د. مروه مكي جعفركلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
بعد أن غلب المذهب الإباضي على معظم العامة في بلاد المغرب الأدنى وخصوصا كبرى قبائله من هوارة ونفوسه، فقد شجع هذا الأمر الثورة على الولاة الامويين، الذين كانوا يعانون في هذا الوقت من الثورات المتلاحقة للخوارج الصفرية في افريقية والمغرب الاقصى، ويبدو أن عامة رجال القبائل كانوا في حاله من عدم التنظيم والترتيب للثورة وانما كانت حركة عفوية قامت بها قبيلة هوارة بالثورة على عامل الوالي عبد الرحمن بن حبيبعلى منطقة طرابلس وهو اخوه الياس بن حبيب، ويبدو أن سبب الحركة هو قتل زعيم الاباضية عبد الله بن مسعود التجيبي من قبل الوالي، إلا ان عامة الإباضية من قبيلة هوارة طالبوا عبد الرحمن بن حبيب بالقصاص من أخيه لانه قتل التجيبي، ولتهدئة الاوضاع قام بعزل أخيه وتعين حميد بن عبد الله العكي.
إلا أن الإباضية لم يقتنعوا بهذا الاجراء وثاروا ضد حكم الولاة الفهريين خصوصا بعد المعاملة السيئة، لذلك قام الاباضيون بتعيين الحارث بن تليد إماما وعبد الجبار بن قيس قاضياً، وقاموا بسجن عامله ومن ثم اطلقوا سراحه وطردوه خارج طرابلس، وقد تمكن الاباضية من السيطرة على طرابلس وافشلوا ثلاث حملاتارسلها عبد الرحمن بن حبيب إلى أن توجه اليهم بنفسه، وعلى الرغم من محاولات عبد الرحمن في استمالة هوارة بارسال احد وجهاءها مجاهد بن مسلم الهوّارىيستميل الناس إلا انهم طردوه وفشل عبد الرحمن بن حبيب في مسعاه عندما طردت هوارة مجاهد ولم تستجب له في ترك امامة عبد الجبار.
وإن هذا الامر لم يستمر طويلا ففي ظروف غامضة وجد الإباضيون امامهم وقاضيهم مقتولان في مكان واحد وعلى كل جثة سيف الآخر، وهذا الامر اضعف عامة الاباضية وادخل الشك إلى صدورهم بان إمامهم وقاضيهم قتل احدهم الاخر وتزعزعت جبهتهم مما مكن عبد الرحمن بن حبيب من تسير جيش جرار تمكن من اعادة السيطرة على طرابلس بعد ان ضعفت الاباضية سنة 131ه/748م.
وفي هذه الاثناء التي كانت فيها عامة الاباضية في طرابلس بحالة من عدم التوازن جراء سيطرة عبد الرحمن بن حبيب وامعانه في التضيق على عامة الاباضية، ثارت قبيلة نفوسة بزعامة اسماعيل بن زياد النفوسيفقد نصبوه اماماً عليهم،ويظهر ان ثورة نفوسة لم تستمر طويلاً اذ سرعان ما تصدى لها عبد الرحمن بن حبيب وامعن في اضطهاد الإباضيةوقام ببناء سور حول مدينة طرابلس وكان ذلك سنة 132ه، ونتيجة لهذه السياسة التعسفية فقد توجه الإباضية إلى التكتم في اجتماعاتهم للاعداد للمرحلة المقبلة فكانوا يجتمعون في موضع يقال له صياد بخارج مدينة طرابلسويظهرون انهم يجتمعون في قضية ارض مشتركة بين قوم ارادوا قسمتها، وفي الواقع انهم كانوا يجتمعون لاختيار إمام لهم يعد لمرحلة الظهور، وقد كانوا ياخذون برأي حملة العلم الذين اخذوا ارشاداتهم من إمام المذهب في البصرة ابي عبيدة مسلم بن ابي كريمة للتهيؤ للظهور، ويذكر إن ابا عبيدة هو من اشار على حملة العلم إلى المغرب بتنصيب ابو الخطاب عبد الاعلى بن السمح المعافري.
وهنا يجب أن نقف عند هذه النقطة المهمة في اختيار شخص عربي لقيادة إمامة الإباضية في المغرب مما يعني ان ثورة العامة في بلاد المغرب وان كان اغلب افرادها من البربر الامازيغ الا انها كانت بعيدة عن الطابع القومي للبربر، وإنما كانت ثورة اجتماعية ضد الظلم والجور الذي عانوه تحت وطأة الحكم الاموي ومن ثم العباسي، وقد اتخذت هذه الثورة المذهب الإباضي غطاءً دينياً لها في الخروج عن نظام الحكم الجائر على اعتبار أن ذلك العصر كان يتسم بان الحكومات الاسلامية المتعاقبة تكسب حقها في الحكم الشرعي من الله (عز وجل) والقرب من الرسول محمد (صلَى الله عليه وآله) وفق نظرية الخلافة، فأرادوا باعتناقهم للمذهب الإباضي أو أي مذهب اخر هو اكساب حركتهم طابع الشرعية وانها وفق التعاليم الاسلامية، وأن ما استهوى العامة في بلاد المغرب على اعتناق المذهب الإباضي هو عدم اشتراطه أن تكون الإمامة في قريش وأنما تنعقد بالشورى فيمن تتوفر فيه مؤهلات قيادة الامة حتى لو كان غير عربي واذا حاد عن جادة الصواب فيحق للمسلمين خلعه، اذن هنا نجد تفسيراً واضحاً للفكر الإباضي الذي برر دخول غير العرب للعملية السياسية، اي انه من تتوفر فيه مؤهلات قيادة الامة، وتبوء منصب الإمامة حتى وان كان غير قرشي أو عربي، وهو فكر يريد ان يزيح فكر باقي المذاهب الاسلامية التي تشترط في الإمامة ان تكون في قريش، وكذلك نقطة مهمة يجب التنبه لها الا وهي انه يحق للمسلمين خلعه اي إن تنصيبهُ ليس مدى الحياة وإنما يحق لهم خلعه اذا لم يحقق شروط الإمامة.
المصادر والمراجع:
ابو زكرياء، يحيى بن ابي بكر الوارجلاني، ت: ق5ه/11م، كتاب سير الائمة واخبارهم، تحقيق: اسماعيل العربي، ط2، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1982.
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي الاشبيلي، ت: 808ه/1405م، العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، تحقيق: خليل شحادة، ط2، دار الفكر، بيروت، 1988.
اسماعيل، محمود، الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري، ط2، دار الثقافة، الدار البيضاء، 1985.
عمر، تابليت، هوارة ودورها في تاريخ المغرب منذ بداية حركة الخوارج ق(1ه-7م) الى انتهاء ثورة ابي يزيد مخلد بن كيداد (335ه-946)، دار الالمعية للنشر والتوزيع، الجزائر، 2011.