المخططات المعرفية اللاتكيفية
ا.د. رجاء ياسين عبدالله                   قسم العلوم التربوية والنفسية
المخططات المعرفية هي بنى افتراضية توجه وتنظم معالجة المعلومات , وفهم خبرات الحياة , وتنمو من تمثيل الاشياء والخبرات في الطفولة المبكرة وتتأسس كقوة في التفكير والسلوك منذ ابكر مراحل الحياة , والتي يحملها الفرد معه فيما بعد كنماذج داخلية فاعلة في العلاقات , وتعبر عن تراكمات لخبرات تعلم الفرد مع مجموعة الأسرة , الاقران , المدرسة , تبدا مع الفرد مدعومة من قبل الافراد من حوله ,حيث تعمل كلبنات بناء يبني عليها التعليم لاحقا وقد تعمل كمرشحات تشوه المثيرات الذي يواجه الفرد , وكأنماط تفكير ثابتة تتقولب وفقا لهذه البيانات الخام التي ترد الى الفرد لجعل تلك البيئات متلائمة معها ويحملها الفرد بذاته بشكل قناعات راسخة بصرف النظر عن الأدلة التي تثبت عكس ذلك . 
وأن مصطلح المخططات مستند من نظرية معالجة المعلومات والتي تنص على أن المعلومات مرتبة في ذاكراتنا بشكل موضوعي وتكمن الفكرة الرئيسية للنظرية  في أن الخبرات محفوظة في ذاكرة السيرة الذاتية من خلال المخططات التي تشكلت خلال السنوات الاولى من عمر الفرد وتتكون المخططات من التصورات الحسية والعواطف والانفعالات طبقا للمعنى الذي يضفى  عليها بحيث يتم حفظ تجارب الطفولة المبكرة بصورة غير لفظية, بالإضافة الى ذلك تعمل المخططات بمثابة مرشحات بين الفرد وبيئته من خلالها يرتب الأفراد ويفسرون ويطورون مخططاتهم لتساعدهم على فهم أنفسهم وسلوك الآخرين , والأحداث في العالم بشكل أفضل وهذا يتيح لهم تطوير صورة ذاتية إيجابية وصورة متباينة للآخرين وحل المشكلات بشكل ملائم , أما الأفراد الذين يعانون من مشكلات شخصية طوروا مخططات لاتكيفية ومن ثم يتناولون الحياة بجودة اقل, حيث تمتلك هذه المخططات اللاتكيفية مقومات معرفية انفعالية وسلوكية تكونت أثناء الطفولة المبكرة من خلال التجمع واتحاد كل من العوامل : الاستعدادات الوراثية , العوامل البيولوجية والخبرات البيئية كما أنها تستمر بالتوسع أو التطور من خلال خبرات الحياة متضمنة التعلق بالأخرين ذوي الاهمية بالنسبة للفرد , من خلال التفاعلات من البيئة الثقافية التي ينشأ فيها الفرد . وأنماط التنشئة الاجتماعية التي يمارسها الوالدان، إضافة إلى احتكاكه بالزملاء والرفاق، ممن يدخلون في شبكة علاقاته الاجتماعية، و نتيجة لهذا تتكون وتنشأ أفكار الفرد ومعتقداته, ربما يكون الفرد مقتنعا بهذه الأفكار، آو غير مقتنع بها، أو تكون هذه الأفكار منطقية أو غير منطقية, والتي تتدخل لتسبب سعادته أو شقائه، بمعنى قد تقوده أفكاره إلى السواء النفسي والصحة النفسية أو تقوده إلى غيرها، وهو غير مدرك أسباب ذلك .ووفقا لما ذكره يونغ واخرون ( 2005) فإن هذه المخططات اللاتكيفية توضع في سن مبكره نتيجة للتفاعلات بين عوامل مثل : مزاج الطفل واسلوب الوالدين .وقد افترض يونغ واخرون (2005) نموذجا لتطور الشخصية وعلم الأمراض النفسية وهي تفترض أن المخططات السيئة التكيف تعكس الاحتياجات العاطفية غير المشبعة ولكنها مهمة وتمثل تكيفات مع التجارب السلبية على سبيل المثال المشاحنات الأسرية ,الرفض ,العداء , او حتى العدوان من الاباء  المعلمين والاقران ونقص الحب والدفء ورعاية الوالدين ودعمهما . واظهرت الأبحاث أن تأثير العلاقات مهم للنمو الانفعالي للطفل ويمكن أن تؤدي الاضطرابات إلى عدم انتظام الانفعالات على الرغم من أن المخططات اللاتكيفية كانت تكيفية عادة في الطفولة المبكرة والتي اقرتها الظروف الا أنه من المفترض انها تتدخل ايضا إلى حد كبير في اكمال مهام النمو يمكن ان تؤدي إلى تجارب سلبية مستمرة مما يعني ان المخطط يصبح اكثر صلابة ومقاومة في حين انه لا يجب المبالغة في تأثير مزاج الطفل الا ان احد الاطفال يمكن ان ينزعج او يرتبك بتعليم معين عن اخر . وأوضح يونغ وآخرون بأن المخططات المعرفية اللاتكيفية هي أنظمة إدراكية سلبية هدامة للذات وثابتة نسبياً ومعيقة لدرجة كبيره , والتي تتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة للفرد أو أثناء المراهقة من جراء الخبرات العلاقاتية المسببة للأذى المتكرر من قبل الاشخاص المهمين للفرد ألا أن هذه الخبرات السلبية التي يتلقاه الفرد من المحيط الأسرى تحبط عملية اشباع الحاجات النفسية الأساسية مما يجعل الفرد عرضة لأن يطور مخططات معرفية لا تكيفية  وأساليب تكيف لا توافقية وبالتالي تسبب مشكلات أنفعالية وإضطرابات شخصية أو مشكلات شخصية , وتستمر هذه المخططات بالتطور خلال مراحل حياة الفرد وذلك لإيجاد نظرة ثابتة نسبياً لديه فيما يتعلق بإدراكه لخبراته, لذلك تتصف هذه المخططات بأنها افكار عميقة وراسخة ومقاومة للتغير فالفرد يحاول بشكل غير شعوري بأن يثبت صحة هذا الادراك من خلال الانجذاب الى تلك الخبرات التي تؤكد على هذه المخططات المعرفية اللاتكيفية .( Young et al, 2006:7)   و ويرى أرنتز وكيوبرز (Arntz& Kuiper) أن المخططات هي بنية معرفية تنمو خلال الطفولة وتظهر في بعض السلوكيات والعواطف والافكار ولقد عمل باحثون اخرون على توظيف مفهوم المخططات المعرفية  في تفسير مختلف انواع اضطرابات الشخصية Personality Disturbances ، كونه بُعداً معرفياً يمكن استعماله في تفسير الكثير من اضطرابات الشخصية غير السوية،  وقد أعطى المعالجون المعرفيون في السنوات الاخيرة اهتماماً متزايدا بالمخططات المعرفية والمعتقدات الجوهرية للأفراد , والتي أفترض أنها تمارس دورا رئيسيّا في الصحة والمرض النفسي , حيث تؤثر هذه المخططات في كيفية تفسير الأفراد للعالم , والاحداث , والاستجابة للمواقف الاجتماعية . ولقد اكد ( & Dimitru Negrescu) ان المخططات المعرفية اللاتكيفية تؤثر على الخبرات الحالية للفرد ومعلوماته ومعرفته عن نفسه وعن العلم من حوله فهي تمثل قواعد تنظم وتواجه معلومات الفرد وتؤثر على الطريقة التي يقيم بها الاحداث من حوله كما انها تمثل معتقدات راسخة تؤثر بقوة على انفعالات البشر وذكائهم الانفعالي كما ان وظيفتها هي هدم الذات لنفسها مما تؤثر على قدرة الفرد على تنظيم ذاته ويخفض من دافعيته فيركز على الجانب السلبي من الحياة فينعكس ذلك على توجهاته في تحديد اهدافه وتركيز طاقاته في تحقيق تلك الاهداف .فالمخططات تشبه مقاطع الفيديو القصيرة التي تخزن الذكريات المعقدة , بما في ذلك العواطف الشديدة وردود الفعل الجسدية . تؤثر على الفرد بمجرد تنشيطها , تسافر عبر نفق زمني ويجد الفرد في فخاخ طفولته فينظر الى عالمه الحالي من خلال نظرات طفولية , المخططات هي أساس في كيفية رؤية الفرد لنفسه وللأخرين أي انها ايضاً أساسية لكيفية التصرف  فالمخططات هي نقطة التقاء الافكار , والعواطف , والاتجاهات , والميول السلوكية , وكلها قد يكون لها مسارات عصبية مختلفة في الدماغ ولكنها تلتقي في مخطط عند تنشيطها ., فالمخططات المعرفية  تمثيل معرفي لخبرات الفرد في الماضي في الظروف او مع الافراد , حيث يعتقد أنها توفر سبب لفهم الالتواءات في الافكار الالية والمعتقدات التي يصنعها الفرد في معالجة المعلومات حول نفسه , وحول الافراد الاخرين , وحول بيئته .كما أن المخططات المعرفية  مسئولة عن المشكلات مثل التشويه في تحليل الافكار , ومراحل سوء التكيف الانفعالي , والتوقع الخاطي المبالغ فيه وغير الواقعي عن الذات والاخرين والظروف البيئية واللحاق المعني السلبي  بالمواقف ,والتفاعلات ,والأحداث , وزيادة في التحليل الخاطي للمعلومات , والتاكل في شعور الفرد بالكفاية الذاتية ومشاعر سلبية اكثر تطرفا. (المصري , 2017 : 261) نستنتج مما سبق ان المخططات المعرفية اللاتكيفية هي تصورات وافكار سلبية يبنيها الفرد على نفسه وعلى العالم  من حوله حيث تؤثر على طريقة تفكيره وتقيمه لذاته , كما انها تنشا في مراحل مبكرة من حياة الفرد وتستمر في التأثير عليها نتيجة خبرات الطفولة السلبية التي تلقاها في المحيط الأسري حيث تؤثر في ديناميكيات التفاعل في أسرة الطفل وعلى تفاعله في جميع نواحي حياته مما يؤدي الى تكوين مخططات معرفية لا تكيفية .
 

شارك هذا الموضوع: