التــــــــمثلات اللغوية في الأســماء العامية ودلالاتها
ا.د هادي شندوخ حميد/ قسم اللغة العربية
 يمثل منطق اللغة نظاما حاملا للوجود بدوال تعبر عنه ، والاسماء ليست وسيلة للتمييز بين الذوات أو محددا للموجودات فقط ، بل هي مقتضى أكبر تتحرك الموجودات كلُّها بفضائه في المسعى التواصلي الذي تقوم عليه حركة المجتمعات .
 وما التعبير القرآني عن ماهيَّة الأسماء  في قوله تعالى : “وَ عَلّمَ ءَادَمَ الأَسمَاءَ كلّهَا ثُمّ عَرَضهُمْ عَلى الْمَلَئكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونى بِأَسمَاءِ هَؤُلاءِ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ” (البقرة : 31) إلاَّ في أحد أوجه دلالاته أنَّه دال : ”   على ذوات الأشياء التي يحتاج نوع الإنسان إلى التعبير عنها لحاجته إلى ندائها ، أو استحضارها ، أو إفادة حصول بعضها مع بعض ، وهي أي الإفادة ما نسميه اليوم بالأخبار أو التوصيف فيظهر أن المراد بالأسماء ابتداءً أسماءُ الذوات من الموجودات مثل الأعلام الشخصية وأسماء الأجناس من الحيوان والنبات والحجر والكواكب مما يقع عليه نظر الإنسان ابتداء مثل اسم جَنَّة ، ومَلَك ، وآدم ، وحوَّاء ، وإبليس ، وشَجَرة وثمَرة “(26)
 وقد تتجاوز البعد التواصلي لتكون مرآة ثقافية حضارية لأي مجتمع من المجتمعات ، الاختلاف فيها يشير إلى طبيعة المجتمعات وثقافاتها والتحولات التي تمرُّ بها . لذلك في تحليلها ومعرفة بواعثها طريق للربط بينها وبين الأحوال المجتمعية الدافعة الى ظهورها بهذا التشكيل والتمثل ، يقول بورديو : ” التسمية لاتكون حلًّا للمسمى إنْ لم ترتبط بالظروف الاجتماعية التي أوحت بها ” (27) وفي النسق اللغوي  منحى من التفكير يبرز لنا ولو بشكل طفيف الخصائص المشتركة في تلك الأسماء كما يبين لنا المعرفة الذهنية في اختيار هذا النمط اللغوي او ذاك دون غيره ومدى مناسبته لطبيعة لنظام اللغة  وخضوعه اليها .وأول مايلحظ من تلك التمثلات اللغوية في تلك الأسماء المنتشرة في تلك المحافظات  الميل الى التصغير
والتصغير هو : ” تغيير صيغة الاسم لأجل تغيير المعنى، تحقيراً، أو تقليلاً، أو تقريباً، أو تكريماً، أو تلطيفا، كرجيل، ودريهمات، وقبيل، وفويق” (28) ويعد من سنن العرب فتصغير الشيء على وجوه: فمنها تصغير تحقير، كقولهم: رُجَيل ودَويْرة، ومنها تصغير تكبير، كقولهم: عُيَير وَحده وجُحَيش وحده. وكقول الأنصاري: أنا جذيلُها المُحكَّك، عذيقُها والمُرجَّب. (29)
من أمثلته ماساد من الأسماء في تلك الربوع من المناطق هو : ” رويَّض ونَويَصر ، وجْلِيب ، وعَبيد ، وهَويِدي ، وصويِّح ، ودَرْيهم ، وجبيِّر ، وفليفَل ، وأرهيَّف ، ورَميَّح ، ودنيَّف ، وعطيَّب  ، وشويِّخ ، ومَرْيهج ، وحمَيدِي، ومنيِخي ، ورهيَّج ، وربيح ، وسفيَّح ، وعَريبي ،و شنيِّن ، وبَديوي ،  وعَويَّد ، وفَزيِّع ، وصَويحب  وبَهيِّة ، و نجيِّة  ، وبريهّة ، وحنيْشة” هذا الضرب من التصغير بعضُه وافق ما جاء من صيغ التصغير الثلاث التي ذكرها سيبويه بقوله : ” إعلم أنَّ التصغير إنّما  هو في الكلام على ثلاثة على فعيل وفعيعل وفعيعيل (30)” وبعضٌ منها خالف تلك الصيغ وهو يشير إلى أنَّ الواقع اللغوي قد يمدُّنا باستعمالات جديدة  وإنْ لم تكن مطابقة لقواعد النحويين والصرفيين ، دون أن يكون ذلك قياسا يعتدُّ به .أمَّا مبعثه الدلالي فلا يعدو أنْ يكون للاختصار أولا ومن ثم التحبب والتعظيم والتكريم  والترحم والتمليح والتقليل ، فمن عادتهم عدم التكلف في سجيتهم والنطق بما هو قريب الى لغة تداولهم فـــ “قولهم عريبي ابسط على لسانهم من عربي وكذلك جبيّر أخف من جبّار ونجيّة أقل وطأة على اللسان من نجاة ” وللتحبب قولهم “رَويِّض أكثر وقعاً من رياض وكذلك هويدي بدلا من هادي وصَويحب نيابة عن صاحب وبَريهْة بدلا عن برهة ، ” وللتقليل يقولون “دَريْهم وفليفل” وللتحقير يقولون” شَويخ بدلا من شيخ ” وهلم جرا . وتبرز ظاهرة أخرى تعتور الأسماء في تلك المناطق من محافظتنا وتمثل حضوراً ملفتاً في تنوعها ،هي “ظاهرة النقل”  المرتبطة بخصائص اللغة العربية التي تنمو وتتطور وتنتقل من مجال إلى آخر في صورة من الديمومة والفاعلية .فيحدث فيها تحول الأبنية والالفاظ من معان إلى معان أخرى (31)”  فهي نتاج تحولات اجتماعية وثقافية وفكرية تطرأ على المجتمع فيلجا اليها وهو ما نلتمسه في بعض الاسماء  التي انتقلت من مجال الى آخر كما هو الحال في الأسماء المنقولة من مجال الحيوانات ، اذ وجدنا أسماء : ” ذِيب ، وسَبع  ، وجِرو،  ووَبْران  ، وسِرحان ، وبعيِّر ،وبَطَّة ، وعِنيزة،  وكَبيشة، وغَزالة ، وعِفريت ، ونِمر ، وفِهيد ، وفَارة  ، وبنيِّة ، وشبُّوط ، وشِلج ، وجعيّل، وبرْغوث، وبَرغش، ويَراد  ، وريْمة  ، وصَخيل”
 وقسم منقول من ظواهر الطبيعة فسموا بــ ” مْطِير ، وسَحاب ، وكَواكَب ، ورَعيِّد ، وحَالُوب ، ونَجم  ، وصَيهود ، وطَوفاَن “
 وتارة يكون النقل عن إسم مدينة كما هو شائع في بعض الأسماء الجنوبية  مثل : ” تُركي  ،وتُركيَّة ،  ورُومِي ، وهِنديَّة ،وبصريَّة ، وبَديوي نسبة الى البادية ، ونجد من تلك الأسماء ما يُنسب إلى قُراهم مثل ” عسَّاف ، نسبة إلى منطقة آل عساف ، وجهيِّل نسبة إلى آل جهل ، وشَحيم نسبة إلى منطقة شحْم ، وصليِّل نسبة إلى منطقة الصلولات ، وركيِّب نسبة إلى الركابي وهكذا .”
 أمَّا  الأعداد  فالمسميات المنسوبة إليها قليلة المشهور منها  في تلك المحافظات ونواحيها : ” ثَويني ، ووَحيِّد ، وخمَّاس ، وخميَّس، وثَليثَة ، وستَّه ” نسبة إلى الاعداد أثنين وواحد وخمسة وثلاثة وستّة.
