الإسماعيلية بين الجبر والاختيار 
                                       أ.م.د محمد مهدي علي الشبري
     يرى الاسماعيلية  أن الله سبحانه وتعالى لايجبر الناس على المعصية أو الهداية ، بل يُرسل الى الأمم الرُسل فمن عصت الرسل أهلكها الله بالعذاب (( وان ذلك وان كان اخباراً عن أمرهم وهُلكهم وكيف جرت الحال ، فأنه وعيد من الله عز وجل لمن فعل مثل فعلهم وتحذير من ذلك العذاب أن ينزل بهم )) . 
   فالله سبحانه وتعالى بين للناس في القرأن سُبل الباطل وحذر منه وبين الصراط المستقيم ودعى اليه ، ولم يُكره الناس على اتباع أحدهما، ولهذا أشار المعز :
(( قال ( عز وجل ) : }وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ { فأخبر أن هذا الصراط الذي أمرنا بأتباعه واحد كما أن الحق واحد ، ذو أصل . ثم قال } وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ{ .
 أي لاتتبعوا الباطل ، وفروعه وشعوبُه وطرقه كثيرة وليس له أصل يرجع اليه ، ولاشيء يعول عليه )) . 
   ويمكن أن نتبين رأي الفاطميين في مسألة الجبر والأختيار من خلال تفسير المعز الفاطمي للآية } خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ { وقد أعترض على من فسرها : بأن الختم ههنا الاخبارُ عنهم أنهم لايؤمنون ، لا على أنه حال بينهم وبين الايمان . 
    فقال المعز : ((ماهذا الهروب الى هذا التعقد من القول ؟ أليس قد أخبر أنهم كفروا قبل هذا فقال }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{ وانما كان كفرهم بعد الأنذار والدعوة الى الايمان فأبوا منه وكفروا ؟ فاستغطاؤه هذا أن يحول بينهم بعد هذا وبين الايمان ، هل يدفع أنه يميتهم ، والموت حائل بينهم وبين الايمان اذا كانوا قد أصروا على الكفر ، فلا يكون في ذلك لهم حجة عليه ، بل له الحجة البالغة )) . 
    ومضت الاسماعيلية بعد القاضي النعمان على هذا الرأي فقال الداعي ابن الوليد: الانسان مجبور في حال تركيبه ورزقه ومدته, وحركات طبائعه, والكيان بنشوئه, وما يحدث عليه مقهور عليه مغيب عن ادراكه وكيانه, ليكون مفتقراً بالدعاء والتضرع الى خالقه, اذا لو كشف لفسد حاله, ومخير غير مجبور فيما يعتقد لنفسه من علومه وصناعته ومذاهبه ومعتقداته.  
   الى أن قال: ولولا ذلك لما كانت لها-النفس- منفعة بارسال الرسل, وقبول العلم وتلقي الفوائد والانصياع لأوامر  الله تعالى, إذ كانت مجبورة لاستغنت عن كل شيء تستفيده. 
   ثم استدل بايات من قوله تعالى }وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى{, وقوله تعالى }كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ{ وكقوله }مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ{.
   والأنسان حينما يطيع الله عز وجل فلنفسه يُمَهَدُ ولحظِه يقصد ، ولاسيما من أُستخدِم بأجر يَصيرُ اليه وعَمِلَ على ثواب أُعطِيَهُ ، فسبيلهُ سبيل الأجير ، ان نصح 
في عمله فقد أدى ماعليه ، وأن خان أو غش فيه فقد أستحق العقوبة وباء بالأثم .
   ونلمس حقيقة عقيدتهم في العدل في رأي الخليفة المعز في مسألة التكليف الألهي للعبد بالبذل في سبيل الله وعدم قدرة العبد على ذلك بقوله : 
   (( مالم يوجبه الله (عز وجل) عليه – أي العبد- فلا حساب عليه فيه ، وعليه أن يقوم من الأعمال بغير ذلك بما كلفه الله ، وأستطاعه وقدر عليه من فرائض الله تعالى التي أفترضها على عباده ، فليس العمل النفقة في سبيل الله فقط ، ولكن ذلك عمل من الأعمال التي أوجبها الله سبحانه ، ومن لم يستطعها كلها أو شيئاً منا لم يُكَلَف ما لم يستطع لقوله تعالى : } لا يُكَلِفُ اللهَ نَفْسَاً إلاَّ وُسْعَهَا )) .  
   ومن الأمور الدالة على ايمانهم بالعدل الألهي أن الإسماعيلية تثبت  القضاء والقدر حقيقة  لامجازاً ولكنها تنفي كونها سالبين للاختيار. 
   قال الداعي ابن الوليد: القضاء والقدر حقيقة لا مجاز, ولهما في الخلق أحوال على رتب الفاعل سبحانه, من غير جبر يلزم النفس الأديمة الدخول الى النار أو الجنة.
  الى أن قال: إذ لو كان كذلك لذهبت النبوات والأوامر المسطورات في الكتب المنزلة, في ذم قوم على ما اقترفوه ومدح قوم على ما فعلوه.
  ثم انه فسر القضاء بمعنى الفراغ, والامر والخير والفعل والوصية وارجع الجميع الى معنى الفراغ, اما القدر: فقد فسره بانه له تفاسير ثمانية هي: 
  الوجه الأول: تقرير جواهر أهل العلم, الوجه الثاني تقرير البينة, وتركيبها قبل تركيب الاجسام. الوجه الثالث تقرير تفاصيل واختلاف بين سائر العالم. الوجه الرابع: من القدر تقرير الأحوال التي يحسن معها التكيف. الوجه الخامس: من القدر تقرير الأرزاق والآجال. الوجه السادس: من القدر تقرير شريعة فيها الأمور مفترضة. الوجه السابع: من القدر تقرير صنائع انسانية وحكم عقلية. الوجه الثامن من القدر الجزاء والمجازاة .
   كما نقل لنا ابن الوليد رسالة الحسن البصري الى الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) يسأله عن القضاء والقدر ومن جواب الإمام  الحسين (ع) الذي يستشهد به الداعي الاسماعيلي: ((من أنكر القدر فقد كفر, ومن احال المعاصي الى الله تعالى فقد فجر وان الله لا يطاع باكراه ولا يعصى بغلبة)) والتي نقلها عن ابن شعبة.
 .
 

شارك هذا الموضوع: