مكانة العقل عند الإسماعيلية : 
                                       أ.م.د محمد مهدي علي 
      العقل عند الفاطميين هو الميزان الذي يزن الامور ويكشف عن الحقائق وهو الذي يُصدق البراهين ، وقد أستدل المعز الفاطمي على ذلك بحديث النبي محمد (ص) : (( لما خلق الله العقل قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، فقال : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أكرم علي منك ، بك آخُذ وبك أُعطِي وبك أُثيبُ وبك أجازي ، وبك أُعاقب )) .
    فالعقل عندهم أفضل ممن شهد الله عز وجل  له بهذه الشهادة  ، ومقدم في الفضل على جميع من خلق ، (( فما أثبته العقل الصحيح الكامل ، الذي شهد الله له بهذه الشهادة ، وشهد له وصدقه وأوجبه ، فذلك هو البرهان المنير بصحته ووجوبه ، كما أن أيات النبيين انما كانت براهين بتصديق العقول الصحيحة اياها )) .  
   ورغم هذه المكانة للعقل عند المعز الفاطمي والقاضي النعمان الذي أيده في رأيه ، الا ان المعز يرى ان العقل لايدرك كل أمر حَسِن ولايقبح كل أمر قبيح أي أن رأيه في الحسن والقبح وأدراك العقل لهما يقترب من الأشاعرة ويبتعد عن رأي الشيعة الأمامية والمعتزلة وحتى بعض متكلمي الأسماعيلية كما سوف نرى فالمعز يرى أن وظيفة العقل في تمييز ماهو حسن وقبيح تنتهي بأقراره بالله عز وجل ونبوة الأنبياء وان العقل لاميزة له في معرفة الحسن والقبح بعد ذلك وأنما الحسن ما أمر به الشارع المقدس والقبح مانهى عنه الشارع المقدس (( فليس بالأعيان عُرِفَ الخير والشر)).
   أي أنهم أنكروا حجية العقل ، بدعوى أن الناس وهم مختلفون في المذاهب يدَعون العقلَ ، فمن أدعى حُجَةَ عقله لمذهبه لم يعدم مخالفاً له منهم يدعي دعواه لنفسه ، ولذا فأن الشيء الذي يصِحُ به قول المحق وتبطل به دعوى المبطل ، ويميَز بين العقل والجهل ، هو أن العاقل ، يكون المطيع لله ( عز وجل ) العاملُ بأمره المنتهي بنهيه ، الآخذ عن أوليائه ، والجاهل ، العادل عن ذلك ، المتعاطي علم مالم يأتِ عن الله ولاعن رسوله (ص) فهذا هو الفرق بين العاقل والجاهل ، كما أن الفرق ما بين الخير والشر الاباحة والحَظرُ، فما أمر الله ( عز وجل ) به وأباحه لخَلقه وندب أليه عباده ، فالخير في أتيانه ، وماحرمه ونهى عنه وحظره فالشر في أقترافه وتناوله ، فليس بالأعيان عرف الخير والشر ، ولابالعقل عُلم العدل والجَور، ولكن بتحظير الله ( عز وجل ) واباحته ونهيه وتحليله وتحريمه علمُ ذلك وميزهُ ، ولو كان ذلك مصروفاً الى عقول الخلائق وتميُزِهم لأستحسنوا كثيراً من القبح ولأستقبحوا كثيراً من الحسن  ، ومن ثم يرى الإسماعيلية أن أصل الأشياء والتمييز مابين الخير والشروالعدل والجور لايمكن القطع بها بحجية العقل ، وأنما ترد الى كتاب الله والآخذ عن سنة رسول الله (ص) وأثار العلم الواردة عن أولياء الله من الأئمة المعصومين .       
     ولكننا نجد الداعية الإسماعيلية أبو يعقوب السجستاني في إثبات النبوات يستعمل منطق المعتزلة وأدواتهم بهذا الشأن . فالعقل عند السجستاني , الرسول الأول في البعث الإلهي للكون . فإذا رفضنا طروحات العقل . نكون بذلك قد أنكرنا النبوات . ولكن ما جاء الأنبياء به مطابق مع البديهيات الأولية عند العقل . فالدعوة الأولى التي جاء الأنبياء بها هي الإقرار بالخالق الأول وهذه من البديهيات العقلية الأولية وعليه أن أول رسول هو العقل . وبتعبير السجستاني في هذه المماثلة , قال : (( لما كانت الرسل صلوات الله عليهم , إنما أتت لتأمرنا بالمحمودات وتنهانا عن المذمومات التي هي سبب ظهور الحياة النفسانية ووجدنا العقل أيضا يأمرنا بالمحمود الحسن وينهانا عن المذموم القبيح وإن الرسول إنما يؤدي إلينا ما تعرفه عقولنا فتقبل منه ذلك من أجل معرفة عقولنا ))
                                      

شارك هذا الموضوع: