“الإرشاد الفعّال: أساس الكفاءة والتميّز في العمل التربوي”
مقدمة
تعد الفاعلية الإرشادية حجر الزاوية في نجاح العملية التربوية، حيث يتجاوز دور المرشد التربوي مهمة توجيه الطلاب وحل مشكلاتهم، ليصبح محركًا أساسيًا في تشكيل شخصياتهم، وتوجيههم نحو تحقيق التفوق الأكاديمي والنمو الشخصي المتكامل. ليست الفاعلية الإرشادية مجرد إتقان للمهارات المعرفية والتقنية، بل هي منظومة معقدة تتداخل فيها الثقة بالنفس، والتفاعل الإيجابي مع الطلاب، والتكيف مع ظروفهم المتغيرة. إن نجاح المرشد لا يتوقف عند تنفيذ مهامه، بل يتعدى ذلك إلى خلق بيئة مدرسية قائمة على التوجيه الفعال الذي ينمي القدرات ويسهم في بناء علاقات مستقرة وقوية بين المرشد والمسترشد.
من خلال هذه الفاعلية، يحقق المرشد التربوي هدفًا ساميًا يتجاوز مجرد حل المشكلات اللحظية، ليغدو عاملًا محفزًا للتغيير الإيجابي في حياة الطلاب، ومساعدًا لهم على تطوير مهارات التفكير النقدي، وتنمية الاستقلالية في اتخاذ القرارات، مما يعزز دور المدرسة كمؤسسة تربوية شاملة. لذلك، يمكن القول إن الفاعلية الإرشادية هي المفتاح الأساسي لتوفير بيئة تعليمية خصبة، يزدهر فيها الطالب على كافة الأصعدة.
مفهوم الفاعلية الإرشادية
الفاعلية الإرشادية هي أكثر من مجرد قدرة المرشد على أداء مهامه بكفاءة، بل هي تداخل معقد بين المعرفة، المهارات، والثقة الذاتية، التي تمكن المرشد من أن يكون فاعلًا مؤثرًا في حياة الطلاب. يصف الباحثون الفاعلية الإرشادية بأنها قدرة المرشد على التفاعل بمرونة مع مختلف المواقف التربوية، واستخدام استراتيجيات متنوعة لتحقيق الأهداف التربوية المرجوة، بغض النظر عن التحديات التي قد تطرأ في البيئة المدرسية.
حسب رأي الباحثين مثل Melchert وآخرين (1996)، فإن الفاعلية الإرشادية تتجسد في قدرة المرشد على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المناسبة في سياقات مختلفة، مع الحفاظ على التركيز على الأهداف طويلة الأمد للعملية الإرشادية. وفي هذا السياق، يشير Friedlander & Snyder (1983) إلى أن الفاعلية الإرشادية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإدراك المرشد لقدراته الذاتية، وثقته في تمكنه من تنفيذ المهام المطلوبة بفعالية، مما يعزز استجابة الطلاب ويوجههم نحو النجاح.
أهمية الفاعلية الإرشادية في البيئة المدرسية
في قلب العمل التربوي داخل المدرسة، تبرز الفاعلية الإرشادية كأداة حيوية لتحقيق النجاح المنشود للطلاب. فعندما يمتلك المرشد القدرة على إدارة الجلسات الإرشادية بمهارة، وتنفيذ استراتيجيات فعالة، تتناغم البيئة المدرسية بشكل أكثر سلاسة وتعاونًا. الفاعلية الإرشادية تسهم في تعزيز العلاقات بين المعلمين والطلاب، وفي خلق جو من الثقة والمساندة المتبادلة، مما يساعد الطلاب على تجاوز تحدياتهم النفسية والاجتماعية، ويقودهم نحو تحقيق التفوق الأكاديمي والنمو الشخصي.
تشير الدراسات، مثل تلك التي أجراها المزروع (2007)، إلى أن المرشدين الذين يتمتعون بفاعلية إرشادية عالية يمكنهم مواجهة تحديات العمل التربوي بكفاءة، ويتخذون قرارات أكثر فاعلية ترتكز على استراتيجيات تهدف إلى تحسين سلوكيات الطلاب وتنمية قدراتهم. في المقابل، يؤدي غياب الفاعلية الإرشادية إلى تراجع الأداء المهني للمرشدين، وتؤثر سلبًا على العلاقة بين المعلم والطالب، مما يخلق جوًا من العجز والتشاؤم الذي يعيق عملية الإرشاد بشكل عام.
