الأزمات الاقتصادية في الدولة الاموية
أ. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
يعد موضوع الأزمات الاقتصادية في العصر الاموي , من المواضيع المهمة في التاريخ الاسلامي حيث استمرت لعقود طويلة وكانت نتائجها وخيمة على البلاد والعباد ,وذلك لأسباب عدة , يأتي في مقدمتها : الفساد الاداري والمالي وظهور الملكيات الخاصة واندلاع الفتن والثورات, فضلا عن اسلام اهل الذمة واثره على اقتصاد الدولة, وهجرة الفلاحين الى الامصار , وكان للأوبئة والكوارث الطبيعية مثل : الطواعين والآفات الزراعية ومواسم القحط وهجوم الجراد وقد واجه العالم الإسلامي فيه أزمات اقتصاديَّة في فترات عديدة , ان أثرت سلبا على مستوى الانتاج والايدي العاملة وكان ذلك ينعكس على واردات بيت المال , كما بحثت الدولة عن الحلول إبَّان الأزمات الاقتصادية، الا ان الوسائل المتوافرة لمواجهة تلك الأزمات كانت محدودة، وسيطرة الإنسان على بيئته المناخيَّة وما يتعرَّض له من جفافٍ وقحط ، أو فيضانات وأوبئة وطواعين كانت قليلة نوعا ما ، فضلاً عن كثرة الحروب والفتن، وقلَّة التعاون بين الأمم والشعوب وصعوبته في ذلك العصر للتغلُّب على مثل تلك الكوارث والأزمات.
المبحث الاول : تعريف الأزمة( لغة , واصطلاحا ):-
تعرف الأزمة لغة : بانها الشدة والضيق , من ازم , اي ازم عليهم العام والدهر ازما وازوما , اي اشتد قحطه وقل خيره , وازمة اي مجدبة شديدة الجدب والمحل , وقيل اذا ازمت بهم سنة ازوم الأزمة, اي الشدة والقحط , ومنه القول المأثور اشتدي ازمة تنفرجي .
اما الأزمة اصطلاحاً: فقد تطور مفهوم الأزمة بتقدم الزمن واخذ بالاتساع فاصبح بمرور الوقت يعطي دلالات اعمق الا ان اختلاف المسبب لها يجعل تعريفها يختلف من تخصص لأخر, وكلا قد عرفها بحسب وجهه نظره , فتعريف السياسي يختلف عن ما هو عند علماء الاقتصاد والاجتماع او الاداريين وغيرهم ,و قد عرفت : بانها مجموعة من الظروف والاحداث المفاجئة التي تنطوي على تهديد واضح للوضع الراهن المستقر في طبيعة الاشياء وبذلك فهي النقطة الحرجة التي يتحدد عندها مصير جماعة او أمة بإكمالها, ليصبح الظرف انتقاليا فاقدا للتوازن , ويمثل نقطة التحول الذي تحدد في ضوئها احداث المستقبل التي تؤدي الى تغيير جذري كبير.
ان الأزمة وليدة الظرف والمحيط التي تنشأ فيه فمن الصعوبة حصر الأزمة بتعريف شمولي واحد يتفق مع كل الظروف والاحوال التي تنشأ فيه , لذا نجد ان تعريفها له مدلولاته تبعا لتطور العصور وتغير العوامل المؤثرة في نشوء الأزمة .
وتعرف الأزمة : بانها الاضطراب الذي يطرأ على التوازن الاقتصادي الذي ينشأ عادة بسبب اختلال التوازن بين الانتاج والاستهلاك ,وعرفت ايضا :بانها الاضطراب الشديد في تدبير الامور المالية للدولة الذي يحتاج الى بذل جهد وتسخير الطاقات لإزالته واعادته الى الاستقامة , وليس المقصود منها ذلك الخلل البسيط في الامور المالية الذي يمكن معالجته بالوسائل البسيطة وبالطرق اليسيرة , وعليه يمكن تعريفها اجرائيا : بانها الخلل الذي يصيب الهيكل الاقتصادي للدولة بسبب عوامل طبيعية او بشرية , وينعكس اثره على الدولة والفرد ويحتاج الى معالجة فورية للتخفيف من اثاره .
ان الازمات المالية وعواملها المؤثرة على خزينه بيت المال التي عصفت الدولة الاموية كان لها اسباب وعلل ماضية ,فقد كانت موجودة منذ مدة مبكرة , وذلك لان اموال الفيء الذي كان يغذي بيت المال , كان مهدداً بالتراجع بسبب الغاء بعض الموارد المالية وتغيير بعضها الاخر وسوء ادارة الدولة , كما ان اعتماد نفقات بيت المال او ديوان الجند (العطاء) على مال الفيء المتحصل من الضرائب المفروضة على البلاد المفتوحة كان يخلق مشكلة شبه دائمة لدى الجهاز الاداري والمالي , من اجل التوفيق او الموازنة بين مال الفيء ونفقات الدولة , فبينما كانت النفقات الثابتة في ازدياد وذلك نتيجة لاستمرار الهجرة العربية ودعوة الخلافة اليها , وكذلك هجرة الموالي, في حين كان مال الفيء متذبذباً وفي حالة تناقص مستمر .