يتعرض القرآن الكريم في بيانه لولادة بعض الأنبياء عليهم السلام ولاسيما ولادة موسى الكليم وعيسى عليه السلام إلى حوادث رافقت هذه الولادة كي يلتفت الناس إلى أهمية هذه الشخصية وارتباطها بالسماء، ناهيك عن آثارها النفسية والاجتماعية على مختلف طبقات المجتمع الذي بعث فيه أولئك الأنبياء عليهم السلام.
وفي ولادة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم تحدثنا مصادر علم الحديث والسيرة والتاريخ عن وقوع حوادث عجيبة في يوم ولادته صلى الله عليه وآله وسلم، مثل: «ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط أربع عشرة شرقة منه، وانخماد نار فارس التي كانت تُعبد، وجفاف بحيرة ساوه، وتساقط الأصنام المنصوبة على الكعبة على وجوهها، وخروج نور معه صلى الله عليه وآله وسلم أضاء مساحة واسعة من الجزيرة، والرؤيا المخيفة التي رآها انوشيروان ومؤبدوه(التأبيد: هو التخليد. الصحاح للجوهري، مادة: أبد.)، وولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مختوناً مقطوع السرّة، وهو يقول: «الله أكبر، والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً»(السيرة الحلبية: ج 2، ص 5. البحار: ج 15، ص 248 ــ 331. تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 5.). ولقد اتفق عامّة كتّاب السيرة على أن ولادة النبي الكريم صلى اله عليه وآله وسلم كانت عام الفيل سنة 570 ميلادية. واتفقوا أيضاً على أنه ولد في شهر ربيع الأول، ولكنهم اختلفوا في يوم مولده من هذا الشهر فقال محدثو الشيعة أنه كان يوم الجمعة، السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر.
والمشهور بين أهل السنة أنه صلى الله عليه وآله وسلم وُلد في يوم الاثنين، الثاني عشر من ذلك الشهر(الامتاع للمقريزي: ص 3.).
تسميته صلى الله عليه وآله وسلم
كان يدعى النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بإسمين في الناس منذ صغره. أحدهما «محمد» الذي سماه به جده عبدالمطلب والآخر «احمد» الذي سمته به أمه «آمنه»(سيد المرسلين للسبحاني: ج 1، ص 213.).
طفولته وصباه صلى الله عليه وآله وسلم
«إن صفحات التاريخ تشهد بأن حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بداية طفولته وأوان حباه والى يوم مبعثه بالرسالة، كانت مشحونة بسلسلة من الحوادث العجيبة التي تعدّ بأجمعها من كراماته صلى اله عليه وآله وسلم، وتدل على أن حياة النبي صلى اله عليه وآله وسلم لم تكن حياة عادية»(سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم للشيخ جعفر سبحاني: ج1، ص219.)، فمنها:
1. رضاعته: نقل المؤرخون عن «حليمة السعدية» ان النبي الأكرم صلى اله عليه وآله وسلم كان لا يرتضع إلا من ثديها الأيمن وحينما يكون خالياً من اللبن وتريد ان ترضعه من الأيسر لا يأخذه فتعيده إلى الأيمن فلما يتناوله النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمتلئ باللبن حتى يملأ شدقيه فكان يدهش الجميع»(بحار الأنوار: ج5، ص345 ــ 346. المناقب لابن شهر آشوب: ج1، ص 24.).
2. سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب والتقاءه بالراهب بحيرا. حينما انتقل عبد المطلب إلى جوار ربه تعالى تكفل أبو طالب برعاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يفارقه في حله وترحاله ولذلك اصطحبه معه إلى الشام وقد اتفق أن التقى أبو طالب عليه السلام في هذا المسير مع راهب نصراني يسكن في «بصرا» فقال لأبي طالب عليه السلام: انه كان لابن أخيك هذا شأن عظيم، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين، يبعثه رحمة للعالمين، احذر عليه اليهود لأن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدن قتله فعاد به أبو طالب إلى مكة(تاريخ الطبري: ج2، ص32 و33. السيرة النبوية لاين هشام: ج1، ص182 و183.).
شبابه صلى الله عليه وآله وسلم
عكف أبو طالب عليه السلام على رعاية ابن أخيه وحفظه من كل ما يدعوا إلى الريبة فكان يغير موضع نومه ويضع أحد ولديه في مكانه كي لا يتعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوء من غدر غادر.
وفي شبابه صلى الله عليه وآله وسلم رغبّه عمه بالاتجار في مال خديجة بنت خويلد ولقد كانت: «امرأة حازمة لبيبة شريفة وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسباً وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً وكل قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو يقدروا عليه»(كشف الغمة للاربلي: ج2، ص132.).
ولقد تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان له من العمر 25 سنة فوهبت جميع مالها وخدمها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولقد انفق جميع هذا المال على المسلمين بعد البعثة ولاسيما في فترة حجرهم في شعب أبي طالب.
مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم
ولما بلغ صلى الله عليه وآله وسلم الأربعين من عمره نزل عليه الوحي وهو في غار حراء بقوله تعالى: «إقراء باسم ربك الذي خلق» وكان ذلك في يوم 27 رجب، الموافق سنة 610 ميلادية ولقد تناولت بعض الروايات حادثة المبعث بكثير من الأباطيل التي تصدى لها أئمة أهل البيت عليهم السلام وابطلو زيفها، نذكر منها هذه الرواية، سئل الإمام الصادق عليه السلام: كيف لم يخف رسول الله فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟.
قال عليه السلام: «إن الله إذا أتخذ عبداً ورسولاً، أنزل عليه السكينة والوقار فكان يأتيه من قبل الله عز وجل مثل الذي يراه بعينه»(البحار : ج 18، ص262. وفي الكافي للكليني ورد نظير هذا الحديث: ج1، ص271.).
ما بين الهجرة والوفاة
بعد أن فقد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ناصره وحاميه الذي أفنى حياته في الذود عنه وحفظه انعطفت قريش بعد وفاة شيخ الأبطح عليه السلام على إنزال بالغ الأذى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حتى قال: «ما نالت مني قريش شيء اكره حتى توفى أبو طالب»(تاريخ دمشق لابن عساكر: ج66، ص338.).
ولذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة المنورة بعد مرور ثلاثة عشر عاماً على مبعثه وكانت في شهر ربيع الأول(سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم للسبحاني: ج1، ص583.).
ولقد نام الإمام علي عليه السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرج هو ليلاً وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
وقـيـت بـنـفـسي خير من وطأ الحصا
ومـن طـاف بـالـبيت العتيق وبالحجر
محمد لما خــاف أن يمكـروا بـه
وقّـاه ربـي ذو الـجلال مــن المكـر
وبتُ أراعي منـهـم مـا يســوءني
وقـد وطّنت نفسي على القتل والاسر
وبــات رســول الله فــي الــغـار آمـنـاً
هـنـاك وفي حفظ الاله وفي ستر(الآمالي للشيخ الطوسي: ص 469.)
وفي المدينة بدأت مرحلة جديدة من التبليغ والدعوة إلى الله تعالى تضمنت انجازات وأحداث عديدة منها:
1. السنة الأولى: بنى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجده وآخى بين المهاجرين والأنصار.
2. السنة الثانية: وقعت فيها معركة بدر الكبرى وزواج سيدة النساء عليها السلام.
3. السنة الثالثة: وقعت فيها معركة أحد، وفيها ولد الإمام الحسن عليه السلام.
4. السنة الرابعة: وفيها كانت غزوة بني النضير، وولادة الإمام الحسين عليه السلام.
5. السنة الخامسة: فيها وقعت غزوة الأحزاب وضربة علي يوم الخندق.
6. السنة السادسة: كانت غزوة بني المصطلق وصلح الحديبية.
7. السنة السابعة: وفيها تم اقتحام حصن خيبر، وقصة فدك، وعمرة الفضاء.
8. السنة الثامنة: غزوة ذات السلاسل، وفيها فتح مكة، ومعركة حنين.
9. السنة التاسعة: وفيها غزوة تبوك، إعلان البراءة من المشركين.
10. السنة العاشرة: وفيها كانت المباهلة، وحجة الوداع.
وفاته صلى الله عليه وآله وسلم
روي في بعض مصادر السيرة ان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان في آخر لحظات حياته يقول:
«الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم، ألبسوا ظهورهم وأشبعوا بطونهم وألينوا لهم القول»(الطبقات الكبرى: ج 2، ص 254.).
ثم فتح عينيه وقال:
«أدعو لي أخي».
فعرف الجميع بأنه يريد علياً عليه السلام فدعوا له علياً فقال: «أدنُ منّي».
فدنا منه عليُ عليه السلام فاستند إليه فلم يزل مستنداً إليه يكلّمه(الطبقات الكبرى: ج 2، ص 263.).
فلم يلبث أن بدت عليه صلى الله عليه وآله وسلم علامات الاحتضار.
سأل رجلٌ ابن عباس: هل توفّي رسول الله في حجر أحد، قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي.
فقال السائل: قلتُ: فان عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سحري ونحري.
فكذبها ابن عباس وقال: أتعقل؟ والله لتوفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لمستند إلى صدر عليّ وهو الذي غسّله، وأخي الفضل بن عباس(الطبقات الكبرى: ج 2، ص 263.). وقد صرح أمير المؤمنين علي عليه السلام في إحدى خطبه حيث قال:
«ولقد قُبضَ رسول الله وإنّ رأسه لعلى صدري… ولقد وليتُ غسله والملائكة أعواني»(نهج البلاغة: الخطبة 197.).
وكان ذلك الحدث المفجع والمصيبة العظمى قد وقعت في يوم 28 صفر في السنة الحادية عشر من الهجرة، عام 633 ميلادية وله من العمر 63 سنة. فـ «إنا لله وإنا اليه راجعون».