تنمية مهارات الفاعلية الإرشادية
لكي يتمتع المرشد بفاعلية إرشادية متميزة، لا بد من تنمية مجموعة من المهارات الأساسية التي تدعمه في أداء دوره بكفاءة عالية. وفقًا للبحوث التي أجراها Rorlinda وآخرون (2017)، يتم تطوير الفاعلية الإرشادية من خلال عدة مجالات محورية، تتضمن:
  1. تنمية الشخصية الشاملة: يشمل ذلك تطوير الوعي الذاتي، وتعزيز التفكير النقدي والقدرة على التأثير في التغيير، إضافة إلى الاستقرار العاطفي الذي يسمح للمرشد ببناء علاقات قائمة على الاحترام والصدق. كما يجب أن يتسم المرشد بالقدرة على التفاعل بمرونة مع المسترشدين، وتقديم الدعم العاطفي المناسب لهم في مراحل حياتهم المختلفة.
  2. التحفيز المستمر لتطوير القدرات: يشمل هذا الجانب تطوير المهارات الاجتماعية والقيادية التي تعزز فاعلية المرشد. من خلال التحفيز الذاتي، يستطيع المرشد التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة احترافية، ويسعى دائمًا لتحسين مستوى الأداء المهني، وذلك عبر اكتساب مهارات جديدة وتقنيات متطورة تتناسب مع التغيرات التي تشهدها المدرسة والمجتمع.
  3. وضوح الدور المهني للمرشد: فهم المرشد لدوره المهني داخل المدرسة أمر بالغ الأهمية. هذا الفهم لا يشمل فقط تحديد الأهداف الإرشادية بل يمتد ليشمل الإحاطة التامة بمهارات وأخلاقيات العمل الإرشادي، مع الالتزام بتوفير بيئة مدرسية تدعم النمو والتطور لكل من الطلاب والمعلمين.
انعكاسات الفاعلية الإرشادية على الأداء المدرسي
لا تقتصر الفاعلية الإرشادية على تحسين الأداء الفردي للمرشد التربوي فحسب، بل تسهم أيضًا في تحسين الأداء المدرسي العام. وفقًا للباحثين سرايه والبقاسمي (2019)، إن حالة المرشد النفسية الجيدة، المرتبطة بالفاعلية الإرشادية العالية، تزيد من دافعيته وحماسته لأداء دوره. وعندما يعمل المرشد بفاعلية، ينعكس ذلك على العلاقة بينه وبين المسترشدين، حيث يشعر الطلاب بالدعم المستمر والتشجيع الذي يعزز من ثقتهم بأنفسهم ويحفزهم على التفوق.
إن الفاعلية الإرشادية تسهم أيضًا في تعزيز بيئة تعليمية صحية ومستقرة، حيث يشعر الطلاب بالراحة النفسية التي تتيح لهم التعبير عن أنفسهم بحرية، والتفاعل الإيجابي مع المحيط المدرسي. وهذه البيئة المساندة تخلق فرصًا للطلاب للتغلب على المشكلات الشخصية والاجتماعية، وتحفزهم على التركيز على دراستهم وتنمية مهاراتهم الحياتية.
خاتمة
إن الفاعلية الإرشادية هي الأساس الذي يبنى عليه نجاح العملية التربوية في المدارس. إنها ليست مجرد مجموعة من المهارات الإرشادية، بل هي تنمية مستمرة للشخصية المهنية، ووعياً عميقاً بأهمية الدور الذي يؤديه المرشد في حياة الطلاب. من خلال تعزيز الفاعلية الإرشادية، يستطيع المرشد التربوي أن يقدم إرشادًا فعّالًا يسهم في بناء بيئة مدرسية تحتفل بالتقدم والإنجاز، وتحفز الطلاب على التفوق الأكاديمي والنمو الشخصي المستدام. لذلك، يعد الاستثمار في تطوير مهارات الفاعلية الإرشادية من أولويات أي مؤسسة تعليمية تسعى لبناء مجتمع مدرسي متكامل يحقق النجاح لأفراده.
 
المصادر:
  • Larson, L. (1998). The social cognitive model of counselor training Major contribution for The Counseling Psychologist, 26, 219-273.
  • Rorlinda, Y., Noriah, I. , Amla, S. & Azizah Z.(2017). Counseling Self-Efficacy (CSE) among Malaysian School Counselors.Vol.3, Issue2,March.
  • Klimenko Friedlander, M., & Snyder, J. (1983). Trainees’ expectations for the supervisory process: Testing a developmental model. Counselor Education and Supervision, 22, 342-34.
  • سرايه، الهادي، القاسمي، محمد الازهر(2019)، الفعالية الذاتية الارشادية لدى الاخصائي النفسي والمدرسي ودورها في العملية الارشادية، مجلة العلوم التربوية والنفسية، 5(3)، الجزائر: جامعة الوادي، الجزائر. 124- 137. 
  • المزروع، ليلى (2007)، فعالية الذات وعلاقتها بكل من دافعية الانجاز والذكاء الوجداني لدى طالبات جامعة ام القرى، مجلة العلوم التربوية  والنفسية. 4 (8). 213-231.
 


شارك هذا الموضوع: