الازياء في الحضارات القديمة(حضارة وادي الراقدين أنموذجا )
م . م زينب حمود كزار
جامعة كربلاء-كلية التربية للعلوم الانسانية –قسم التاريخ
في بداية العصور الحجرية في بلاد الرافدين استخدم سكان العراق القديم جلود الحيوانات لحماية أنفسهم من البيئة المحيطة بهم (الاعداء والطقس ) وفي البداية كانت الجلود التي يستخدمها تعود الى حيوانات مفترسة وتحتاج الى جهد كبير في صيدها, وقد عثر على الكثير من الابر والمخارز المصنوعة من عظام الحيوانات في مواقع العصور الحجرية القديمة، ومع بداية العصر الحجري الحديث كان الانسان قد تعلم كيفية تدجين الحيوانات من ماعز وخراف وابقار للاستفادة من لحومها واصوافها واحشائها، وسرعان ما تعلم كيفية غزل صوف الاغنام واستخدام شعر الماعز وخياطة الملابس، وكان الصوف هو الأكثر شيوعا لصنع الملابس حتى وقت مبكر من عام (3000) ق.م .
وكانت بداية ظهور الحضارات في العراق القديم مصاحبة لظهور مهارات عديدة لدى سكان العراق القديم ومنها ما يخص الملابس وتنوعها وهذا ما يظهر جليا في الرسوم الموجودة على الجداريات وكذلك الاختام الاسطوانية ،او ما تم ذكره في الكتابات المسمارية القديمة او ما تم العثورعليه في المقابر الملكية في اور وغيرها وكل ذلك يدل بصورة واضحة على التنوع الحاصل في الملابس من جهة والتطور الحاصل في تجارتها من جهة اخرى ، وهذا كان سببا كبيرا لنشاط التجارة مع الاناضول فيما يخص تجارة المنسوجات حيث كانت الصناعات النسيجية تدخل ضمن هدايا الملوك والملكات، كما ان تنوع الملابس يعني التنوع الطبقي في المجتمع وكذلك اختلاف المستويات الاجتماعية والسياسية, كما ان تنوع الملابس كان مهما في الاحتفالات الدينية والحروب واي نشاط اخر للتمييز بين الاشخاص.
وقد وجدت مادة اخرى في المقابر السومرية الملكية كانت تصنع منها الملابس وهي الكتان وكان يصنع منه ملابس الاثرياء والكهنة وتزين به تماثيل الآلهة. وقد استعمل العراقيين القدماء الاصباغ حسب ما ذكرت بعض النصوص ان العراقي استخدم الصبغ والتطريز والخرز في وقت مبكر قبل عام 1200 ق.م ومن بين الألوان التي وردت في النصوص الأبيض والأسود والاخضر والازرق والاحمر , وبعض الملابس صبغت بالصبغة الذهبية وفي بعض الملابس خيوط من ذهب وتكون مزينة بإتقان، ونوع آخر من الاصباغ نادر وثمين هو اللون الأرجواني الذي لونت به القطع الأثرية الموجودة في المقابر الملكية في أور، ومصدر هذا اللون الساحل السوري واللبناني حيث برع في انتاجه الفينيقيين.
وبصورة عامة كانت الملابس تتمثل فيما يلي عند السومريين
الملابس :كان الزي عند السومريين عبارة عن نوع من الحزام يحيط بوسط الجسم وهو كرمز للقوة بالنسبة للرجل حيث يعلق ادواته الخاصة بالعمل وكذلك الخاصة بالحرب وتطور إلى ان اخذ شكل أزار أو تنورة قصيرة تغطي وسط الجسم واعلى الفخذين واختلف هذا الملبوس في طوله إلى ما فوق وتحت الركبتين، أما الكهنة فقد ظهر العديد منهم وبدافع ديني بملابس تكاد تكون معدومة وظل العديد من الكهنة السومريين يبدون عراة الاجسام وحتى عراة شعر الرأس والجسم ولأسباب خاصة بتأدية الطقوس الدينية.
وكان سبب لبس السومريين لهذه الملابس قد يكون بسبب الجو الحار او بسبب الوضع الاقتصادي لعامة الشعب, وفي وقت متاخر استعمل السومريين رداءا من الخصر الى الركبتين ومع ذلك ظهرت تنورة ملفوفة تصل إلى الركبة وربطت بحزام يعقد في الظهر ويترك الكتف والذراع اليمنى عاريين تقريبا، هذا وتم تزيين التنانير عادة بقطع من القماش عرفت بالأهداب ويبدو أن جميع فئات الرجال كانت تلبس هذه التنانير، ويبدو أن النساء السومريات في وقت مبكر لم يرتدين سوى (شال) ملفوفة حول أجسادهن. وأيضا ارتدى السومريين جلود الخراف الحقيقية وحتى جلود الماعز كملابس إضافة إلى ملابس معروفة مفتوحة من الامام. وكانت الشالات تزين بإتقان في كثير من الأحيان، وفي وقت مبكر ارتدت النساء السومريات شال ملفوفة حول أجسادهن ومن ثم فيما بعد ملابس مغطاة بطبقات من الاهداب أو حواش مرتبة بأشكال مختلفة مثل هذه الأهداب تغطي كامل القطعة الملبوسة، وفي أحيان أخرى تغطي الاهداب الاقسام السفلية من الثوب، وشملت التنانير والشالات التي يرتديها الرجال وكانت أيضا ذات اهداب.
بحلول نهاية الحكم السومري حوالي عام (2000) ق.م ارتدى كل من الرجال والنساء التنانير والشالات مزينة الحافة التي تصل تقريبا إلى الكاحلين، وقد ثبتت معظم الشالات والتنانير بواسطة أحزمة مزخرفة وتذكر أحد النصوص البابلية ان الثوب الاحتفالي بالإلهة إنانا بلغ وزنه ما يعادل احد عشر ونصف كيلوغرام من الزينة المتكونة من (700) وردة من الذهب، وأيضا ذكر ملابس المزينة بقطع من الذهب على شكل أوراد ونجوم ودوائر واشكال مربعة، وتذكر النصوص لبوسُ سومري مخصص لسيدة مدينة الوركاء (الإلهة إنانا) بانه كان مزخرفا بـ (703) نجمة من الذهب و (688) حلية أخرى, العمامة : استنادا إلى المنحوتات فان العمامة يرتديها الملوك والآلهة، وهي طاقية (عرقجين) سميكة والقماش يلف عليها عدة مرات حتى تحيط بالرأس وتربط خلف العمامة، ويعتقد المؤرخون ان العمامة كان يرتديها لأول مرة السومريين في بلاد الرافدين القديمة حوالي (2600) ق.م، فقد ارتداها الملك جوديا وأيضا الملك اور نمو , وكذلك ارتدى حمورابي نفس شكل العمامة في مسلته الشهيرة على الرغم من طول المسافة الزمنية بين الملوك الثلاث، ويرى الباحث ليو أوبنهايم بان هذا النوع من العمامة له طابع ديني في الشرق الأدنى القديم، أن اشكال العمائم تختلف حسب مكانة الشخص سواء كان ملكا او كهنة أو قادة الجيش او المقاتلين، واصبح من الممكن تميز الشخص من حيث مكانته الاجتماعية أو السياسية من ملابسه أو العمامة، أما الآلهة فهم يرتدون غطاء عليه قرون وهو دليل الالوهية.
الملابس الاكدية
اتبعت أزياء الفترة الأكدية (عام 2334-2218 قبل الميلاد) نفس النموذج الأساسي الذي وضعه السومريون . على سبيل المثال؛ كان الكهنة في ذلك الوقت يرتدون نفس الجلباب والي يدعى ( ساگ ـ أور ـ ساگ ـ يصل طوله للكاحل)، والذي كان يُرتدى في عصر الأسرات المبكرة. بينما كان موظفو المعبد والقصر يرتدون التنورّات القصيرة. ويمُنح كل من موظفي المعبد والقصر بدل ملابس. وبشكل عام فقد كانوا يرتدون ملابس بجودة أفضل من ملابس عامة الناس .
تُظهِر لوحة النصر للملك نارام ـ سين (عام 2261 ـ 2224 قبل الميلاد) وهو يرتدي تقريباً نفس نوع الـ ساگ ـ أور ـ ساگ الذي كان يرتديه الحكّام السومريون, وتصوّر الأختام الأسطوانية الآخرين مثل الكتّاب أو التجار، يرتدون ملابس مشابهة لملابس نظرائهم السابقين . وكما يبدو أن ملابس نساء الطبقة العليا أصبحت بنقوش أكثر خلال تلك الفترة بدلالة الأختام الأسطوانية والتماثيل . إذ تظهر صورة الشاعرة الكاهنة إنهيدوانا (عام 2285-2250 قبل الميلاد) مرتدية فستان طويل متعدد الثَنايات، مع قبعة مزخرفة . وتبدو أغطية الرأس للطبقة العليا في تلك الفترة بشكل عام أكثر تطوراً مما كانت عليه في الفترات السابقة ؛ ويتبين ذلك من خلال نموذج الرأس البرونزي الشهير لحاكم أكدي، والذي يُعتقد أنه يعود للملك سرگون الأكدي (عام 2334 ـ 2279 قبل الميلاد)، والد إنهيدوانا . حيث يُشاهد عند الرأس البرونزي غطاءً مزخرفاً فوق عصابة رأس ذات شكل معدني، ويظهر هذا النوع نفسه من أغطية الرأس أيضاً على الأختام الأسطوانية في تلك الفترة . الملابس البابلية
الحضارة البابلية لم تكن لها ملابس تقليدية بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن كان لديها ملابس خاصة بالطبقات الاجتماعية المختلفة والأغراض المختلفة، وقد كانت هذه الملابس تتكون عادة من قمصان وتنانير للنساء والرجال، وقمصان طويلة للرجال وقد يطرزونها بالذهب والفضة، كما كانوا يرتدون أيضًا قمصانًا ضيقة مع بنطلونات مدببة
وكان لأغطية الرأس أهمية كبيرة في الملابس البابلية، فكان الرجال يرتدون قبعات صغيرة أو كوفية، بينما كانت النساء تغطي رؤوسهن بأقنعة من الحذاء الجلدي.
وكانت الملابس المصنوعة من الكتان تستخدم عادة في الصيف، في حين تستخدم الملابس المصنوعة من الصوف في فصل الشتاء، وقد كانت ملونة بألوان الطيف المختلفة.
وكانت الملابس تصنع من الألياف الطبيعية مثل الكتان والصوف والقطن. يرتدي الرجال عادة ملابس طويلة بلا أكمام تسمى سترة، بينما ترتدي النساء أردية طويلة تصل إلى كاحليهن. كان كل من الرجال والنساء يرتدون نوعًا من التنورة الملتفة تسمى النقبة. وكانت الملابس في كثير من الأحيان مزينة بأنماط وتصميمات معقدة، وكان الأثرياء يرتدون ملابس مزخرفة وملونة أكثر من الفقراءالملابس التقليدية البابلية تتميز بتنوعها وتعدد أنماطها، وتختلف حسب العصور المختلفة. ففي العصر البابلي القديم، كانت الملابس تتمثل في ثوب مصنوع من الكتان أو الصوف، وعادة ما يكون طويلًا وملتفًا حول الجسم. وكانت هناك أيضًا أقمشة مزينة بالتطريز والترتر والخرز.
في العصر البابلي الحديث، أصبحت الملابس تشمل الروب والثياب الفخمة المزخرفة بالأحجار الكريمة والتطريز الذهبي. وكانت النساء يرتدين ثيابًا طويلة وواسعة، ويغطين رؤوسهن بالحجاب. أما الرجال فكانوا يرتدون قمصان وسراويل قصيرة وأحيانًا يلبسون رداءًا فوقها.
وكانت الملابس تختلف حسب الطبقة الاجتماعية وكانت تتأثر بالمناخ الحار بالمنطقة. حيث ان الملابس تصنع من الصوف والكتان والجلد، وتتميز بالطرف البارز والأكمام الواسعة والتنانير الطويلة. كما كان يلبس الرجال توربانات ومعاطف طويلة، وكانت المرأة ترتدي فساتين طويلة وتغطي رأسها ووجهها بأربطة الحرير وتزينها بالمجوهرات. وكان اللون الأساسي المستخدم في الملابس هو الأسود والأبيض والأزرق والأحم
ويعتبر اللباس الملكي البابلي أحد أبرز الأشكال التقليدية في بابل، حيث يتميز بالبهاء والفخامة ويزين بالأحجار الكريمة والمجوهرات. في الحضارة البابلية كانت الملابس تختلف حسب الطبقة الاجتماعية والجنس، ولكن من الملابس الشائعة كانت:
1- الثياب القماشية البسيطة والتي تصنع من الصوف والكتان وتشكلت بأشكال وأحجام مختلفة.
2- الثياب البهلوانية وهي ثياب فاخرة تلبس في المناسبات الرسمية.
3- الزي العسكري والذي يحمل ألوان مختلفة تدل على الرتبة العسكرية والدور الذي يلعبه الشخص في الجيش.
4- الرداء الواسع والذي يستخدم كملابس شتوية لحماية الجسم من البرد.
5- الحلية والتي تستخدم لإضفاء الزخرفة على الملابس وتُصنع من الأحجار الكريمة واللؤلؤ. الازياء الاشورية
ان اول ما يلحظه الباحث في تلك الازياء الاشورية هي انها ذات طابع احتفالي وطقوسي لكثرة زركشتها ونقوشها الزخرفية ولا سيما الازياء الملكية التي تميزت ايضا بكثرة استخدام الحلي من الذهب والمجوهرات والموشاة بالخيوط الملونة واستنادا الى المعلومات التاريخية التي وصلتنا فان معظم الملابس الملكية الفاخرة وازيائها كانت تصنع من الحرير كذلك ورد عن استخدام الصوف والكتان والجلد في تزيين بعض الملابس وتطعيمها بالذهب والبرونز كما عمل الملك ( سنحاريب ) على جلب القطن وزراعته وسميت شجرته ( الشجرة التي تحمل الصوف ) واستخدم الآشوريون في زينة ملابسهم
اما الالوان المستخدمة في الازياء الاشورية وكما ورد في النصوص المسمارية فكان لها دور بارز في توضيح بعض المفاهيم الشائعة انذاك وخاصة اللونين الاحمر والابيض والمشتقة من الاحمر والتي استخرجت من مصادر نباتية وحيوانية ومعدنية , فاللون الاحمر عند الاشوريين اعتبارات عديدة لما هو متعلق بطرد الارواح الشريرة اما اللون الابيض فيمثل لهم رمز النقاء والنظافة وكان لباس الملك الاشوري في الاحتفالات الدينية وكذلك كبار الكهنة , ان ميل الاشوريين الى الالوان القوية والعميقة اعطت أزيائهم الانسجام المطلوب وما تعطيها تلك الالوان من قوة لبيان خطوط الجسم وتقاطيعه المتميزة عند تعرضها لاشعة الشمس.