الإنقسام المسيحي (الماروني – الماروني )في لبنان وأسباب أزمة زحلة .
م.م. إسراء محمدعلي عبدالكريم كساب
كلية التربية للعلوم الإنسانية – جامعة كربلاء.
كانت المعطيات التي أفرزتها تطورات الأحداث بعد الاجتياح( الإسرائيلي) لجنوب لبنان والتقارب (الإسرائيلي – المصري),تنم عن بروز جبهات مختلفة ومتعددة التوجهات والآراء على مسرح الأحداث ,أخذت على عاتقها تحقيق مصالحها ضاربة بقوة المصلحة العليا للبلد ,كما برز ذلك التصدع في أحداث الفياضة ,واتضح في ايار عام 1978بصورة أعمق ,عندما انقسم المسيحيون على أنفسهم ,حيث توقف الرئيس اللبناني السابق سليمان فرنجية عن حضور اجتماعات الجبهة اللبنانية (المعقل التاريخي للموارنة),بعد رفض بشير الجميل نصيحة سليمان فرنجية بضرورة تجنب المقاطعة مع سوريا ,لاسيما حيث انه لم ينس فضل السوريين ومساعدتهم للموارنة خلال الأيام الحالكة بعد التدخل العسكري السوري 1976أبان حكمه ,فضلا عن ذلك ان تقديره لسوريا متأتي من حماية سوريا له عندما التجأ اليها عام 1957بعدحادث داخل كنيسة في بلدة “ميزيارة” ومن هنا ابتدأ الصراع – بين ميليشيا تنظيم المردة وهو احد التنظيمات المسيحية المكونة للجبهة اللبنانية بقيادة طوني فرنجية ,ابن سليمان فرنجية,المقر الرئيس لهه الميليشيات ,بلدة اهدن الشمالية عرين ال فرنجية ,وبعد حدوث الصدامات المسلحة داخل احزاب الصف الواحد ومقتل طوني فرنجية ,انهى سليمان فرنجية ارتباط حزبه بالجبهة اللبنانية .
وميليشيا حزب الكتائب ,حيث أصبح مظهر من مظاهر الصراع العربي-(الإسرائيلي)حين أخذت (إسرائيل)تدعم بشير الجميل” المتعاون مع كميل شمعون والمطالبين بالانسحاب السوري” وتمده بالمال والسلاح ,بينما لجأ فرنجية إلى سوريا وذلك بألتقائه برشيد كرامي وبمباركة سورية ,مكونين جبهة لمواجة (إسرائيل)وإبعادها عن مجريات الأحداث وتحريضها الدائم للجبهة اللبنانية بشأن تقسيم لبنان
(اعلن الرئيس المصري انور السادات بعد زيارته القدس في اذار عام 1978عن وجود اتفاق بين رئيس الوزراء (الاسرائيلي)مناحيم بيغن ورئيس الجبهة اللبنانية كميل شمعون على اقامة دولة مارونية في جنوب لبنان بضمان (اسرائيل )وصرح ان وزير الخارجية الامريكي “سايروس فانس”اطلعه على مضمون الاتفاق)
ومن العوامل الأساسية المسببة لنزاع الأطراف المسيحية ليس فيما يتعلق بالسيطرة على جزء من الأراضي المتنازع عليها فحسب ,بل هناك سبب إستراتيجي- ديني هام فيما يخص إن الجزء الشمالي يمثل المعقل الأساسي للطائفة المارونية في لبنان ,ومن ينجح في السيطرة عليه يحظى بتأييد الموارنة ودعمهم وتعزيز موقفه باعتباره حامي للتقاليد المارونية .
وقد استغلت سوريا النزاع الماروني -الماروني القائم في الشمال لاسيما بعد ان بلغ النزاع ذروته (تزامنا مع الانسحاب الإسرائيلي في الثالث عشر من حزيران) بعد مقتل طوني فرنجية ابن الرئيس اللبناني السابق سليمان فرنجية وعدد من مناصريه قدر عددهم ثلاثون شخصا على يد القيادي في حزب الكتائب سمير جعجع * في أهدن في قضاء زغرتا (زغرتا:قضاء يقع في محافظة الشمال اللبناني)
وقد جائت عملية أهدن ردا على اغتيال احد قادة حزب الكتائب جود البايع وذلك من اجل وضع سيطرتها(سوريا) في عمق المناطق المسيحية وردا على عملية أهدن سمحت القوات السورية لميليشيا المردة بتثبيت سلطتها في الشمال وإقامة حواجز على حدودها مما جعل الكثير من المناطق المسيحية تحت السيطرة السورية وحصر مناطق نفوذ الجبهة اللبنانية الى منطقة لا تتجاوز مساحتها 10% بمعاونة قوات الردع العربية .
استمرت المناورات العسكرية الحاصلة بين القوات السورية والجبهة اللبنانية في الشمال اللبناني في عام 1978,التي برز فيها زعيم ماروني اخذ على عاتقه قيادة الميليشيات المسيحية المسلحة وساهمت تلك الأحداث بشهرة بشير الجميل,لاسيما في حرب المائة يوم *.
وعلى الرغم من انتهاء أحداث حرب المائة يوم ,إلا إن المناوشات اليومية بين الطرفين استمرت في عام 1979,إلا إن الحدث الأكثر تأثير على مجرى التطورات السياسية في لبنان هو قرار انسحاب سوريا المفاجئ من بيروت وضواحيها الذي أعلنته في الثالث من شباط 1980وتجميع قواتها في بعض مناطق الجبل ابتداءاٌ من عالية على امتداد طريق بيروت- دمشق عبر البقاع.
ان الفراغ الذي تركته القوات السورية عقب إنسحابها اظهر مدى التفكك السياسي والمجتمعي وخطورة الاوضاع القائمة ,وما نتج عن انسحابها كان ترجمة فعلية لاهمية وجودهاعلى الساحة اللبنانية,حيث الإنقسام المسيحي- المسيحي الذي بدا واضحا (بين ميليشيا الكتائب وميليشيا الوطنيون الاحرار) (النمور)*,وازدادت العلاقات استياءا بين الطرفين ,لاسيما بعد عمليات التوحيد للمعسكر المسيحي (توحيد البندقية) التي قام بها بشير الجميل ,مما دعا رؤساء الطرفان (بيار الجميل وكميل شمعون)الى تشكيل لجنة مشتركة في الثامن عشر من ايارعام 1980 لإنهاء حالة الانقسامات العديدة والاشتباكات المتكررة ,لكن الاشتباكات لم تنته بعد بل أضرمت النيران في تموز من جديد نتيجة قيام حزب الوطنيين الاحراربقيادة داني شمعون بمهاجمة وإحراق مقر الكتائب في قضاء بعبدا فكانت هذه الاحداث الشرارة لإنطلاق عملية الصفرا ,التي اسفرت عن بروز القوات اللبنانية المكونة من(حزب الكتائب,حزب الوطنيين الاحرار,حراس الارز) والتي قادت بزعامة بشير الجميل المرحلة السياسية والعسكرية القادمة وامست حكومة ظل تشرف على(122) لجنة شعبية في سبع اقضية لبنانية ,لاسيما بعد دعم كميل شمعون لبشير الجميل رغم معاداته لابنه بعدالمصالحة بينهما ودفع الاخير لكميل شمعون مليون دولار كتعويض لعائلة شمعون لماانتجته (عملية الصفرا)* لهم من اضرار.
________________________________________________________________
*سمير جعجع:ولد عام 1953في ضاحية عين الرمانة في بيروت وهو من عائلة مارونية ,اكمل دراسته في كلية الطب في بيروت التي انتسب اليهاعام 1972,برز اسمه كقيادي في حزب الكتائب اثناء فترة الدراسة بعد قيادته لوحدة كتائبية هاجمت اهدن ,مما ادى الى مقتل طوني فرنجية وزوجته وطفله ,انتفض عام 1985مع ايلي حبيقة على قائد القوات اللبنانية فؤاد ابو ناظر لموالته لقريبه الرئيس اللبناني فيما بعد امين الجميل ,شارك عام 1990 مع القوات السورية في هجومها واطاحتها بالجنرال ميشيل عون ,سجن عام 1944بعد توجيه اتهامات عدة اليه ,منها اغتيال رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي وتفجير كنيسة سيدةالنجاة,اطلق سراحه عام 2005.
*حرب المائة يوم(معركة الاشرفية):تسمية اطلقت على سلسلة من المناورات والمواجهات العسكرية القائمة بين قوات الردع العربية لاسيما القوات السورية وميليشيات الجبهة اللبنانية بين شهري تموز وتشرين الاول عام 1978 ,واشتدت ذروتها, لاسيما بعد مجزرة البقاع التي اتهم الطرفان بغضهما البعض بقيامها وبعد ايقاف بشير الجميل لبضع ساعات على ايدي القوات السورية في الاشرفية,وقد نقلت القوات السورية احداث المعارك الى الشمال اللبناني وذلك لجر الميليشيات الجبهة اللبنانية بعيدا عن مراكز تمحور قواتها وفي منطقة تأمن فيها من العدوان الاسرائيلي المتعاون مع الميلشيات المذكورة اعلاه,وبلغت معارك المئة يوم بعد اشتداد القصف السوري العنيف على بيروت الشرقية وقصف القصر الجمهوري في بعبدا ,حيث ان تغير مسار سياسة قوات الردع العربية التي اعلن الرئيس اللبناني سكريس بوجوب بقائها وازدياد غضب الجبهة اللبنانية ساهمت دون شك في تصعيد الخلافات والمواجهات العسكرية التي تميزت بالقصف الكثيف والدامي بإستخدام سوريا لصواريخ غراد وراجمات صواريخ ,وبعد تبادل الزيارات اللبنانية-السورية التي جائت نتيجة ايجاد حل لما يحدث وبعد علم سوريا باحتمالية استقالة الرئيس اللبناني,ولذلك عقد مؤتمر بيت الدين في الخامس عشر من تشرين الاول عام 1978الذي ضم كل من الرئيس اللبناني الياس سركيس الذي ترأس المؤتمر ورئيس الحكومة سليم الحص و وزير الخارجية فؤاد بطرس اما السعودية مثلهاوزير خارجيتها سعود الفيصل(الذي شغل مناصب أخرى منها ممثل اللجنة العربية الخاصة بلبنان ولجنة التضامن العربي واللجنة الثلاثية العربية حول لبنان) والكويت وزير خارجيتها صباح الاحمدوعن سوريا وزير خارجيتها عبد الحليم خدام,كذلك حضر مندوبون عن قطر والامارات العربية المتحدة والسودان,تمخض عن المؤتمر انسحاب القوات السورية من الاشرفية وابدالها بقوات سعودية مقابل كانت قد حلت محلها في العشرين من تشرين الاول ,وقطع العلاقات بين الجبهة اللبنانية -(الاسرائيلية)رسميا فضلا عن نقاط اخرى كانت قد نوقشت في مؤتمري القاهرة والرياض.
*منظمة النمور : وهي ميليشيا تمثل الجناح العسكري لحزب الوطنيون الأحرار أسسها داني شمعون وكان لهذه الميليشيا دوراً كبيراً في تصعيد الصراع الدامي الذي اجتاح لبنان إبان أزمة الحرب الأهلية حيث خاضت معارك ضارية ضد الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية , خسرت ميليشيا النمور مواقعها اثر هجوم شنته القوات اللبنانية بقيادة بشير الجميل عام 1980 في إطار عملية توحيد البندقية .
*عملية الصفرا:هي مداهمة عسكرية لمقر حزب الوطنيين الاحرار قام بها بشير الجميل زعيم حزب الكتائب في السابع من تموز عام 1980وحاصر قواعد النمور في بيروت الشرقية على طول الخط الساحلي الممتد حتى الشمال واستطاع من طردهم وكذلك طرد بعض الوحدات النظامية في الجيش في مواجهات بعد عملية الصفرا دامت ثلاثة اشهر,وقد مورست في هذه العملية ابشع اساليب القتل التي طالت حتى المدنيين العزل اظهرت مدى الحقد والكراهية التي ترجمتها فعليا هذه الميليشيات ,وافرزت عملية الصفرا مكاسب حقيقية لبشير الجميل منها استيلائه على احد عشر مركزا من مراكز الوطنيين الاحرار ,وتجريد اخيه امين الجميل من اغلب صلاحياته وانفراده بالهيمنة السياسية والعسكرية على المناطق المسيحية ,واغتنامه كميات كبيرة من ذخائر واسحلة الاحرار ,فضلا عن اعداد القتلى التي تجاوز المئة واربعون قتيل من الاحرار زيادة على ذلك قتلى المدنيين العزل ,وانضواء اغلب النور تحت قيادته باستثناء البعض الذي عاد الى مهنته الاعتيادية ,والجدير بالذكر ان الصفرا هي قرية تقع على ساحل كسروان بين جونية وجبيل يقيم فيها داني شمعون وتعتبر مركز نفوذ حزب الوطنيين الاحرار.