“وحدة الساحات في مواجهة الضغط الأميركي: تجليات المقاومة في الساحات الإقليمية”
“وحدة الساحات في مواجهة الضغط الأميركي: تجليات المقاومة في الساحات الإقليمية”
تمثل وحدة الساحات إحدى أبرز المفاهيم التي بلورتها قوى المقاومة في المنطقة لمواجهة التحديات الميدانية التي فرضتها القوى الاستعمارية، لا سيما في ظل الحرب الأميركية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني. في هذا السياق، تتوزع الساحة الإقليمية إلى ثلاث جبهات رئيسية تشهد تفاوتاً في درجة الضغوط التي تواجهها، في وقت تسعى فيه الإدارة الأميركية جاهدة لتفكيك هذه الوحدة عبر تكثيف الضغوط المباشرة أو من خلال وسطاء محليين وإقليميين. إن التحليل المتكامل لهذه الساحات يعكس كيف أن هذه الوحدة تعد بديلاً حقيقياً لمخططات الهيمنة الأميركية على المنطقة.
الساحة اليمنية: الثبات رغم الضغوط
تعتبر الساحة اليمنية مثالاً قوياً على وحدة الموقف السياسي المدعوم جماهيرياً في مواجهة الضغوط الأميركية والغربية. منذ بداية الأزمة في فلسطين، اتخذت الحكومة اليمنية موقفاً ثابتاً وواضحاً ضد السياسات الأميركية الصهيونية، وهو ما جعلها تُشكل تحدياً حقيقياً للهيمنة الغربية. وعلى الرغم من الضغوط العسكرية والسياسية التي تعرضت لها اليمن من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، لم تتراجع عن موقفها، بل دأبت على تعزيز قدراتها العسكرية في البحر الأحمر وبحر العرب. يُذكر أن اليمن، بفضل موقعه الاستراتيجي، أصبح قوة مؤثرة في التحكم في خطوط التجارة البحرية العالمية، وهو ما شكّل تحدياً حقيقياً للاقتصاد العالمي الذي يعتمد على هذه الخطوط، خاصة تلك التي تخدم مصالح الكيان الصهيوني حيث تتبنى هذه الساحات ذات المواقف الثابتة ضد القوى الاستعمارية واليمن، بفضل تحالفاته مع إيران وحزب الله، أصبح نقطة ارتكاز رئيسية في الصراع الإقليمي، حيث يشكل تهديداً مباشراً للهيمنة الأميركية في المنطقة. إذ يساهم هذا التحالف في تعزيز جهود المقاومة، ويزيد من حجم الضغط على الولايات المتحدة التي تجد نفسها في مواجهة جبهتين، الأولى في اليمن والثانية في العراق ولبنان.
الساحة اللبنانية: مقاومة في وجه التحديات
أما في لبنان، فقد نجحت المقاومة الإسلامية في توحيد الساحات من خلال التصعيد العسكري وابتكار أساليب جديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما انعكس بدوره في تعزيز المقاومة ضد الضغوط الإقليمية والدولية. على الرغم من المحاولات المستمرة من قبل المملكة العربية السعودية، المدعومة من الولايات المتحدة، لإضعاف لبنان وإشغاله بالأزمات الداخلية، إلا أن المقاومة اللبنانية بقيت ثابتة في مواقفها. إيمان المقاومة اللبنانية بمبدأ “الهوية الوطنية” رفض التخلي عن هذا المبدأ تحت أي ظرف من الظروف. كما أكدت تصريحات قادتها على ضرورة عدم الانشغال بالقضايا الداخلية، والتصدي للعدو الصهيوني باعتباره التحدي الأكبر حيث تمثل المقاومة في لبنان أحد المحاور الرئيسية التي تقف في مواجهة الهيمنة الغربية في المنطقة. دور حزب الله في لبنان ليس فقط محلياً، بل يمتد إلى الأبعاد الإقليمية والدولية، مما يعزز من وحدة الساحات. فحزب الله يشكل حجر الزاوية في محور المقاومة الذي يمتد من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن، ويصعب على الولايات المتحدة تحجيم هذه الحركة الواسعة التي تتمتع بقدرة كبيرة على المناورة.
الساحة العراقية: تحديات داخلية وضغوط خارجية
فهي تشهد تحديات مركبة نتيجة للضغط الداخلي والخارجي. على الصعيد الداخلي، يعاني العراق من انقسامات سياسية حادة بين القوى السياسية المختلفة، ما يعزز من ضعف التنسيق بين الفصائل المناهضة للاحتلال. من جهة، نجد أن بعض القوى السياسية العراقية، ومن بينها مسعود بارزاني، ترى ضرورة بقاء القوات الأميركية في البلاد، وهو ما يتعارض مع توجهات القوى السياسية الشيعية التي تفضل انسحاب هذه القوات. هذه الانقسامات تؤثر سلباً على وحدة الساحات في العراق، حيث لم تُترجم المقاومة الشعبية إلى قوة سياسية موحدة قادرة على مواجهة الهيمنة الأميركية بشكل فعال. حيث تتسم هذه الساحات بوجود قوة سياسية وفكرية توحد المقاومة ضد الاحتلالات المختلفة. العراق، رغم التحديات الداخلية، يبقى نقطة محورية في الصراع الإقليمي. التناقضات السياسية داخل العراق تعكس التحديات التي تواجهها جبهات المقاومة في المنطقة، مما يجعل من الصعب بناء تحالفات موحدة ضد القوى الاستعمارية. ولكن مع ذلك، لا تزال هناك فرص كبيرة لتعزيز وحدة الساحات عبر تنسيق أكبر بين القوى السياسية والميدانية المناهضة للاحتلال.واخيرا يمكن القول إن وحدة الساحات تمثل الأداة الأكثر فاعلية في مواجهة محاولات الولايات المتحدة لتفتيت إرادة الشعوب في المنطقة. فبالرغم من الضغوط الهائلة التي تمارسها القوى الاستعمارية لتفكيك هذه الوحدة، تبقى هذه الوحدة بمثابة بديل حقيقي لمخططات الترويض الأميركي. تكاتف الساحات الإقليمية في مواجهة التحديات يعيد للأمة قدرتها على تحديد مصيرها بعيداً عن الهيمنة الخارجية، ويشكل تحدياً قوياً للهيمنة الأميركية في المنطقة.
المصادر:
علي الشمري، “التحولات السياسية في اليمن وتأثيرها على السياسة الإقليمية”، مجلة الدراسات الإقليمية، جامعة صنعاء، 2022، ص.67.
حسن السعدي،”المقاومة اللبنانية وملامح الصمود في وجه الضغوط الإقليمية”. مجلة دراسات الشرق الأوسط، جامعة بيروت العربية، 2023، ص١٢٣
محمد العاني،”الضغوط الأميركية على العراق وتداعياتها على السيادة الوطنية”، مجلة السياسة الدولية، جامعة بغداد، 2021، ص٩٨