جنوب لبنان .. حكاية مقاومة…    
أ.م.د. سلام فاضل حسون                             
عندما أعلن الكيان الصهيوني دولته اللقيطة في أيار عام 1948 على أنقاض أرض فلسطين اقتلعت العصابات ” الاسرائيلية ” مئات الفلسطينيين من أراضيهم ودفعت بهم الى حدود العديد من الدول العربية المجاورة ،حيث استقر معظمهم في لبنان ، وحتى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 لم يكن هناك اي عملية عسكرية ضد إسرائيل من الحدود اللبنانية ، ومع ذلك قتلت إسرائيل مئات الابرياء من العرب في الجنوب اللبناني . وبعد نكسة حزيران عام 1967 ضمت إسرائيل بالقوة العسكرية غزة والضفة الغربية وسيناء ومرتفعات الجولان السورية ، ومنذ ذلك الحين أصبحت لبنان هدفاً للاعتداءات الصهيونية الى ان تحولت الاراضي اللبنانية مركزاً للمقاومة الفلسطينية التي اتخذت من لبنان بديلاً عن أراضيها المغتصبة في غزة والضفة الغربية .                                                         
    أدى انتقال الحرب من فلسطين الى لبنان الى نزوح العائلات الشيعية في الجنوب ، لاسيما بعد تزايد تواجد منظمة التحرير وتوسع مواجهاتها مع الصهاينة ، عندها تم تهجير مئات الاف من سكان الجنوب بسبب هجمات الصهاينة على فدائيو منظمة التحرير في الجنوب بحيث تمركز بسبب ذلك نصف الشيعة تقريباً في بيروت عام 1971 . وهكذا كان للصراع الاسرائيلي- الفلسطيني في جنوب لبنان أثره البالغ في تعبئة الشيعة ودخولهم الى جانب الفلسطينيين ، وعندما اندلعت الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 نجحت المليشيات المسيحية في دفع الشيعة من شرق بيروت الى الضاحية الجنوبية ، ومع بداية الثمانينيات كان ثلث الشيعة في لبنان قد تجمعوا في هذه المنطقة ، وقد ساعد نزوح الشيعة الكبير الى بيروت في تسريع التغيير الاجتماعي داخل الطائفة ، بحيث أتيحت الفرصة لشيعة جبل عامل وشيعة البقاع بالاندماج ، الامر الذي ساعدهم تدريجياً في” توحيدهم تحت راية واحدة” .             
    أستفاد من تلك الوحدة الامام موسى الصدر ( رض) الذي نجح في تعبئتهم بفاعلية خلال محاولاتهم في الحصول على حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية أنصافا ، وراح يناصر حقوق الشيعة بطريقة لا سابق لها الى ان تمكن من تأسيس ” المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ” في عام 1969 ، وفي عام 1974 تمكن السيد موسى الصدر من تأسيس حركة المحرومين بالتعاون مع المطران الكاثوليكي غريغوار حداد في محاولة للتخفيف من معاناة الفقراء واصبحت الحركة مفتوحة امام جميع المظلومين من كافة الطوائف دون ان تكون حكرا على الشيعة ، ومع مرور الوقت تطورت الحركة وعلا شأنها وتحولت الى حركة شيعية بقيادة الامام موسى الصدر (رض) الذي أستفاد من رمزيته الدينية وقيادته الفذة في تعبئة الطائفة عسكرياً الى أن نجح في عام 1975 في تأسيس قوات عسكرية خاصة بالحركة سميت بالجناح العسكري ” أمل” وكان هدفها أحداث التغيير السياسي والاجتماعي فضلا عن هدفها السامي وهو الدفاع عن الجنوب من الاعتداءات اليهودية . وهكذا بدا واضحاً أن تأسيس الصدر لحركة “أمل” هو أدراكه للتهديد الاسرائيلي للجنوب ، وقناعته بعدم قدرة الحكومة اللبنانية على ردع العدوان ،وأيمانه بالقضية الفلسطينية .                                                        
    أدى انقسام النخبة الشيعية في حركة امل عام 1982 الى تعرض الحركة للانشقاق تمخض عنه تأسيس ” حزب الله” وانضمام أغلب كوادر الحركة اليه ، حينها بدأ الحزب يشق طريقه باتجاه التعبئة الجماهيرية والمقاومة .                                                           
   أن الاجتياح الاسرائيلي للبنان وذبح المقاومة العربية التقدمية من قبل الفصائل اللبنانية اليمينية من تحت العباءة الاسرائيلية بمباركة عربية يمينية وتشتت هذه المقاومة بعيدا عن الحدود اللبنانية – الاسرائيلية كان أيدانا باندلاع المقاومة الوطنية اللبنانية الخالصة بتحالف الفصائل الشيعية مع اليسار اللبناني برعاية سورية ، وصار اليمين العربي ممثلا بالمملكة السعودية والعراق ومصر والموارنة غير قادر على  حماية المكاسب الاسرائيلية في لبنان أمام ضغط المقاومة اللبنانية حيث اغتيل مرشح الرئاسة بشير الجميل مرشح إسرائيل والجماعة العربية لرئاسة لبنان في أيلول عام 1982 أي قبل (9) أيام فقط من تسنمه هذا المنصب الرفيع ،جزاء لما اقترفته يمينه من دماء اللبنانيين وعمالته للأمريكيين والموساد دون أن يختبئ وراء ( ورقة التوت).
كانت السيارات المفخخة التي اقتحم بهاء رجال ونساء المقاومة اللبنانية مقرات الجيوش الاجنبية في لبنان في عام 1983 ، منها السيارة المفخخة التي دخلت مقر قوات المارينز الامريكية وقضت على (241) جندياً ، كانت درساً قاسياً لتدخل الدول في الشأن اللبناني ، ولم تقف الولايات المتحدة مكتوفة الايدي أزاء ذلك فقد قامت الطائرات الامريكية بضرب القواعد السورية في لبنان ووضعت وكالة المخابرات المركزية الامريكية خطة تصفية زعيم حزب الله في لبنان بتنسيق امريكي من قبل وليم ج . كيسي مدير المخابرات المركزية في أدارة الرئيس رونالد ريغان بالتعاون مع اليمين العربي نتج عنه انفجار سيارة مفخخة في بيروت عام 1985 أودت بحياة (80) ضحية من الابرياء وعدد كبير من الجرحى ودماراً هائلاً في الضاحية الجنوبية من بيروت ، ونيران على مد البصر.                                                  
    سار الصراع بين الحق والباطل طيلة عقد الثمانينيات ليس بوتيرة واحدة ، أذ تولى الرئاسة ميشيل عون وهو شخصية عسكرية مارونية مدعومة من قوى الشر العربية (آنذاك) ، ونحر اليمنيون الجنوبيون بعضهم بعضا ، وبلغت الحرب العراقية – الايرانية مداها وحان وقت إيقافها ليجد النظام في العراق له دوراً جديداً فشرع بذبح المقاومة اللبنانية ، فكانت ترسانة الصواريخ تشحن الى لبنان بأعداد كبيرة ،وكانت صور ميشيل عون تعلق على أعمدة الشوارع في بغداد ، وتحالف العراق ومصر والمملكة العربية واليمن ، وجال زعماء هذه الدول في شوارع بغداد دون أن يعلنوا ضد من تحالفوا ، وهل كان تحالفهم ضد اسرائيل كما جرى عليه التقليد لدى الحكام العرب ؟؟؟ أم ان هناك عدو جديد ممثلاً بالمقاومة العربية الاسلامية اليسارية في لبنان المدعومة من سوريا ( المارقة) وايران ( المجوسية) واليمن الجنوبية ( الشيوعية ) وليبيا ( القذافية).

شارك هذا الموضوع: