مقال بعنوان الأخلاق  التطبيقية بين حدود الفلسفة والعلم
إن كان كثير من فلاسفة الأخلاق تصوروا الأخلاق بصورة علم معياري يحدد السلوك الفاضل وما ينبغي أن يكون، فيجب إضافة فلسفة علمية تفتح أمام الإنسان ملكوت القيم، وإن الحياة الخلقية تفرض على الموجود البشري المشاركة في ملاء الحياة والتقبل لكل ما له دلالة والتفتح لكل ما ينطوي على قيمة فالإنسان الحديث قلق ومتهور بل أصبح كائناً مبالي،غير شيء يلهمه، ولا شيء يحرك كوامن وجوده الباطن، فلا يستشعر أية دهشة، أو تعجب، أو حماسة، أو أي اجلال. 
وأصبح ينزلق فوق سطوح الأشياء دون أن يفطن إلى خوائه الباطن . أما الإنسان الأخلاقي والذي نريده أن يكون واعياً بنفسه وما حوله ويتمتع بقوة نفاذة لتذوق قيم الحياة بكل ما فيها من وفرة وامتلاء وخصوبة .
ومهمة الفيلسوف الأخلاقي هي الأخذ بيد ذلك الإنسان المنزلق لكي يسترد تلك الحاسة الخلقية ليرى القيم ويدرك المعاني ويحس بالجمال .
فرسالة الأخلاق الحقيقية هي تحويل العالم من المرتبة الطبيعية الصرفة إلى المرتبة الاكسيولوجية الحقيقية، ومعنى هذا أن الأخلاق تضطلع بمهمة المساهمة في إيقاظ الإحساس بالقيم لدى الإنسان.
 تماما كمهمة الفنون في استيقاظ النفوس لترى الجمال الذي هو فينا ومن حولنا ولكننا لا نراه بالألفة والعادة ولأنه معنا في التيار، فلا يحس البشر إلا بالمعاكس لهم في الطريق والمعاكس هو القبيح فلا يرى إلا قبحاً ولا يفعل إلا القبح حتى قبيحاً. 
وهكذا فمهمة الفنون استيقاظ الفنون لترى الجمال، يصير وكذلك الأخلاق مهمتها إيقاظ الإحساس بالقيم الإنسانية العليا تسير نحو المثل العليا في تحقيق إنسانيتها .
والإنسان هو الكائن الوحيد الأخلاقي فليس للحيوانات تصورللماضي ولا استشراق للمستقبل كما هي لدى لإنسان ذلك الموجود الأخلاقي الذي لا يمكن أن يحيا على مستوى الغريزة وحدها لأنه لا بد من أن يجد نفسه مضطراً إلى تجاوز مستوى الحياة الحيوانية الصرفة. ولو إننا نظرنا إلى الموجود البشري هذا في أدنى مستوياته لوجدنا أنه يتمتع بمقدرة خاصة لا نجد لها نظيرا على الإطلاق في كافة مستويات العالم الحيواني وهي القدرة على مراقبة سلوكه والحكم عليه، وهنا ضبط وإشباع وهي عند الحيوان إشباع لشهوات إلا أن الإنسان يوجد اتزاناً بينهما وهي المسافة وليس من الضروري أن يعرف الإنسان ما هو هذا الذي ينبغي أن يكون عليه وإنما حسبه أن يمضي إلى الإمام لكي يحقق من الأفعال ما يضمن له حالته الراهنة، فالحياة الإنسانية الحقيقية تكمن في الشعور بالتعارض القائم بين الكائن الواقعي بنقصه وضعفه والكائن المثالي بكماله وسموه .
فمهمة الأخلاق في تحريك ما في الإنسان من عنصر سامي أو جلالي ليسمو فوق مستوى الطبيعة من خلال وعي أخلاقي. والإنسان ذات طبيعة انطولوجية وطبيعة اكسيولوجية ، وهو موجود قيمي وكائن تقييمي وهو أيضاً كائن أخلاقي الذي لا يتحدد وجوده إلا من خلال علاقته بالقيم. وما كان للإنسان أن يكون موجوداً أخلاقياً إلا لأنه كائن عاقل يملك من الفكر والإرادة ما يستطيع معه تجاوز مستوى الغريزة والتسامي إلى مستوى السلوك الأخلاق الخر، وما نسميه بالخير أنما هي عملية جهد أخر يقوم فيها الإنسان بالبحث عن القيم بوصفها نهايات ، ولا يمكن أن يكون هناك قهر للخير لأن الخيرية لا بد من أن تكون وليدة الحرية .
وللإنسان إمكانية للخير وإمكانية للشر وهو يملك الاختيار في فعل الخير وفي فعل الشر، وربما كانت الحرية هي القوة العظمي للحياة البشرية وفي نفس الوقت الخطر الأعظم الذي تتهدده دائما ، وعلى الإنسان أن يعيش دائماً على هذا الخطر لولاه لما كان الإنسان كائناً أخلاقياً ، فهو يواجه الخطر من الخارج ومن الداخل أيضاً .
ليصير الإنسان كائناً أخلاقياً عليه ممارسة الخير وهو قادر على الشر، فلولا تلك القدرة على فعل الشر لما وجدت لديه أي قدرة على فعل الخير . فالحياة الإنسانية الصحيحة لا تبدأ إلا حيث تنتهي الحياة الحيوانية الصرفة، فالحيوان يخضع لدوافع وانفعالات عمياء ولا يتصف بالحرية أو القدرة على الاختيار، أما الإنسان فهو يتحكم في أهوائه وانفعالاته ويشعر بأن له قوة فاعلة وإرادة حرة خاصة ، ولا سبيل لنقل الحكمة المكتسبة إلى الأجيال الناشئة، فإنه لكل جيل لا بد أن يكون لنفسه حكمته الخاصة ولكل فرد موقفه الذاتي في اكتشاف شروط توازنه . 
فالإنسان الفاضل هو الذي يستطيع أن يرتكب الخطيئة ولا يرتكبها فإن وجدت حالة لا يستطيع أن يرتكب فيها خطيئة فلن تكون حالة أخلاقية لأنها لن تكون نابعة من موقف اختیاری حر.


م.م. علي سلمان عواد – قسم العلوم التربوية والنفسية 

شارك هذا الموضوع: