الفساد الاداري والمالي واثره على مالية الدولة الاموية
ا. د عبير عبد الرسول محمد التميمي
    تشكل الاختلاسات احدى ابرز صور الفساد المالي, والذي كشفت عنه المصادر منذ فتره مبكرة من تاريخ الاسلام  ,فمنذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان بعض الولاة يختانون في اموال الدولة فيختلسون ما استطاعوا من اموال الفيء ,وقد اشتملت القصيدة التي بعث بها ابن الصعق يزيد بن عمرو  كثيرا من اسماء الولاة والعمال المتورطين في عمليات اختلاس للأموال العامة للدولة . 
    ومن خلال تتبع الاسماء الواردة في قصيدة  ابن الصعق يزيد بن عمرو بن خويلد بن نفيل بن عمرو الكلابي , نجد انهم  كانوا اما عمالا على بيوت الاموال او ولاة على بعض الاقاليم او موظفين عينتهم الدولة على بعض الوظائف المالية , مثل : جباية العشور وجمع المغانم والصدقات , فمن هذه الشخصيات التي فضحتها القصيدة :  ابو بكرة  , وكان على بيت المال وعشور الأبله , والحجاج بن عتيك  الثقفي  , وكان على الفرات  وبشر بن المحتفز  وكان على جند سابور. 
      وان بعض العمال عندما احسوا  برجحان كفة معاوية نتيجة سياسة المكر والخداع,  اختلسوا من اعمالهم  الاموال  وهربوا  الى معاوية ومن هؤلاء: مصقلة بن هبيرة  عامله على  الاهواز  , ويزيد  بن حجيه  التميمي  عامله على الري ,  وعبد الله بن سوار بن همام  العبدي عامله على البحرين  ,وعبد الله بن عباس , الذي اختلس  من بيت  مال البصرة  عشرة  الاف درهم  قبل  ان يرحل عنها . 
     واستمرت هذه الاختلاسات  خلال الحكم الاموي , فقد اختلس عبد  الرحمن  بن زياد   عامل معاوية  على خراسان مبلغا كان يكفي  على حد قوله ان : (( اعيش مائة  سنة  وانفق   كل يوم  الف  درهم))  .  
      كما اختلس  كثير بن  شهاب المذحجي  عامل معاوية على خراسان  اموالا كثيره  , وكذلك  بعض هذه  الاختلاسات  وصلت الى مقادير هائلة  فقد جنى  عبيد الله بن ابي بكره  من امارته على اصفهان  اربعين  مليون درهم . 
    ويبدو ان عملية الاختلاس اصبحت تشكل ازمة  في زمن  يزيد بن  معاوية ,  فقد اختلس جزء عامله على الفرات  ابن زياد  مائه الف درهم  , كما ان  ابن زياد نفسه استولى  على ما كان في بيت مال الكوفة  ويقدر  بثمانية  ملايين  درهم  حينما  اضطربت الامور  بعد وفاه  يزيد بن معاوية  وامر بنقل المال  حين هرب  فكان يتردد في آل زياد . 
      وظهر ان اضطراب الامور وانتشار الفوضى في تلك الاثناء ادى الى استخدام اسلوب جديد  من اساليب الاختلاس من قبل الولاة والعمال  في هذه المرحلة الزمنية , وهو بيع ممتلكات الدولة من طعام وغيره , كما اثارت هذه الوسيلة الشعراء فنظموا عديد من القصائد , ثم مضوا في  تعداد الولاة  والموظفين الذين يتهمونهم  ويختموها  طالبا الى  ابن الزبير  لإيقاع  اشد العقوبات  في حق هؤلاء  , ومن غير المعلوم  ماذا كان  هؤلاء  الموظفين  الذين ذكرهم  الشاعر   قد اختانوا  من بيع  طعام الارض  الذي تحصله  الدولة  من الضرائب  العينية , ام من بيع  منتوج  اراضي  الصوافي  التي  كانت محاصيلها ملكا للدولة,  وعلى ايه حال فقد كان  مالا عاما  تعود ملكيته  لعامة المسلمين . 
   ويبدو ان مجالات  الاستغلال غير المشروع  امام الولاة والعمال وسائر موظفي الدولة كانت  محدودة نسبيا  في العهد المرواني (64هـ – 132ه /685م – 750م) , نظرا  لكونهم عرضه  لأشراف الامير, الا ان هذا الحال وهذه الرقابة لم تستمر طويلا فسرعان ما عاد الوضع لما هو عليه مع ضعف الدولة المركزية وعدم أهلية وكفاءة من يصلون للمراتب العليا في الدولة , فقد اخذ الناس    بالتوجه  للحصول  على الوظائف  لما يرون  فيها من مصادر  للربح  واجتباء الاموال , سيما  وانهم كانوا  يدركون  قيمة  السياسة والادارة في كسب  الاموال  وتحسين اوضاعهم , وفقا للحالة السائدة والمخالفة لتعاليم واحكام الاقتصاد  الاسلامي وفلسفته العادلة ,  فقيل:  (( حبذا الامارة ولو على الحجارة )) . 
    وفي الوقت ذاته فإن حجم  عمليات الاختلاس  واتساع نطاقها  وشمولها  مختلف الولايات  كان يفاقم  حده الأزمة الاقتصادية  التي كانت تهدد  بيت المال اصلا , ومما لاشك فيه ان شعور الدولة  بخطورة هذه الظاهرة  على ماليتها  كان  يحتم عليها  الضرب  على ايدي  المختلسين ومعاقبتهم  دون  الالتفات  الى مراكزهم  الاجتماعية  والقبلية , بعد ان ادركت سوء الاوضاع وخطورتها البالغة. 
     فأنشأت  لذلك  دار اسمتها دار الاستخراج  تنحصر  مهمتها   في تعذيب  العمال  المتورطين  في عمليات الاختلاس  بيت المال العام وكانت تستخدم  في هذه الدار  صنوف  من العذاب مشهورة بشدتها , وذلك بهدف  مصادرة  الاموال المسروقة المختلسة  وارجاعها, وفي الوقت ذاته استغلت الدولة ضرب الثوار والمعارضة بالحجة الاقتصادية ذاتها , فقد صودرت  اموال الخارجين عن  الدولة  والذين  أشتبه  بمساعدتهم للثائرين , فضلا عن  ما لاقوه الفلاحين من تعذيب هؤلاء الذين  رفضوا  او تهربوا  من دفع  مما عليهم  من ضرائب , وقد استمر  هذا الجهاز  قائما حتى  نهاية الدولة الاموية, وتحول اسمه الى  ديوان المصادرين  في عهد بني العباس .  
     وعندما جاء عمر بن عبد العزيز الى الحكم  اخذت هذه الظاهرة مداها الكبير وانتشرت بصورة واسعة  الامر الذي دفعه الى  محاولة   تطبيق خطة اصلاحية,  من اجل القضاء  على مظاهر  الفساد  المالي والاداري  المستشري  في الدولة , غير ان نوايا الخليفة قد  اصطدمت بالواقع  السيء, بالإضافة الى قصر مدة خلافة التي  يبدو  انها لم  تساعده  في تطبيق  خطته الاصلاحية كما كان  يأمل,  فعادت  الامور  بعد وفاته  الى ما كانت  عليه من  الفساد  , ومن تلك الاختلاسات والسرقات فان عمر بن هبيرة   , والي  العراق  في عهد يزيد بن عبد الملك(101ه- 105ه/719-724م), اخذ اموالا كثيرة ,  كما اختلس  سعيد  بن عمر  الحرشي   عامل  بن هبيره  على خراسان  اموال الفيء  ,وكذلك  فعل  نميله  بن مره   حينما  اختلس خمسمائة  الف اثناء  ولايته  على كرمان  من قبل  يوسف بن عمر. 


شارك هذا الموضوع: