الانتماء السياسي
     يصنف الانتماء بأنه من الظواهر الفكرية والسلوكية التي يمارسها الأفراد في نشاطاتهم الإنسانية كافة؛ فالكائن البشري عادة ما يحاول أن يصنع لنفسهِ هوية سلطة قومية ودينية وسياسية؛ ليقوّي بوساطتها نفوذ وجوده الإنساني في وسط دائرتهِ الاجتماعية، وقلّما نجد فرداً متجرداً من البعد الانتمائي؛ لأنّ هذا التجرّد يجعلهُ يعيش في حالةٍ من التيهان الوجودي بين أفراد المجتمع.
     والانتماء في اللغة: هو الانتساب ” انتمى هو إليه: انتسب. وفلانٌ يَنمِى إلى حسب وينتمي: يرتفع إليه ويقال: انتمى فلان إلى فلان إذا ارتفعَ إليه في النسب… وكلُّ ارتفاعٍ: انتماءٌ”، وقيل: الانتماء هو” انتساب الفرد إلى جماعة معينة، أو حزب معين، أو نادٍ معين، أو وزارة معينة، أو مؤسسة عمل معينة… بمعنى كونه عضواً فيها أو واحداً منها، له ما لأفرادها من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات”.
     فالانتماء بالنسبة للإنسان حاجة رئيسة مهمة؛ لأنه يجعل الفرد يشعر بالروابط المشتركة مع الذين يعيش معهم في محيطه الاجتماعي، ويقوّي شعوره الذاتي، ومسؤوليته الأخلاقية، في الإخلاص لقضيته الإنسانية والوطنية، وهذا ما يجعله يفتخر بانتسابه لها ولا يتردد في مناصرتها، والتضحية والتفاني من أجلها، فهو أشبه بحلقة الوصل التي تكون بين الفرد المنتمي وما يعتقد به ويؤمن من قضايا فكرية، وسلطوية، وقد يعزز الانتماء ولاء المنتمي للقضية التي ينتسب إليها، فيجعله يقترن به وينشدُّ نحوه مما يخلص له في صدق ولائه وانتمائه؛ فتكون “بين الإنسان والانتماء علاقة تلازمية؛ يتنوّع فيها التلازم والانتماء بتنوع العلاقات الإنسانية في مكان وزمان محدّدين، فهو ظاهرة إنسانية قديمة يرقى تاريخها إلى بداية تاريخ الوجود الإنساني نفسه”.
     لقد كان الإنسان منتمياً ومنتسباً منذ القدم لقضايا إنسانية، ومسميات انتمائية متباينة؛ إذ تمثلت انتماءاته للأسرة، أو القبيلة، أو القومية، فضلاً عن انتمائه الأيديولوجي المتمثّل بالمعتقدات الدينية، ومهما يشوب معتقداته من بعض الخرافات والتخلف؛ إلا أنه كان يضع مسوغاً ومبرراً لانتمائه يسعى فيه إلى جلب الطمأنينة والأمان لنفسه من أجل المحافظة والحرص على بقاء تواجده الثقافي والنوعي.
     يُعدُّ الانتماء من الظواهر الإنسانية التي شغلت حيّزاً كبيراً من تفكير العقل البشري، وسيطر على عدد من نشاطاته الفكرية، والسلوكية؛ إذ تتمظهر أنماط الانتماء في مصاديق شتى متمثلة بالانتماء الإنساني، والقومي، والديني، والسياسي، والأدبي، وقد يسهم التنوع الانتمائي في رفد المجتمعات البشرية بكثير من الجوانب الدينية، والثقافية، والسياسية، ويجب أن يكون مفهوم الانتماء مرهوناً بالحوار والتقارب الإنساني بين أفراد المجتمع وبتوجهاتهم المتنوعة، لا أن يؤدلج في إذكاء الصراعات، والتصادمات الاجتماعية.
     أمّا ما يخصُّ الانتماء السياسي فقد يولد هذا النمط الانتمائي عند الفرد المنتمي شعوراً بالرضا، والاستحسان الفكري، عندما ينتسب للأحزاب والمنظمات السياسية التي يؤمن بها، وقد ترفد هذه الحركات السياسية عقل المنتمي بالأفكار والرؤى التي تعزز من تواصله الفكري، والنفسي، والاجتماعي مع الآخرين، وتقوّي حالة الارتباط بهم، فيُعدُّ الانتماء السياسي من أقوى الانتماءات الإنسانية؛ لأنه يحرّك إرادة الإنسان المنتمي في إطار دائرته الاجتماعية، وضمن السلطة السياسية، التي ينتسب إليها، ولا تخضع دوافع ومعتقدات هذا الانتماء للأهواء الذاتية، ويكون التزام الفرد في هذا الانتماء التزاماً بتطلعات الجماعة وأهدافها وشرطا رئيساً للانتماء الفاعل فيه، وقد قام الإسلام بتقديم “أنموذجاً عملياً للولاء والانتماء الوطني، عن طريق تحديد طبيعة العلاقات التي تربط الأفراد بعضهم بعضاً من جانب، وعلاقتهم بالدولة من جانب آخر”.
     وبالنسبة للشعراء فإنّهم يمثلون جزءاً مهماً من المجتمع، وقيل: إنَّ الشاعر ابن المجتمع، فعندما ينتمي الشاعر وينتسب لجهة حزبية أو سلطة سياسية حاكمة، فإنه يسعى في انتمائه إلى تقوية نفوذه الاجتماعي ويضمن مكاسبه ضمن الإطار السياسي المنتمي إليه؛ فهو يوظف كل طاقته وجهوده لدعم ما يحيط به من مواقف وأحداث، وربما يكون لانتمائه غايات منشودة عدة يسعى إلى تحقيقها كنيل العطاء وتجنب الوقوع في صراعات سياسية.
     وشكّل شعر الانتماء السياسي في الشعر العربي ملمحاً موضوعياً بارزاً في خطابهم الشعري؛ إذ عبر الشعراء في مدوناتهم الشعرية عن بعدهم الانتمائي السلطوي في تلك النصوص، وأبانوا عن قناعتهم الفكرية والذاتية عبر ولائهم السياسي.
بقلم ضياء ريحان السعيدي

شارك هذا الموضوع: