علي الوردي النشأة … وروافد بناءه الفكري المبكرة ( الحلقه الرابعه) .
وكان من بين قراءاته المهمة في هذه المرحلة قراءته لـ”مقدمة” ابن خلدون() ، فقد لفت انظاره جملة من القضايا المعالجة في المقدمة ، كان منها تقسيم المجتمع الى (حضري)    و (بدوي) ، والتأكيد على السمات والخصائص المميزة لكل منهما ، واثر تلك الخصائص في المجتمع والدولة وبالتالي في قيام وسقوط النظم السياسية() .
 
وتأثر ايضاً في هذه المرحلة بالاسلوب النقدي والتحريضي الذي ميز كتابات المصلح الكبير جمال الدين الافغاني() ، في الدعوة للاصلاح السياسي وتحديث المجتمع الاسلامي ، ولم يقف هذا التأثر عند الافـغاني فحـسب بـل انسحب على العديد من تلاميذه أمثال عبد الرحمن
الكواكبي() صاحب كتاب (طبائع الاستبداد) ، ومحمد عبده() صاحب المنهج التوفيقي في العلاقة بين الشريعة الإسلامية وقيم النهوض الأوربي ، واقتباس ما يمكن اقتباسه من خصائص التقدم العلمي والمدني الاوربي لخدمة المجتمع الاسلامي مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم تعارضها مع مبادئ الشرع الاسلامي القويم()
 
و قرأ آراء وطروحات قاسم أمين() ، عن المرأة واهمية دورها الفاعل في بناء مجتمع سليم ، ينشد الرقي والنهوض ، بيد انه كان قد تناغم بصورة عميقة مع المنهج التعليلي والتحليلي السائد في كتابات المفكر المصري سلامة موسى() ، متأثراً الى حد كبير باسلوبه في الكتابة ، المتسم ببساطة جمله وجزالة معانيه الواضحة()
 
فضلاً عن ذلك تأثر بالعديد من ريادي حركة التحديث والتجديد في العراق المعاصر يومئذ ، كان منهم على سبيل المثال لا الحصر المصلح المجدد هبة الدين الشهرستاني() ، والسيد محسن أمين العاملي() ، حامل لواء الحرب على الخرافة وما لحق بالدين الاسلامي الحنيف من معتقدات بالية غريبة عنه والعلامـة المؤرخ واللغوي المعـروف مصطفـى جواد()، الذي طالما اغترف من معينه الزاخر بشتى المعارف الادبية والتاريخية ، لا سيما وان الاخير كان  يصطحب معه الوردي في زياراته لمختلف المجالس الفكرية والادبية البغدادية ، ولعل من المفيد هنا ان نقتبس فقرة ذات دلالة ومغزى واضحين من احدى رسائل علي الوردي الموجهة الى هبة الدين الشهرستاني عام 1943 اذ جاء فيها ما نصه : 
” اذا كانت اياديك سيدي في سبيل هذا الدين وفي سبيل المجتمع كثيرة ومتنوعة ، فأن يدك في محاربة العادات البالية لجلى والتاريخ سيذكر ، بلا ريب وعساني أكون من شهوده”() .
واحتل الواقع الاجتماعي للمرأة العراقية في هذه المرحلة من حياته حيزاً كبيراً في اهتماماته ، فقد قرأ متفهماً طروحات الاديب المفكر جميل صدقي الزهاوي() ، عن أهمية حرية المرأة واصلاح واقعها الاجتماعي عن طريق التنوير والتعليم ، وما لاقاه من عنت وهجوم سافر استهدف حياته من بعض العامة بسبب طروحاته تلك()
 
وكانت معايناته واحتكاكاته اليومية في المجتمع هي الاخرى رافداً من روافد بنائه الشخصي والمعرفي ، فقد شكلت الرحلة اليومية بين بغداد والكاظمية عبر وسيلة النقل المتيسرة يومئذ ( التراموي ) ، نافذة في التعرف على مختلف فئات مجتمعه من بسطاء الى مثقفين ومتعلمين ، مراقباً وبفضول ملحوظ تصرفاتهم وانفعالاتهم النقاشية – الحوارية ، لتترك وبصورة مبكرة انظباعات وتصورات اولية في ذهن ( الشاب النابه ) علي الوردي عن عوامل واسباب هذا المسلك السلوكي في الشخصية العراقية وبالتالي المجتمع العراقي محوري اهتماماته الدراسية والبحثية في المراحل المتقدمة من دراسته الجامعية وهذا ما سنعرج عليه في المبحث التالي()   .


شارك هذا الموضوع: