(من كربلاء إلى فلسطين: دروس في الصمود والتضحية)
لعبت الجغرافيا دورًا محوريًا في تحديد ملامح المواجهة في واقعة الطف . فالموقع الجغرافي لمحافظة كربلاء، بطبيعته السهلية وحرارته الشديدة، جعل الظروف أكثر قسوة على جيش الإمام الحسين (عليه السلام). ورغم التحديات المناخية والجغرافية، أظهر العباس (عليه السلام) شجاعة فائقة في مواجهة جيش يزيد الذي فرض حصارًا خانقًا على معسكر الحسين ومنعهم من الوصول الى الماء. وان شخصية العباس بن علي (عليه السلام) رمزًا خالدًا في التاريخ الإسلامي، تجسد أسمى قيم الإيثار، الطاعة، والبصيرة النافذة. فقد كان الإمام العباس مثالًا للمجاهد الذي يضع إرادة الله ونصرة الحق فوق كل الاعتبارات، حتى لو كان الثمن حياته. هذه القيم السامية ليست حكرًا على زمان أو مكان، بل تمتد لتلهم الأجيال في صراعاتها ضد الظلم والاحتلال، كما هو الحال في القضية الفلسطينية، حيث يتكرر الصراع الأبدي بين الحق والباطل
هذا المشهد يُذكّرنا بالواقع الجغرافي لفلسطين، حيث يتعرض الشعب الفلسطيني لحصار جغرافي وسياسي مستمر. فالاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودًا على حركة الفلسطينيين ويمنعهم من الوصول إلى مواردهم الطبيعية، تمامًا كما كان منع الماء عن معسكر الإمام الحسين أداة لفرض الهيمنة والإذلال. لكن الفلسطينيين، كما في كربلاء، يواجهون هذه التحديات بصمود وإصرار يعكس إيمانهم العميق بحقهم في الحياة والحرية.
على الجانب الآخر، نجد أن المقاومة الفلسطينية، رغم العقبات الهائلة، قد أظهرت بصيرة مشابهة. فهي تدرك أن المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي ليست مجرد معركة عسكرية، بل هي صراع قيم ومبادئ. وكما رفض العباس (عليه السلام) العروض المغرية التي قدمها له الأعداء، يرفض الفلسطينيون التخلي عن حقوقهم رغم كل الإغراءات والضغوط الدولية.
كانت تضحية العباس (عليه السلام) في كربلاء رمزًا للإيثار المطلق. فحينما حاول جلب الماء للأطفال والنساء في معسكر الحسين (عليه السلام)، لم يفكر في حياته، بل كان همه نصرة الحق وحماية المستضعفين. مواقفه البطولية ألهمت أجيالًا من الأحرار الذين يرون في التضحية الطريق نحو تحقيق العدالة. وان القضية الفلسطينية تحمل ذات الرسالة؛ فالشهداء الذين يضحون بحياتهم في سبيل الوطن هم امتداد لتلك القيم الكربلائية. إن معاناة الأسرى في السجون الإسرائيلية، وصبر الأمهات الفلسطينيات اللواتي يقدمن أبناءهن في سبيل الحرية، تعكس ذات الروح التي جسدها العباس (عليه السلام) في كربلاء.
كما ارتباط القضية الفلسطينية بواقعة كربلاء لا يقتصر على التشابه في التحديات، بل يمتد إلى القيم التي تمثلها كلتا القضيتين. فكلاهما يعبر عن مقاومة الظلم، نصرة المستضعفين، والوقوف بوجه الطغاة. وكما انتصر الدم على السيف في كربلاء، فإن إرادة الفلسطينيين في الحرية ستنتصر في النهاية.
خاتمة
من كربلاء إلى فلسطين، تمتد خيوط الصمود والتضحية، لتؤكد أن الحق هو المنتصر دائمًا، مهما طال أمد الصراع. شخصية العباس بن علي (عليه السلام) ليست مجرد رمز ديني، بل هي نموذج عالمي يلهم كل من يواجه الظلم في أي زمان أو مكان. وفي فلسطين، يتجسد هذا النموذج يوميًا في صمود الشعب الفلسطيني، الذي يواصل نضاله، مستلهمًا من دروس كربلاء أن التضحية من أجل الحق هي بداية الطريق نحو الحرية.