المركز والهامش (قراءة نقدية )
يعد مفهوم المركز والهامش من المصطلحات الثقافية ذات التنوع المفاهيمي بحسب الحقول التي تنتمي اليهما، ويبدو ان قيمة المصطلح واهميته تمكنُ في قدرتِهِ على الاندماج والتوظيف مع اغلب الحقول المعرفية كالرياضية والفلسفية والاقتصادية والتجارية والسياسية والدينية والادبية.
ولابد من البحث عن ماهية المصطلح في اللغة والاصطلاح ومعرفة مدى الترابط بينهما.
أولا :المفهوم اللغوي للمصطلح
اغلب المعاجم اللغوية أشارت الى ان المعنى اللغوي للفظة المركز انما يعني ركز الشيء وغرزه وهو انتصاب الرمح وتركيزه اي جعله مركزاً وركزه في الارض اي غزره، ومركز الرجل موضعه.
واورَدَ صاحب معجم القاموس المحيط )) :ان المركز من الركز وركز الرمح يركزه ركزاً اي غزره في الارض، والمركز وسط الدائرة، وموضع الرجل محله، والمركز الرجل العالم العاقل، السخي الكريم…))
اما مصطلح الهامش فيرى ابن منظور ان الهمش، والهمشة الكلام والحركهُ وهمش القوم فهم يهمشون، والمرأة الهمش، الحديث بالتحريك اي تكثر الكلام وتجلبه)).
بينما يرى الفيروزآبادي ان الهامش هو حاشية الكتاب ويعني به الكلام الخارج عن المتن في الصفحة فنجده على حافة الكتاب.
ومن خلال ما تقدم في المادة اللغوية لمصطلحي المركز والهامش ان المركز يمثل الارتكاز والثبات والقوم المعتمدة، او الاشياء المكتنزة اما الهامش فهو الشيء الهش، الضعف، او الحركة غير المستقرة.
ثانياً:
المركز والهامش في الحقول المعرفية المتنوعة
يمكن القول ان مفهوم المركز والهامش مفهوم واسع وممتد في الحقول المعرفية المتنوعة ودخل في مختلف الاصعدة سواء اكانت الحقول تمثل الرياضيات او الفلسفة او السياسية او الدين او الادب متأخرا او الاقتصاد او الاجتماع ، وأول فكرة اشارت الى مفهوم المركز والهامش هي في حقل الرياضيات حين تحدث العلماء عن مفهوم المركز في الدائرة ومحيطها واعتبروا النقطة داخل الدائرة هي المركز والمحيط هو هامشها.
وقد تم تداول المفهوم في الحقل الاقتصادي والذي يعني التقدم وانتاج الخيرات التي تسوق وتصدر وتستورد.
وقد اشارت الدراسات الاجتماعية ان مصطلحي المركز والهامش هو مفهوم استعمله علماء الاجتماع وقصدوا به الدلالة على العلاقة القائمة بين قلب القوة والثقافة لمجتمع ما او مناطقة المحيطية. وهو بذلك يشير الى التقسيم الطبقي الذي يمايز بين فئتين متقابلتين ومتصارعتين وهما فئة الاغنياء والاسياد ويمثلون (المركز) مقابل فئة الفقراء والعبيد يمثلون فئة (الهامش)
وقد اشار احد الباحثين ان التهميش هو:)) جملة من الاجراءات والخطوات المنظمة التي على اساسه توضع الموانع امام الافراد والجماعات حتى لا يحصلوا على الحقوق والفرص والموارد وخدمات السكن والصحة والتوظيف والتعليم، وغيرها من الحقوق المتاحة وقد وظف هذا المفهوم ليعبر عن التمييز والاقصاء الاجتماعي))
وهذا يعني ان المركز يشير الى السيطرة والهيمنة والقوم والتحكم والاقصاء، اما الهامش فهو يمثل الضعف والعبودية والتجاهل.
اما في الحقل السياسي فقد لعب مفهوما المركز والهامش دوراً فاعلاً وسجلا مكاناً ملحوظاً، فالحكم السياسي يقوم على تعاون المركز اي السلطة الحاكمة ، ويمثل الهامش الطبقة المحكومة، فالعلاقة بين المركز والهامش في الدولة الواحدة ذات الاتجاه الواحد فالهامش يتأثر بالمركز، فإذا تصدع المركز انهار الهامش.
وتوصلت الدراسة الحديثة للمفهوم سياسياً، ان المفهوم القديم يمثله المركز السلطة الاحادية المتركزة في الملك او العائلة او الزعيم، اما الهامش فهو تابع للمركز ويتأثر به ولا يؤثر فيه، اما المفهوم الحديث والمعاصر للمركز فقد تجسد في السلطات المتعددة المتمركزة في مؤسسات مختلفة سواء اكانت عسكرية او سياسية او اقتصادية او اجتماعية.
اما مفهوم المصطلح في الحقل الادبي ، ففكرته كانت موجودة منذ القدم حيث كانت المركزية للشعراء المتمكنين الذين يتفاخرون بهم وصوتهم الاعلامي الذي يمثل قبيلتهم ،فكانت القبائل تحظى بالمكانة والقوه بحسب شعرائها ، بينما كانت القبائل التي تنبذ شعراءها وتطردهم كانوا يسمون بالشعراء الصعاليك المتشردين الذين يمثلون الهامش
وقد تطور المصطلح في الدراسات الادبية والثقافية ، وبرزت ثقافة المركز والهامش، ففي الادب العربي ظهر الصراع والاولوية للقصائد الشعرية على حساب الفنون الاخرى ، وامتد هذا الصراع الى فترة طويلة حتى اخذت الروايات الواقعية تحتل المركز في الصدارة مع الشعر.
وبعدها مثل الادب المركزي انه ذلك النوع من الادب الذي يخدم الطبقة العليا في المجتمع وهو ما يسمى بالأدب الرسمي الذي ينال اعجاب السلطة ويحتذى به.
اما الادب الهامش فهو كل ادب ينتج خارج المؤسسة سواء اكانت سياسية منتمية لها او اجتماعية او اقتصادية.
لذلك بقى الهامش مجبرا ومسيرا على الخضوع للمركز، وهذا الاخير يستغل هيمنته وامكانياته ورموزه لإجبار الهامش على المطاوعة. ولذلك عدت ثقافة الهامش هي كل ثقافة تمارس الخروج الخلاق وتبني بلاغة الحداثة، لا مجرد انه مركز، وانما يؤكد ان ثقافة الفرد الواحد والذات الواحدة والثقافة المطلقة تقف في وجه المركز.
اما الثقافة المركزية هي التي تتميز في اعلاميتها ونشر نشاطاتها وتثبيت معاييرها لتسود العالم باسره، اما نشور ثقافة جديدة يعني تغيير شروط المفعولية وتغير المركزيات والاطر ، وان الثقافة الجديدة تحمل بالضرورة جزء من مكونات الثقافات التي قامت عليها
وعليه فان كل المعاني التي مثلتها لفظتا المركز والهامش متصلة بالسيطرة والسمو والتحكم والسلطة والثراء والاستحواذ، والقدرة على اتخاذ القرارات.
اما الهامش فيعني الضعف والخذلان والطاعة والخضوع والاستسلام