ظهور الاحتكارات في الولايات المتحدة الامريكية
ا.د. حيدرطالب حسين
جامعة كربلاء/كلية التربية للعلوم الإنسانية
قسم التاريخ
بدأت بوادر التغير الاقتصادي خلال الحرب الاهلية وازداد بخطوات سريعة بعد عقد السبعينيات من القرن التاسع عشر ، اذ اخذ رجال الاعمال الاذكياء يدركون ان بوسعهم تخفيض نفقات الانتاج والسيطرة على الاسعار من خلال جمع الشركات المتنافسة في منظمة واحدة اطلقوا عليها تسمية الشركات المساهمة ، ثم طوروها الى نظام ائتلاف الشركات ، ثم الاتحاد الاحتكاري Trust والذي كان في حقيقته تجمعا لشركات مساهمة ، تطور ليعني اي تجمع تجاري وصناعي كبير ، وقد ترك هذا النظام اثرا مهما على الاقتصاد الامريكي ، ففي الوقت الذي كان له اثارا سيئة على الطبقة الفقيرة في المجتمع سيما ذوي الدخل المحدود من الفلاحين والعمال ، الا ان ميزاته كانت كثيرة منها تيسير التجمع على نطاق واسع ، وتركيز الاشراف والادارة ، والقضاء على الوحدات الاقل كفاءة ، وتحشيد حقوق الاختراع ، وبفضل مواردها المالية اوتيت القدرة على التوسع ومنافسة الشركات الاجنبية ، وغيرها من الميزات الاخرى .
وخلال الربع الاخير من القرن التاسع عشر ظهرت العشرات من الاحتكارات منها احتكار زيت بذرة القطن عام 1884 ، وزيت الكتان عام 1885 ، والقصدير والويسكي والسكر عام 1887 ، وترست عيدان الثقاب عام 1892 ، والتبغ عام 1890 ، والمطاط عام 1892 ، الا ان اضخم هذه الاحتكارات واوسعها هي :
1-اتحاد احتكار البترول Petroleum Trust : سيطر على هذا الاحتكار جون دي روكفيلر John D. Rockefeller الذي بدا حياته العملية كصاحب مكتبة ثم تاجر وبعدها في مجال صناعة البترول ، اذ اشترى اول معمل تكرير عام 1862 ، وبعدها بثمانية سنوات انشا شركة ستاندرد اويل كومباني Standard Oil Company ، وبحلول عام 1899 اصبحت الشركة قابضة تسيطر على ارصدة شركات اخرى ، وبلغ رأسمالها (110,000,000) مليون دولار بنسبة ارباح وصلت الى (45) مليون دولار سنويا ، وقدرت ثروة روكفيلر حينها (200) مليون دولار قبل تحوله لمجال صناعة الحديد والنحاس والفحم والشحن والصرافة .
2-اتحاد احتكار الصلب Iron Steel Trust : اختص اندرو كارنيجي Andrew Carnegie بهذا الاحتكار ، وهو اسكتلندي المولد ، بدا حياته موظفا بمكتب تلغراف ثم اصبح سكرتيرا لرئيس شركة بنسلفانيا للسكك الحديد ، ولم يلبث ان اصبح مليونيرا بعد عمله في بيع سندات الشركة في الوول ستريت ، وبعد عودته من بريطانيا عام 1872 انشا مصنعا لانتاج الصلب بتكلفة مليون دولار ، وبحلول عام 1880 كان كارنيجي ينتج (100,000) طن من الصلب شهريا محققا ارباحا سنوية بلغت (1,500.000) مليون دولار سنويا ، ووصلت هذه الارباح عام 1900 اربعين مليون دولار سنويا .
3-اتحاد احتكار مورغان Morgan Trust : بدا جي بي مورغان J. P. Morgan قبل الحرب الاهلية بوصفه ابنا لاحد اصحاب البنوك ببيع معدات السكك الحديد مقابل عمولات مجزية ، ثم تسلسل في العمل التجاري البنكي من خلال بيع السندات وابتياعها من الادارة المركزية ، وبحلول عام 1889 ولد احتكار خطوط السكك الحديد برئاسة مورغان ، ثم ما لبث ان حقق بنك مورغان ارباحا قدرت بـ (18,000,000) مليون دولار عام 1895 نتيجة لبيعه كميات كبيرة من الذهب الى الادارة المركزية التي استنزفت رصيدها من الذهب في هذا العام ، واستطاع بنهاية القرن ان يربط خطوط السكك الحديد بعضها ببعض ثم ربطها جميعا بالبنوك ثم ربط البنوك بشركة التامين حتى استطاع بحلول عام 1900 ان يسيطر على (100,000) الف ميل من خطوط السكك الحديد وهي مسافة تقدر بنصف خطوط الولايات كلها ، وقد قدر مجموع ارباح شركات مورغان للتامين بخمسون مليون دولار سنويا ، وبرصيد بليون دولار ، ثم ما لبث ان اشترى شركة الصلب من كارنيجي عام 1900 بمبلغ (492) مليون دولار ، وامتد نفوذه الى التلغراف والتليفون والكهرباء.
على الرغم مما قدمته هذه الاحتكارات في مجال تحسين الصناعة وتطويرها وتخفيض تكاليف الانتاج وتنظيم العمل ، الا انها كانت مثار نقد شديد من قبل المواطنين لما يتركه تسلط افراد قلائل على ثروات البلد من اثر سلبي في نفوسهم ، في وقت تركت الادارة المركزية هؤلاء المحتكرين يتحكمون بالسوق والاسعار انطلاقا من ايمانها بالاقتصاد الحر ، ورغم استجابتها لمطاليب الغاء او تقييد الاحتكارات بإصدارها قانوني ( التجارة بين الولايات عام 1887 ، شيرمان عام 1890 ) الا ان كلاهما ظل حبر على ورق ولم يطبقا بشكل حقيقي وصحيح حتى نهاية القرن التاسع عشر . وقد كان للمحكمة العليا وسياسة الاحزاب دورا في ذلك ، اذ اصدرت المحكمة قرارات عدة بينت فيها وجوب فسح المجال لرجال الاعمال لكي يتمكنوا من اداء اعمالهم بنجاح ، وان على المفسرين للقانون ان يكونوا وسيلة تشجيع لا تثبيط لإنجاز اعمال هذه الفئة ، وفي عام 1873 بينت بان من حق اي ولاية منح اذن احتكار في بعض اعمال معينة لتشجيع رجال الاعمال ، وفي عام 1886 بينت بان كل شركة مساهمة هي ( شخص ) بالمعنى المقصود ، واخرها القاضي بان القانون الخاص بإلغاء اتحادات الشركات ( قانون شيرمان ) لا ينطبق على الاحتكارات الصناعية .
وتنبغي الاشارة الى ان الادارة المركزية أيا كانت سواء من الحزب الجمهوري ام الديمقراطي كانت مع الاحتكارات واربابها ، رغم ان الانطباع العام حينها ان الحزب الديمقراطي كان معارضا لها والدليل على ان كلا الحزبين كانا معها ، ان مرشح الحزب الديمقراطي كروفر كليفلاند Grover Cleveland عندما فاز بانتخابات عام 1884 الرئاسية اكد لأصحاب الصناعات والاعمال ان انتخابه لا يجب ان يخيفهم وطمأنهم على مصالحهم بقوله ” لن تضار مصلحة اي عمل … طالما كنت رئيسا للبلاد … ان انتقال السلطة التنفيذية من حزب الى اخر لا تعني اي اضطراب او قلق في الاوضاع القائمة ” .
لاشك ان الاحتكارات في مختلف المهن تركت اثارها سواء الايجابية ام السلبية في الحياة العامة ، ومن بين الاثار السلبية التي تركتها هي حالات الفشل في البنوك وحجز الرهن العقاري في المزارع والمنازل والرهون العقارية الخاصة الاخرى . والجدول التالي يوضح عدد هذه