جاء الدين الإسلامي محملاً بكل المعاني الإنسانية والقيم الأخلاقية مؤكداً على المساوة بين الناس سواءاً كانوا عرباً أم غير عرب يتمتع الجميع بالحقوق والامتيازات دون فرق أوتمييز بسبب عرق ،أو نسب ،او طبقة اجتماعية، فكانت آيات القرآن الكريم دالة على ذلك مؤكدة عليه، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ( وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) ، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ، وذلك بأن جعل المهاجرين والأنصار اولياء بالعون والنصرة، واشار القرآن الكريم إلى عدم مولاة الكفار ومناصرتهم في الآية الكريمة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ، وفي آية أخرى دلت كلمة مولى عن النصير قال تعالى: (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ).
فقد نظر الإسلام إلى الموالي نضرة تسامح وجعلهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي، وقد حقق رسول الله (ص) مبدأ المساواة بين المسلمين من العرب وغير العرب فكان لبلال الحبشي وسلمان المحمدي، وغيرهم من الموالي والعبيد مكانة متميزة عند رسول الله (ص) .
وفي وقعة بدر حصل المسلمون على مغانم كثيرة، واخذوا مع هذه الاموال عدداً من الأسرى لكن رسول الله لم يسترق احد منهم ،وفادى بعضهم بالأموال او جعل تعليم عشرة من صبيان المسلمين ثمناً لحرية من يعرف القراءة والكتابة منهم.
كما منع رسول الله (ص) بيع الولاء أو هبتة فالولاء يبقى لمن اعتق، وقد اعتق رسول الله (ص) مولاه زيد بن حارث، ولما حاصر الطائف خرج اليه خمسة عشر عبداً واسلموا على يديه فأعتقهم وقال ((اولئك عتقاء الله)(.
واعتق رسول الله (ص) السيدة جويرية بنت الحارث وتزوجها وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق ، وكان رسول الله (ص) يعامل الموالي معاملة حسنة واباح زواجهم من العرب إذ انه زوج مولاه زيد بن حارثة من أبنة عمته زينب بنت جحش.
وقد كان للموالي في عهد رسول الله (ص) مكانة مرموقة في المجتمع حيث جعل الرسول (ص) بلال الحبشي مؤذناً له على ظهر الكعبة.
وتولى سلمان الفارسي قسمة الغنائم بين المسلمين في واقعة جلولاء، فكانت عدالة الإسلام قد أنسته جنسيته الفارسية فلما سألوه عن نسبه قال انا ابن الإسلام.
وقد كانت خطب رسول الله (ص) تتضمن مبادئ المساواة والعدالة والانصاف بين الناس فقال في خطبة حجة الوداع: (( يا آيها الناس الا ان ربكم واحد وأن اباكم واحد إلا لا فضل لعربي على اعجمي ولا اعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى)) مؤكداً في خطبته على ما جاء في القرآن الكريم من دعوة للمساوة كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
كما حدد النبي الكريم (ص) علاقة المولى بمولاه فقال ((مولى القوم منهم)) ، وقال (ص) ((الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب ولا تورث)).
كما حرّم الإسلام على المولى ان ينقل ولاءه إلى فرد آخر غير صاحب الولاء الحقيقي، أو إلى قبيلة أخرى غير التي ينتمي ولاؤه إليها فقال الرسول (ص) في خطبته في حجة الوداع (( من تولى غير موالية فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين)) ، وبذلك يكون الإسلام قد حرم ان ينقل العبد ولاؤه إلى غير مواليه ،لان الولاء يعد كالنسب إذ لا يجوز فيه التصرف كالتصرف بالأمور المادية مثلاً، والولاء المقصود به هنا هو ولاء العتق، اما ولاء الرق فيجوز فيه التصرف لأن العبد هو ملك لسيده ما دام الرق على العبد قائماً.
ولقد حارب الإسلام العصبية القبلية، لتحل محلها العصبية الإسلامية التي تجعل من المسلمين خير امة كما في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)) ، هذه الامة التي اغتنت بالإسلام عن الحسب والنسب فالإسلام، يرفع المرء ويعلي درجته.