تدني مستوى التعليم في العراق “كربلاء أنموذجا”لمحة تاريخية عن تطور التعليم الثانوي في العراق.
جمهورية العراق
وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة كربلاء
كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم اللغة العربية
سلسلة مقالات شهر كانون الثاني من العام 2025
المقالة الثانية
تدني مستوى التعليم في العراق “كربلاء أنموذجا”
لمحة تاريخية عن تطور التعليم الثانوي في العراق.
إعداد
الاستاذ الدكتور : عدي عبيدان سلمان الجراح
أن ارض العراق هي أول مهد للحضارة البشرية , اذ شهدت بلاد وادي الرافدين أول محاولات الإنسان من اجل تشكيل اطر المعرفة المؤسسة في حقول علمية . وانشأ العراقيون القدامى أول حضارة متطورة في وادي الرافدين فكانوا أول من عرف الكتابة التي اكتشفها السومريون جنوب العراق , ولو تأخر العراقيون في اكتشاف الكتابة لتأخرت الحضارة البشرية , وكانوا اول من سن القوانين كما في المسلة المعروفة بمسلة حمورابي الشهيرة التي تضمنت عدداً كبيراً من القوانين التي تنظم حياة الناس ويقول المرحوم الدكتور طه باقر “ان قوانين مملكة اشنونا سبقت قوانين حمورابي”
وقد شهد العراق القديم اول نظام للتعليم في العالم منذ ان شيدت على أرضه أول مدرسة منظمة ذات مناهج وبرامج تعليمية واضحة وتضم كوادر تعليمية متخصصة وذلك في عهد الملك حمورابي (1750-1792 ق.م ) في مدينة المحمودية الحالية الواقعة في شمال مدينة بابل. وكان العراقيون أول من عرف المكتبات .
أما جذور التعليم الحديث في العراق فأنها تعود الى اوائل القرن العشرين عندما كان العراق جزءاً من الامبراطورية العثمانية التي سيطرت على العراق منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي (1553م) حتى نهاية الحرب العالمية الاولى عام(1918) ,اذ استخدمت الدولة العثمانية اللغةالتركية في التعليم بدلاً من اللغة العربية , وهو ما يعرف بسياسة التتريك , وخلال تلك المدة التي سيطر فيها العثمانيون على البلاد وضع الحجر الاساس لبناء اول نظام تعليمي في العراق والذي تمثل بتأسيس مجموعة من المدارس العلمية الدينية التي كانت تهتم باللغة والدين والفقه والمنطق وكان يدرس فيها التلاميذ ممن أنهوا دراستهم في (الكتاتيب) التي كانت تتولى مهمة تعليم الصبيان في سن الثالثة أو الرابعة من العمر حفظ القرآن الكريم وتفسير آياته اضافة الى بعض الامور الدينية , وتعد الكتاتيب النواة الاولى لتأسيس نظام التعليم الابتدائي في العراق وذلك في عام (1889 ) والذي لم يتضح شكله أو اتجاهه في تلك الحقبة بل ظل تعليماً عفوياً غير ممنهج ويفتقد الى تحديد الهدف والاتجاه .
أما التعليم الثانوي فيعود نشؤه الى عام (1919) حينما افتتح اول صف ثانوي في تاريخ العراق في احدى المدارس الابتدائية في بغداد اواخر عام (1919) وكان الصف يضم سبعة طلاب , وبعد ان اصبحت وزارة المعارف وزارة مستقلة في 10/ايلول /1921 ,أفتحت أول مدرسة ثانوية مستقلة في بغداد وبلغ عدد طلابها (50) طالباً.
ومن أجل معالجة عدم توفر العدد الكافي من المدرسين لتدريس الاختصاصات اللازمة للتعليم الثانوي، رأى الميجر (بومان) ناظر المعارف العمومية ضرورة الاتصال بالجامعة الامريكية في بيروت لمساعدته في اعارة خدمات بعض الاساتذة للعمل في العراق، وفعلاً استقدم عددا من المدرسين المصريين والسوريين والبريطانيين، من خريجي الجامعة الامريكية في بيروت .
وتعد سنة (1925) نقطة تحول في تاريخ التعليم الثانوي في العراق اذ بدأت في هذه السنة حركة لتوسيع التعليم الثانوي من خلال استعانة وزارة المعارف العراقية بالأهالي لمساعدتها مالياً لفتح مدارس متوسطة وثانوية في كل من العمارة والناصرية والحلة , وفي نفس العام الدراسي (1925-1926 ) حصل تطور جديد , اذ بدأ في هذا العام تطبيق نظام الامتحانات الوزارية (البكلوريا ) للدراسة الثانوية لأول مرة في العراق .
ونشر اول منهج للدراسة الثانوية في العراق عام (1926) وقد نص على جعل الدراسة في المرحلة الثانوية (4) سنوات بعد ان كانت (3) سنوات , وتنقسم الى قسمين هما :-
الدراسة المتوسطة وأمدها سنتان .
الدراسة الثانوية وأمدها سنتان ايضاً تقسم كل سنة منها على فرعين الاول علمي والثاني أدبي .
وخلال تلك المدة التي تأسس فيها التعليم الثانوي نشأت عند العراقيين فكرة التعليم المؤدي الى الوظائف , وترجع هذه الفكرة الى اعتقادهم بأن الوظائف الحكومية يجب ان تكون هي المكافأة التي يجب ان يحصلوا عليها بعد حصولهم على شهادتهم الدراسية سواء كانت من المدارس الثانوية العامة او من المدراس الثانوية المهنية , وساعد في بلورة الفكرة هذه حاجة الدولة العراقية الحديثة الى الموظفين, مما جعلها تنظر الى التعليم الثانوي على انه يهدف في الدرجة الاولى الى تخريج طبقة من الموظفين تقوم بتحمل اعباء الدولة وهي في بداية تكوينها , وبذلك صار الكثير من العراقيين يكتفون من التعليم بما يهيئ للوظيفة الحكومية وكان ذلك سبباً في تخلف التعليم المهني الذي لا يستطيع ان يهيئ كالتعليم الثانوي العام للوظيفة الحكومية , وقد كان العراق ولايزال هو في اشد الحاجة الى التعليم المهني كونه دعامة اساسية في بناء الاقتصاد الوطني.
ومما لاشك فيه ان المؤسسات الحكومية لها طاقتها وامكاناتها المحدودة في استيعاب اعداد الخريجين فمن المتوقع ان لا يتكافا عدد الخريجين مع الطلب على الوظائف, وان يؤدي ذلك الى عدم التوازن بين العرض والطلب على الوظائف وهو ما حدث بالفعل غير ان الحكومة العراقية واجهت الامر بعد مدة قصيرة من تأسيس التعليم الثانوي باتخاذها مجموعة من الاجراءات وكالاتي :
1- اعادة النظر في مدة التعليم الثانوي وذلك في عام (1929) حينما صدر منهج جديد زيدت بموجبه مدة الدراسة الثانوية سنة اخرى فأصبحت مدته خمس سنوات بدلاً من اربع سنوات وقسم الى مرحلتين الاولى متوسطة وخصصت لها السنوات الثلاثة الاولى , والثانية المرحلة الاعدادية وخصصت لها السنتان الرابعة والخامسة بفرعيها العلمي والادبي , وكان الهدف من اطالة مدة الدراسة لعلاج مشكلة تزايد الطلب من الخريجين على الوظائف الحكومية. واستمر هذا المنهج حتى عام (1967) وبعدها اصبحت مدة التعليم الثانوي في العراق (ست) سنوات خصصت السنوات الثلاثة الاولى منها للمرحلة المتوسطة والسنوات الثلاثة الاخرى للمرحلة الاعدادية .
2- الشروع في تأسيس مدارس التعليم المهني ليكون تعليماً مسانداً للتعليم الثانوي العام , اذ تشير المصادر الى ان تاريخ نشوء التعليم المهني في العراق يعود الى عام (1926) عندما تأسست اول مدرسة زراعية في تاريخ العراق في منطقة (الرستمية) فيما يعود تاريخ نشوء التعليم التجاري في العراق الى عام (1930) وذلك بافتتاح أول شعبة له في الثانوية المركزية للبنين في بغداد وكان يقبل فيها خريجي الدراسة الابتدائية .
3- رفع نسبة القبول في التعليم الثانوي من خريجي التعليم الابتدائي .
4- تشكيل لجنة لدراسة واقع التعليم في العراق عام 1932 , والتي عرفت باسم لجنة (مونرو)* أو لجنة الكشف التهذيبي التي عدت بداية تأسيس المدرسة الثانوية (التي ذكرت انفاً في أعلاه) هو البداية الحقيقية للتعليم الثانوي وكذلك أكدت عبر تقريرها الذي قدمته حين تولت دراسة واقع التعليم في العراق للمدة بين عامي 1919-1932 انها وجدت أَن عام (1919) يمكن أَنَّ يكون بداية منطقية ومقبولة لمولد التعليم الثانوي العام في العراق، لان تلك السنة شهدت افتتاح صفوف ثانوية في كل من بغداد والموصل، مدة الدراسة فيها اربع سنوات، تدرس فيها مختلف المواضيع العلمية, أما نشوء التعليم العالي في العراق فيرجع تاريخه الى عام (1908) عندما تأسست مدرسة الحقوق في بغداد وذلك لسد حاجة الدولة من الحقوقيين ورجال القانون , وكان يقبل فيها خريجي المدرسة الرشدية , وبعد تأسيس مدرسة الحقوق في بغداد تم تأسيس العديد من المعاهد والكليات حتى جاء عام (1956) وتأسست جامعة بغداد كأول جامعة في العراق . مما سبق يتبين لنا ان التعليم الثانوي قد استمر في النمو وخاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي تميزت بانتشار المبادئ الديمقراطية التي وفرت فرص التعليم لجميع افراد الشعب وقد انعكس ذلك على التعليم الثانوي الذي يهيئ للوظيفة أو لاستكمال الدراسة العليا .