علي الوردي النشأة … وروافد بناءه الفكري المبكرة: (الحلقة الأولى) 
 
ولد علي الوردي بتاريخ 1913 () في مدينة الكاظمية() ، وكان المولود الرابع والوحيد لأبويه اذ توفي اخوته جميعاً بسبب الامراض والاوبئة المتفشية يومئذ في البلاد() ، والده هو السيد حسين بن محسن بن هاشم ابي الورد بن جواد البغدادي الذي يتصل بنسبه الى الامام الحسين بن علي بن ابي طالب (عليهم السلام)()
 
كان جده محسن من اعيان الكاظمية ، امتهن في نهاره حرفة الصياغة ، وفي ليله قريئاً للشعر وذواقاً لفنونه ، حافظاً لرقراقة ورفيعه ، جامعاً لنادره وشارده ، فانجز مؤلفات عدة ، كان منها (المجموع الجامع) وصفه حسين محفوظ بـ(الحماسة الوردية)( )
 
لحق لقب الورد ومن ثم الوردي() بالاسرة بسبب امتهان جد الاسرة السيد هاشم وبعض من ابنائه حرفة تقطير ماء الورد() ، وأما والدته فهي تعود بنسبها الى الاسرة نفسها، فهي كريمة عم ابيه سيدة فاضلة من بيت علم وأدب()
 
نشأ علي الوردي وترعرع في بيت صبا ، طلت اعتابه عند زقاق “محلة الشيوخ” ، واشرفت نوافذه الخلفية على “محلة الانباريين” ، وهوأمر مكنه من الاختلاط مع أطفال المحلتين، وبالتالي الاحتكاك والتعرف على عادات وتقاليد واعراف هاتيك المحلتين المتباينة في جوانب والملتقية بأخرى ، وفقاً لأسس النشأة والتكون في أصولها العشائرية وتركيبها السكانية ، فضلاً عما اتسمت به من أنشطة معرفية وحرفية اثرت في تشكيل خصائصها الاجتماعية() .
 
ساعد هذا التنوع بين المحلتين على انماء معرفته الأولية ، ومثلما التمست خطاه الأولى  طريقها نحو مراتع الطفولة وملاعب الصبا ، عرجت به الى مجالس الكاظمية الزاخرة بعلمائها وادبائها ومثقفيها من متنورين ومجددين ، فشنفت مسامعه سجالاتها الشعرية ، وداعبت حوارات باحاتها مخيلته ، مستثيرة اياها بسؤال وسؤال ، واستفهام آخر ؟! أثرت في تكوينه المعرفي المبكر الى حد كبير ، وفي توجهاتها الفكرية والعلمية فيما بعد من مسيرته الدراسية والاكاديمية() . أثرت فيه قيم الصراع بين المحافظ القديم والمتنور الجديد ، وتفاعل معها تفاعلاً حسياً بدءاً ، وموضوعياً في مراحل تالية من عمره الزمني والاكاديمي ، صراع اتسم في بعض الاحيان بالحدة والعنف بين ما هو تقليدي (جامد) ومتنور (مجدد) ، برزت ملامحه منذ العقد الاول من القرن العشرين ، واتضحت صوره اعقاب الاحتلال البريطاني للبلاد خلال الحرب العالمية الاولى وما تلاها() . وتجسد صراع الرؤى والافكار بين تياري المحافظين والمجددين في ذهنه برمزية الاصطراع بين من سماهم “الملائية” ، ممن ارتكزوا في بنائهم العقائدي والفكري على قيم ومقومات الشرع الاسلامي القويم ، والتراث الانساني والعلمي العربي والاسلامي، واولئك الذين اطلق عليهم بـ”الافندية() معظمهم من ابناء الفئة المثقفة العراقية الحديثة ، ممن درسوا في المدارس والمعاهد والكليات الحديثة ، وتأثروا بصورة عميقة بالنهضة العلمية والفكرية في اوربا ، لا بل وحتى في مظاهر السلوكية والتحرر في العلاقات العامة المرفوضة بقوة من المجتمع العراقي المحافظ ، مما كان له ابعد الاثر في تأجيج المواجهات بين الطرفين ، لم تخل في احيان غير قليلة من “لمز” و “همز” واتهامات هدفت الى تقليل الشأن في وسط الرأي العام لهذا الطرف أو ذاك()
 
كما تركت التناقضات بين منشئه الطبيعي – المدني (الكاظمية)  ومحيطها العشائري (الريفي) من قيم وعادات وتقاليد وسلوك واعراف ، فضلاً عن انتماءاتها المذهبية، اثرها الفاعل في خوالج نفسه ورؤاه عن المجتمع العراقي ، فهو وعلى حد تعبيره جزء لم يتجزء عما كان سائداً في مجتمعه من قيم اجتماعية او تطورات اقتصادية او ارهاصات سياسية() ، ولعل من الجدير بالذكر هنا ان نقتبس فقرة مما صرح به لأحد معاصريه عن ذلك: 
” ان كل حادثة حدثت في العراق في تلك الفترة ، سياسية او اجتماعية او اقتصادية او طبيعية ، كان لها اثرها في نفوس الناس ، وافكارهم …… وانا كنت أحد هؤلاء الناس أفكر كما يفكرون“() . 
 

شارك هذا الموضوع: