاً ذريعاً فبعد ان كان من المقرر أن تقوم الطائرات بعد التزود بالوقود بالتوجه الى طهران وإذا بعاصفة مفاجئة في صحراء طبس أدت إلى ارتطام احدى الطائرات بأخرى فانفجرت جراء ذلك مروحية من طراز اي سي 53 تابعة لمشاة البحرية وطائرة حربية من طراز سي 130 تابعة لسلاح الجو مما أجبر الطائرات المتبقية إلى الهبوط الاضطراري في الصحراء نتيجة لهذا الحادث ولسوء الأحوال الجوية، إلا أنه مع إعلان هذه الحادثة توقفت عمليات النجاة ولم يستطع الجنود حمل زملائهم الذين احترقوا لذلك اسرعوا هاربين من المكان.
بعد ان فر الجنود الأمريكان هاربين من إيران، صرح كارتر بنفسه عن فشل العملية وتحمله المسؤولية كاملةً، والجدير بالذكر فإن كارتر نفسه تولى إدارة العملية بكل تفاصيلها مباشرة من البيت الأبيض. بعد مدة قصيرة من إعلان كارتر أمر الرئيس الايراني ابو الحسن بني صدر بقصف طائرات الهليكوبتر المتبقية حيث كان في وقتها بني صدر القائم العام للقوات المسلحة تم تنفيذ القصف على ثلاث مراحل بهذا العمل تم حرق مجموعة من الوثائق المهمة والسرية والتي كانت في طائرات الهليكوبتر ومرتبطة بالعملية الفاشلة .
عبر بني صدر في عدة مقابلات أجراها عن سبب ما فعلته القوة الأمريكية المهاجمة حيث قال “كان ينبغي تنفيذ القصف لعدة أسباب منها أولاً لأنه وفي عهد الشاه كان المستشارون الأمريكيون هم المسؤولين عن الرادارات التي لدينا ، لذا هم على دراية كاملة في كيفية تجاوز الحدود ، وثانياً ان نوع الطائرات التي بحوزتنا هي طائرات أمريكية الصنع فهناك احتمال كبير أن يقوموا بتحطيم الطائرات من خلال الغطاء الجوي لذا أصدرت هذا القرار بتحطيم الطائرات كي لا يتم اخراجها من البلاد” ، في حين كان ممكناً تعطيل المعدات والأجهزة الحساسة في الطائرات الخمس ، والاستفادة منها في السلاح الجوي الإيراني بكونها من أحدث طائرات العالم آنذاك ،وبذلك تكون غنيمة كبيرة لإيران، وعليه فإن قيام بني صدر بهذا العمل جعله موضع جدل وشك وجعل أمر اتهامه بالخيانة أمراً سهلاً .
ظهرت عدة تبريرات أو تفسيرات لأسباب حادثة طبس واشهرها تلك التي ذكرها يوسف مازندي مدير مكتب وممثل وكالة الأنباء الأمريكية “يونايتيد برس” لسنوات طويلة فقال بأن غاية أمريكا من دخول ايران لم يكن تحرير الأسرى وإنما احداث ضجة واضطراب بين صفوف المواطنين ، لأنه ليس من صالح أمريكا شن حملة ضد إيران لذا كان يجب القيام بتفجير داخل البلد كما اضاف بأن الغرض من هبوط الطائرات تسليم اسلحة متطورة جداً للضباط الموالين للشاه لخلق حرب عصابات واسعة في البلاد فضلاً عن خلق خلية تجسس قريبة من الحدود الإيرانية حيث تتمتع هذه المنطقة بموقع استراتيجي مهم بالقرب من الخليج العربي ومضيق هرمز ، يسمح لأمريكا التصرف بالنفط الواقع في المنطقة وبذلك تعد وسيلة آمنة لضمان مصالح العامة للغرب ضد الشيوعيين وعلى أية حال كانت تلك التبريرات مقبولة تماماً وتتماشى مع الفشل الاعتباري الذي منيت به هذه العملية ، بيد أنها لا تلغي رغبة الأمريكان بتحرير الرهائن الذين كانوا طوقاً ثقيلاً في رقاب الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها ، لاسيما الرئيس جيمي كارتر.
تزامناً مع واقعة طبس كانت منظمة الاستخبارات الأمريكية تعد لعملية ثانية هي “توجه” ، التي كانت تخطيطاً لمشروع انقلابي للإطاحة بالثورة الإسلامية في ايران بعد فشل الهجوم العسكري على طبس، وكانت الإدارة الأمريكية قد رصدت مبالغ طائلة لتخطيط وتنفيذ هذا الانقلاب فتم تشكيل لجنة في باريس بقيادة شابور بختيار لتدبير الانقلاب .
فكان من المقرر ان يتم تنفيذ انقلاب نوجه بقصف عدد من المدن الايرانية من قبل الطائرات الأمريكية ، ومن بينها العاصمة طهران وباقي المدن الكبيرة واستهداف أماكن أخرى مثل المدرسة الفيضية ومكان اقامة الإمام الخميني ورئيس الوزراء ، كما جرى الاتفاق على استخدام قنابل عنقودية وحارقة فضلاً عن تدريب وتجهيز ثلاثين طائرة عسكرية وستين طياراً وحوالي وخمسمائة شخص فني وعسكري ، وقد بذل قادة الانقلاب جهوداً كبيرة لجعل القوات الجوية والبرية تسير وفق مخططاتهم. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة من قبل القادة العسكريين والدعم المادي الذي حظيت به العملية من قبل الولايات المتحدة فشل الانقلاب في 9يوليو1980. وكان مخطط العملية يشير إلى 38 ساعة وفقاً لما خطط له. لكن قبل ليلة من الانقلاب تردد أحد الطيارين ممن كانوا ضمن الطاقم المنتخب لتنفيذ الانقلاب ورفض تنفيذ دوره في الانقلاب وقرر افشاء المخطط إلى السيد علي خامنئي، ومع ذلك لم يكن من الممكن انكار دور ضباط حزب توده في كشف واحباط العملية .