مقال بعنوان
(سيكولوجية الرحيل)
اعداد: م.د. ازهر علي محمد
                 جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية
هناك أشياء نتمسك بوجودها في حياتنا لاعتقادنا بأنها مهمة ولا يمكن الاستغناء عنها، وحين تأتي ظروف معينة وتفرض علينا التخلص منها ضد رغبتنا، نجد صعوبة في التكيف مع العيش بدونها، ونتأزم نفسياً من غيابها.
      على سبيل المثال، افترض أن سلوكك في العمل أدى بك إلى خسارة وظيفتك، وكانت الوظيفة جزءا من هويتك وكيانك الشخصي، بالتالي سيصعب عليك تقبل حقيقة أنك لم تعد موظفا، ومن المنطقي أن تتفاقم لديك مشاعر الإحباط والندم وتأنيب نفسك على أفعالك التي أدت بك إلى ذلك.
     أو تخيل أن شريكك قرر الانفصال عنك، وكانت العلاقة الزوجية هي محور حياتك، فلا شك أنك ستفشل في التكيف مع الأمر الواقع أو ما سيترتب عليه، كما ستجد مشاعر الإحباط والندم طريقها إليك وتسيطر على أفكارك ثم تستقر في نفسك وتبدأ معاناتك معها.
     وبالتطبيق النظري المثالي على المشكلة، يتطلب الأمر مواجهة تلك المشاعر والأفكار من منظور صحي للتعافي منها والاستمرار في حياتنا على الطريق السليم، فمثلا في الفرضين السابقين، يبحث الشخص الأول عن وظيفة أخرى، أو يسعى الثاني إلى التعرف على شخص آخر يحل محل شريكه.
      إلا أن الأغلبية منا تجد في العيش مع الألم ملجاً مناسبا للسكون والراحة، إلى أن يصل الشخص إلى مرحلة التعلق بالحزن، ويصبح من الصعب التخلص من سيطرتها على حركتنا ومنعنا من التوجه إلى الأمام.
      إذا أردنا التجاوز بعد الرحيل علينا العلم بأن تلك المهمة تبدأ أولاً بضرورة قبول الوضع الحالي والظروف المحيطة بنا بدلا من استحواذ الماضي على تفكيرنا وتمكين الذكريات من تغييبنا عن الواقع الذي نعيشه، فذلك الماضي الذي حبسنا أنفسنا فيه لن يُعاد وما نعيشه ليس إلا مجرد وهم، ولذلك يجب أن ننفصل عن هذا العالم الخيالي الذي لم يعد لنا تأثير على تغيير مساره.
      وهناك أسلوب تفكير إيجابي صحي يمكن أن يساعدنا على مواجهة المواقف التي تم طرحها على سبيل المثال فيما سبق كأن يتقبل الشخص الذي فقد وظيفته أن سبب فقدها هو تصرفاته وأفعاله، أو يتقبل الشخص الذي خسر علاقته أنها انتهت عند هذا الحد ولا يوجد ما يمكن منع ذلك من الحدوث لأنه حدث بالفعل، إذا استطعنا الوقوف على هذه الأرض الصلبة، وتقبلنا مجريات الأمور، سنتمكن من اتخاذ الخطوة التالية، وتتخلص من التعلق المرضي بالحزن والألم إلى أن تختفي هذه المشاعر تدريجيا من حياتنا.
سيعزلك الاستسلام للنكوص – أي التعلق بالسعادة والنجاح في الماضي والامتناع عن العيش في الحاضر وكراهيته، لأنك خسرت تلك السعادة أو ذلك النجاح – عن كل من حولك، وسيدفعك لمقاومة محاولاتهم لمساعدتك حين يدركوا أنك مستغرق في أحزان الرغبة لاسترجاع الماضي، سيقتربون منك ويحاولون تشتيت انتباهك عن المشاعر السلبية، لكنك ستفضل العزلة في صحبة المعاناة النفسية فقط، فيتنامى الشعور بالانفصال عن الواقع، وتغفل عن تقدير الآخرين لك وتعاطفهم معك.
      في الواقع هناك جوانب معينة في الحياة من شأنها أن تسبب ألماً وإرهاقاً في حياة الجميع ولكن هناك من يميلون إلى الارتباط بالذكريات الأليمة مثل التي تسبب الشعور بالندم والفقد واليأس، هؤلاء يجدون عزاء في رؤية الآخرين الذين يختبرون نفس آلامهم.
   م.د. ازهر علي محمد
التخصص – علوم نفسية\ علم نفس النمو  

شارك هذا الموضوع: