العمق التاريخي لزيارة الأربعين 
 
 استشهد الامام علي عليه السلام بالكوفة في الحادي والعشرين من رمضان سنه 40 هجرية ، وبعد استشهاده بايع المسلمون نجله الامام الحسن عليه السلام  بالخلافة ، غير ان والي الشام معاوية بن ابي سفيان رفض البيعة  ، وأخذ  يعد العدة لمواجهة الخلافة الشرعية المتمثلة بالإمام الحسن عليه السلام ، لكن الانشقاقات في جيش الامام  وما رافقها من اضطرابات وفتنة دفعت الإمام الحسن ( ع ) للصلح مع معاوية ، وكان من بين اهم بنود الصلح ان يعمل معاوية بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وان يكون الأمر للإمام الحسن عليه السلام من بعد معاوية ، فإن حدث للحسن ( ع ) أمر فيكون الأمر للحسين ( ع) ، ويترك سب الإمام علي عليه السلام  .
 
       نقض معاوية بنود الصلح مع الامام الحسن عليه السلام ، بفرضه ابنه يزيد ولياً للعهد بقوة السلاح سنة 56 هجرية ، ممهداً له الطريق للتحكم برقاب المسلمين على وفق مبدأ جديد في الحكم لم يألفه المسلمون وهو مبدأ الوراثة خلافاً لمبدأ الشورى  ، فضلا عن مخالفته الصريحة لبنود الصلح المعقود مع الإمام الحسن عليه السلام ، الذي استشهد مسموماً سنه 49 للهجرة  ، وعليه وبحسب بنود الصلح المعقود مع معاوية فإن أمر المسلمين يؤول بعد معاوية الى الامام الحسين (ع) ، الذي كان في مقدمة الرافضين لمبايعة يزيد بولاية العهد ، لما  عرف  عن يزيد من التهاون الصريح  بالالتزام بالشريعة الإسلامية وشربه للخمر .
 
     توفي معاوية بن ابي سفيان سنه 60 هجرية ، وتولى يزيد الحكم من بعده ، وكان جل همه ان يأخذ البيعة له ممن رفضها على عهد أبيه وفي مقدمتهم                      الحسين (ع) الذي رفض كذلك البيعة ليزيد بالخلافة كما رفضها من قبل في ولاية العهد ، ويمكن ان نعد هذا الرفض هو بداية الثورة على يزيد بوصفه ممثل للحكم الاموي ، وسلطان جائر استحل ما حرم الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، جوع على المسلمين وصرف اموالهم على ملذاته ، وقمع الاحرار الرافضين لظلم بني أمية  .
 
        بعد رفضه البيعة ليزيد قرر الامام الحسين عليه السلام الخروج من المدينة المنورة وتوجه الى مكة المكرمة في اواخر شهر رجب من سنة 60 هجرية ، ومنها قصد الكوفة في ذي الحجة من السنة نفسها كارهاً استباحة حرمة  بيت الله          الحرام ، وفي طريقه الى الكوفة اعترضه عسكر واليها  ، مما اضطره الى تغيير  وجهته حتى نزل كربلاء في الثاني من محرم سنة 61 هجرية ، وأخذ ابن زياد بإرسال التعزيزات العسكرية الى كربلاء حتى اجتمع لحرب الامام  الحسين عليه السلام ثلاثون الف ، ومع كثرة الجيوش وخذلان الناصر لم يستسلم الامام  الحسين عليه السلام واهل بيته وصحبه وأبى  مبايعة  يزيد ، فوقعت الحرب في العاشر من محرم سنة 61 هجرية واستشهد الامام الحسين عليه السلام ومن معه  ، فسلام عليهم يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون .
 
          لقد اجتهد سلاطين الظلم والجور في محاربة الشيعة اتباع  مدرسة اهل البيت عليهم السلام ، بسبب خوفهم على عروشهم الظالمة ، ابتداءً من بني امية ومن هم على شاكلتهم الذين ارتكبوا الجريمة الكبرى بقتلهم الإمام الحسين عليه السلام وسبي عيالات النبي صلى الله عليه واله  ، وتشريعهم سب الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام على منابر المسلمين ، مرورا بحكم بني العباس الذين لم  يألوا جهداً هم الاخرين في عدائهم لأهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم           واتباعهم ، وقد بلغ الحقد بالخليفة هارون العباسي  الى درجة حراثة قبر الامام الحسين عليه السلام  وزراعة  ما حوله  واعاد الكرة  المتوكل العباسي الذي امر بهدم قبر الحسين عليه السلام واجراء الماء عليه ، وهكذا نجد ان مغتصبي السلطة قد حاربوا اي مظهر يمت الى التشيع بصلة ، وبخاصة تلك المظاهر التي اتصلت بثورة الامام الحسين عليه السلام التي تعد من اوضح معاني رفض الظلم ومقارعة  السلاطين الجائرين  ، وكانت مسيرة  الاربعين الراجلة واحدة من تلك المظاهر المعبرة عن تأييد الثورة الحسينية ، والتي تعني كذلك رفضاً لكل حكومة جائرة . 
 
أ . د . رحيم عبد الحسين عباس 
      كلية التربية للعلوم الإنسانية 
                التاريخ 



شارك هذا الموضوع: