جامعة كربلاء – كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم الجغرافية التطبيقية.
تعد المدن مركزًا حيويًا للحياة البشرية والتطور الاقتصادي والاجتماعي ومع ذلك، تواجه الكثير من المدن في الدول الفقيرة والنامية تحديات من نوع خاص، مثل الفقر الحضري الذي يؤثر على جودة حياة السكان. إذ تعد قضة الفقر الحضري من القضايا المهمة في مجال الدراسات الجغرافية بصورة عامة والتنمية البشرية خاصة اذا تم رصد مؤشراتها على مستوى مكاني صغيرة مثل (المدن و الاحياء ) وتمثل هذه المؤشرات الأداة والوسيلة للنهوض بالمجتمع ، ومشكلة الفقر الحضري من المشكلات المعقدة تتطلب وضع خطط واستراتيجيات مستدامة للتغلب عليها لما لها من تأثير سلبي على أغلب الفئات الهشة اجتماعياً، ويمتد أثر الفقر على الفرد والمجتمع ليشكّل عبئاً حقيقياً على الموارد والفرص المتاحة، وينعكس على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد والمجتمعات.
يشير الفقر الحضري إلى الوضع الذي يواجه السكان في المدن والمناطق الحضرية ، إذ يعيشون في ظروف غير كافية من حيث الدخل والوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الماء والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم.
قبل التطرق الى مفهوم الفقر الحضري لابد من التعرف على مفهوم الفقر ، تعد مشكلة الفقر من المشكلات العالمية المركَّبة ذات الأبعاد المتداخلة: اقتصادية، واجتماعية، وصحية، ولأهميتها تعددت وجهات النظر بشأن تعريفها من قبل العديد من العلماء والمختصين والمنظمات الدولية. وقد حاولت الأمم المتحدة وضع تعريف شامل للفقر باعتباره أكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام؛ إذ إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، فضلا عن التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات، كما يُعرَّف الفقر بالافتقار لما هو ضروري، ولاسيما الغذاء والسكن والأرض والموجودات الأخرى (بمعنى توافر الحد الأدنى من المستلزمات الضرورية للحياة).
يقصد بالفقر الحضري : بانه ظاهرة تتشكل وفق ظروف خاصة بكل مجتمع .إذ تلعب الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية دورا واضحا في تحديدها ويكون اكثر بروزا في المدينة بسبب تطور الأساليب الحضرية وزيادة اللاتجانس والفردية ، كما يعرف أيضا بانه الحرمان المادي والمعنوي التي يتصف بها سكان المدينة نتيجة لانخفاض مستوى الدخل وارتفاع نسبة البطالة ، مع تدني خدمات البنى التحتية وعدم كفايتها بالشكل الذي يمكن السكان من اشباع حاجاتهم في ظل التطورات الحديثة . ومن الملاحظ ان ظاهرة الفقر الحضري ظاهرة ملموسة وواضحة بالمناطق المتخلفة والتي تعبر عن تناقضات البناء الاجتماعي الحضري القائم على الاستغلال واللامساواة .
وتمثل هذه الظاهرة من المشكلات التي واجهت المجتمعات والحكومات منذ اقد العصور وحتى الوقت الحاضر ، يعيش اليوم فوق كوكب الأرض اكثر من 8 مليار نسمة ويبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليار نسمة ، منهم 3 مليار نسمة تحت خط الفقر وهو دولاران امريكيان في اليوم ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار نسمة يحصلون على اقل من دولار يوميا ، ونسبة 20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية ، واكثر من 500 مليون نسمة يعانون من سوء التغذية و17 مليون نسمة يموتون كل عام نتيجة لأمراض لا شفاء لها .واكثر من ثلث سكان العالم يعيشون تحت مستوى خط الفقر يسكنون العالم الإسلامي ، اذ بلغ عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية 19 مليون نسمة وهي اعلى معدلات للبطالة في العالم. وبحسب نتائج المسح الميداني للجهاز المركزي للإحصاء في العراق ان (28)% من الاسر ، و(30)% من الافراد يعيشون في حالة حرمان شديد في الوقت الذي بينت فيه دراسة أخرى عن الأحوال المعيشية للأسرة العراقية ان 955 من العراقيون يفضلون الإبقاء على البطاقة الوطنية مما يبين حاجة المواطنين للدعم الحكومي . ومن اكثر المحافظات فقرا (ميسان والمثنى والقادسية )، كما توصلت الدراسات التي أجريت 2007-2008 الى ان نسبة الفقر في العراق بلغت 23% من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة بما يساوي حوالي 7 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر وأوضحت دراسات حديثة من خلال مؤشرات قياس الفقر في العراق ان المحافظات الجنوبية اكثر ارتفاعا بالنسبة لباقي المحافظات قد بلغ في محافظة القادسية عموما 35 % ، أما فجوة الفقر فيها فهي 1% . كما اشارت نتائج البحث الذي اجرته وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق ان معدل البطالة بين السكان بعمر 15 سنة فما فوق اكثر 28 % لكلا الجنسين ، بلغ معدل البطالة للذكور 30% و16% من الاناث ، كما وبلغ معدل البطالة في المناطق الحضرية 30% وفي المقابل 25% في المناطق الريفية .
تتعدد ابعاد قضية الفقر الحضري بصورة عامة فلها ابعاد اجتماعية يظهر من خلال ثقافة المجتمع والمبادئ التي يقوم عليها هل هي المساواة ام اللامساواة في تقديم الخدمات المختلفة (الصحية والتعليمية فرص العمل ) ، واقتصادية تظهر من خلال الازمات الاقتصادية ، وسياسية من حيث التوزيع الجغرافي للموارد والسكان داخل حدود الدولة. كما ان هنالك مجموعة من العوامل لعب دور كبير في انتشار مشكلة الفقر الحضري في العراق تتمثل بـ( الحروب والأزمات ، البطالة ، الهجرة ، وضعف البنية التحتية ، الامية ، التسرب الدراسي، وارتفاع تكلفة المعيشة . (
وفي الختام ونظرا لخطورة هذه الظاهرة لا بد من اتباع مجموعة من الاستراتيجيات للحد منها ومن أهم الاستراتيجيات التخطيط الحضري المستدام التي يمكن اتبعاها للتخفيف من مشكلة الفقر الحضري تتمثل بـ
التنمية الاقتصادية المحلية: من خلال دعم ريادة الأعمال وتوفير فرص العمل وتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تعزز الاقتصاد المحلي وتوفر فرص عمل.
تحسين البنية التحتية وتطويرها : مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والكهرباء ،وتوفير وسائل النقل العامة الموثوقة وفعالة لربط المناطق الحضرية ببعضها البعض.
الإسكان المستدام: توفير وحدات سكنية وبأسعار معقولة للسكان للحد من الإقصاء السكني وتحسين ظروف السكن وتطوير مشاريع إسكانية تأخذ في الاعتبار الاستدامة البيئية والاجتماعية.
استخدام التكنلوجيا : مثل استخدام الذكاء الصناعي وتكنولوجيا المعلومات في تقديم الخدمات وتحسين الكفاءة في إدارة المدن.
تقديم الدعم الاجتماعي والصحي للفئات الضعيفة من خلال برامج الرعاية الصحية الشاملة والدعم الاجتماعي للأسر ذات الدخل المحدود.