الحركة الإباضية بزعامة ابو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري في بلاد المغرب الادنى
الحركة الإباضية بزعامة ابو الخطاب عبد الأعلى بن السمح المعافري
في بلاد المغرب الادنى
م. د. مروه مكي جعفركلية التربية للعلوم الانسانية/ قسم التاريخ
عقب الانكسارات التي مرت بعامة الاباضية، فقد اتجهوا لتنظيم انفسهم والتحرك بالكتمان، وظلت صفوفهم مدة مرتبكة إلى أن وقع اختيارهم سنة 140ه/757م على أبي الخطاب عبد الاعلى بن السمح المعافري أحد حملة العلم الخمسة،وبعد تنصيبأبا الخطاب فإنه بدا يخطط للسيطرة على مدينة طرابلس بمساعدة العامة التي ساندته فدخلوا طرابلس متخفين، وبعد ذلك قصدوا عامل العباسيينعلى طرابلس وخيروه بين البقاء في المدينة على أن يتخلى عن الولاية، أو الرحيل فقرر الخروج المدينة بعد ان سلم مفاتيح بيت المال إلى أبي الخطاب.
وبعد أن سيطر ابو الخطاب المعافري على طرابلس فقد تمكن بمساعدة عامة القبائل من زناتة وهوارة من السيطرة على جزيرة جربةوجبل دمر، وكذلك ضم قابسإلى مملكته الناشئة في بلاد المغرب الادنى، وقد اتت الفرصة لابي الخطاب وعامة الإباضية للسيطرة على القيروان بعد أن سيطرت عليها قبيلة ورفجومة التي أساءت السيرة بعامة أهل القيروان، ويذكر أن سبب مساندة العامة لابي الخطاب هو اعمال ورفجومة هي التي دفعت قبائل هوارة وزناتة لمساندة ابي الخطاب ومساعدته.
وإن الذي ساعد ابا الخطاب في بسط سيطرته على افريقية هو انه اتصل برجالات العرب بها وكسب تاييدهم، فضلاً عن انضمام قبائل البربر من هوارة ونفوسة وزناتة اليه، ومبايعته بالامامة مما ادى إلى زيادة اتباعه من الاباضية وتحقيق النصر على عامل العباسيين ، وكذلك القضاء على نفوذ ورفجومة الصفرية.
وفي سنة (141ه/758م) التي خرج فيها ابو الخطاب لقتال ورفجومة كانت سنة قحط وجدب وجوع، وكان ابا الخطاب قد خير عامة الإباضية في الاستمرار معه في هذه الظروف الصعبة للتوجه الى القتال أو أن ينسحبوا، وقد انسحب عدد كبير من جماعة الاباضية ولم يبق معه الا من كان له رغبة حقيقة في القتال وبلغ تعدادهم حوالي سته الالافمقاتل ، ويبدو أن السبب الذي جعل أبو الخطاب ينادي بعسكره من أراد الانسحاب ينسحب لانه ايقن بانخفاض الروح المعنوية للعسكره نتيجة للقحط، لذا اراد ان يبقى معه من هو فعلا يرغب في القتال ومعتقد بافكار الجهاد المقدس.
وفعلا حقق ابو الخطاب النصر الحاسم بجنده المخلصين له وكان قد نصب على القيروان رفيق دربه عبد الرحمن بن رستم وتوجه الى طرابلس لمواجه جيوش الدول العباسية، إذ أن الحاكم العباسي ابي جعفر المنصور(136-158ه/753-774م) كان قد انتهى من حل مشاكل دولته في المشرق وأوعز إلى والي مصر محمد بن الاشـــــــــعـــــــثلحل الاضـــطرابــــات في افريقية فوجــــــه الاخـــــير عمـــــــــرو بــــن الاحوص العجليإلى افريــــقــــية، والتــــــقى الطـــــــرفان في مغـــــمداسبالقرب من سرتفإنهزم العجلي وانتصرت الاباضية سنة 142ه/759م.
لم يكن انتصار الإباضية الا مؤقتاً اذ ان ابي جعفر المنصور لما علم بانتصار الاباضية أمر ابن الاشعث بمراقبة الوضع واغتنام الفرصة للقضاء على الإباضية، وقد بث ابن الاشعث العيون والجواسيس في جيش ابي الخطاب، وأشاعوا إن عدوهم ينسحب فحدث الفوضى في عسكره وانسحبت جماعة منهم لحلول وقت الحصاد، وقد خالفت العامة بذلك امامهم أبي الخطاب الذي نهاهم عن هذا الامر بقوله ” يا قوم إن العرب أصحاب مكر وخداع، فلا تفرقوا عن ملككم، حتى تستيقنوا برجوع القوم فغلبته العامة” ، وهنا نجد أبا الخطاب المعافري بحكم كونه عربي يعرف اساليب العرب في القتال القائمة على الكرّ والفرّ لذا تنبه لهذا الأمر وحاول اقناع عامة الإباضية بذلك الا انهم اصروا على الرجوع، بسبب حلول وقت الحصاد، وكذلك لظروفهم الاقتصادية الصعبة.
والامر الآخر الذي زعزع صفوف الاباضية هو حدوث نزاع قبلي بين قبيلتي زناتة وهوارة واتهمت زناتة أبا الخطاب بالميل الى هوارة، وهذه الاحداث اضعفت جبهة ابو الخطاب، ويبدو أن القبائل كان موقفهم متذبذب مع إمام الإباضية ابي الخطاب ولم يكن كافة العامة ذو ولاء مطلق له، وانما كانت تحكم مواقفهم الأحوال والظروف المستجدة، خصوصا الامور المادية، فأن من مبادئ الإباضية الاساسية التي تحرم اموال المخالفين لهم في المذهب، لذا نجد أن هذا الامر لم يرق لعدد كبير من العامة فجعلهم ينفضون من حول ابي الخطاب، ولا يجب ان ننكر مدى رقي مبادئ الإباضية من حيث عدم السماح لاتباعهم بالسلب والنهب والاستيلاء على الاموال العامة والخاصة، جعل الإباضية الفرع المعتدل من مذاهب الخوارج، وحتى أن بعض المؤرخين لا يعدهم من فرق الخوارج لما تتسم به مبادءهم من تسامح ورفق بخلاف الفرق الخارجية الاخرى.
ونظراً للخلل الكبير الذي حدث في صفوف الاباضية استغله ابن الاشعث وسار اليهم وباغتهم بدخول احوازطرابلس، ولم يستجمع ابو الخطاب بقايا جنده، فأرسل يطلب الامدادات من المناطق الموالية للاباضية، واضطر لدخول معركة مع ابن الاشعث قبل وصول الامدادات، و اكتفى ابو الخطاب بمن كان بقرب طرابلس من العامة من قبائل نفوسة وهوارة وجريشة،وسائر البربر، ودخل بيهم في معركة بالقرب من تاورغا، وقتل فيها ابو الخطاب واتباعه سنة 144ه/757م.
وعندما وصلت الانباء الى عبد الرحمن بن رستم بمقتل ابو الخطاب واتباعه، وكان قد استعد لتقديم الامدادات له، الا انه بعد علمه بمقتلهم، خرج من القيروان متخفي متجها الى انصاره في المغرب الاوسط، اما عامله الذي تركه على القيروان، فقد وثبت عليه العامة في القيروان، بعد ان تناهى الى اسماعهم انتصارات ابن الاشعث وتنكيله بالاباضية، ونصبوا عليهم عمرو بن عثمان القرشي، الى دخل عليهم ابن الاشعث في جمادى الاولى سنة 144ه/757م.
وبذلك خفت صوت الاباضية مدة سيطرة ابن الاشعث على افريقية، واتفقت باقيا العامة من الاباضية المخلصين لابي الخطاب، بانتخاب ابي حاتم الملزوزيوتقليدهُ امامة الدفاع لحين حدوث الوقت المناسب للامامة الظهور.
المصادر والمراجع:
الدرجيني، ابي العباس احمد بن سعيد، ت: 670ه/ 1271م، طبقات المشائخ بالمغرب، تحقيق: ابراهيم طلاى، مطبعة البعث، الجزائر، 1974.
ابو زكرياء، يحيى بن ابي بكر الوارجلاني، ت: ق5ه/11م، كتاب سير الائمة واخبارهم، تحقيق: اسماعيل العربي، ط2، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1982.
الرقيق القيرواني، أبو إسحاق إبراهيم بن القاسم، ت: 425ه/ 1034م، تاريخ افريقية والمغرب، تحقيق: محمد زينهم محمد عزب، دار الفرجاني، القاهرة، 1994.
احمد، مصطفى ابو ضيف، اثر القبائل العربية في الحياة المغربية، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 1986.