 ويلحظ نمط الإضافة إلى الله سبحانه او أحد اسمائه أو إلى الائمة عليهم السلام أي _الاسماء المركبة_ في أسمائهم المختارة للدلالة على شعورهم الديني او انتمائهم في الولاء، مع غياب لأسماء الخلفاء أو ما سُمِّي به الملوك او الخلفاء في العصرين الاموين والعباسي، وهو مغزى دال على تأثرهم بالواقع الاجتماعي أكثر من الديني فلا تأتي تلك الأسماء الدينية إلاَّ نزرا ً. من تلك الأسماء : ” عُبدالله ،  ومَال الله ،  وعَطا الله ، وخَيرالله ، ويار الله ،  وعَبد البَاري ،  وعَبدالقادِر ، وعَبد النبِّي ، وعَبد عَلي ، وعَبد الحسن ، وعَبدالحسين ، وعَبد الرَّسُول ، وعَبد الهادِي ، وعَبد الكاظِم ، وعَبد ربَّه ، وعَبد السَّادة”   يقول الدكتور إبراهيم السامرائي عن هذه التراكيب : ”  إنَّ “عبدالله “من الاعلام التي يُسمَّي بها المسلمون في العراق الآن عرباً كانوا أم غير عرب وهو كذلك من الأعلام الشائعة بين اليهود والنصارى والصابئة وسائر الطوائف الأخرى … ولكنْ إضافة العبد لم تقتصر على لفظة الجلالة أو على أسماء الله وإنمَّا تعدَّت ذلك إلى أسماء الائمة والأولياء الصالحين أو إلى القابهم  وما اشتهروا به نحو عَبد الامير وعَبد علي وعَبد الحسن وعَبدالحسين وعَبد العبَّاس وعَبد الحمزة وعبَد الكاظم وعبد الرضا وعَبد الصاحِب وعَبد الزهرة وعبد الأئمة”(32)
 وتتميز بعض الأسماء المؤنثة بلاحقة التاء الدالة على التأنيث في مجموعة من المسميات ، ما يبعث على التساؤل الدلالي في اللجوء الى  هذا الملمح  وهو مايمكن أن ْيكون ظاهرة أي : ” أنْ يكون الاسم المؤنث فيه علامة فاصلة بينه وبين المذكر كقولك خديجة وفاطمة ” (33) كتسميتِهم بــ : ” زَعْبولة ، وشَاهيَّة ، وحَويَّتة ، وشِلْتاغة ، وتقية ، وصبرية ، وعمشة ، وقنديلة ، وقرداشة ، ونجية   ، وعسْلة ،ووضحة  ، وبَلعُوطة ، وفنَديَّة ، وشّنينَّة ، وبَتيَّة ، ومِزْنة ، وجَبريَّة ، وبِلويَّة ، وشَدْهة ، ومَطْيرة ،  وعَنيَّدة ، وجَسُّومة ، و جَمْالة ، وبَدَيلة ، ومَسيّرة ، وفليِّحة ، ومَليحِّة ، وفَضيْلة ، وضَويَّة ”  ولعل الأقرب الى الجواب في انتقاء تلك الأسماء هو لتمييزها عن المذكر حسب إدراكهم وثقافتهم . يقول هنري فليش  : (( لواحق المؤنث  تجرُّنا إلى  تصور حالة من حالات اللغة الضاربة في القدم حيث كانت هذه اللواحق تصدق على طبقات  ثم التقت في طبقة يمكن تمييزها وهي طبقة الاقل قيمة او الادنى )) (34) وهو مغزى لايمكن إستبعاده أيضا في تلك النظرة الدونية الى المرأة فجعلهم يطلقون عليها تلك التسمية بوساطة اللاحقة . وعادة ماتلحق تلك العلامة الصفات : “فالتاءُ المربوطةُ تَلحقُ الصفاتِ تَفْرِقةً بين المذكرِ منها، والمؤنث كبائع وبائعةٍ، وعالمٍ وعالمةٍ، ومحمودٍ ومحمودةٍ، ولِحاقُها غير الصِّفات سَماعيٌ كتَمْرةٍ وغُلامةٍ وحمارةٍ.” (35) وان كان لايعدم وجود أسماء أخرى بلا علامة التانيث وهي من المؤنث  الحقيقي كتسميتهم : ”  باشَا ، وكَارهِن ،  وسَحَاب ، وحُورِي ، وبَدْهَن ، وفَطيِّم ، وكَويْغد ، وبَنُّور ، وفَهيِّم ،ورَضْوى ، وعَكَل ، وبَرْنو،  ” . لكنَّها قليلة .
  وتارة تأتي بعض الأسماء بلا معنى فهي من وحي خيالهم لاتدلُّ على شيء ، وقد تنبه إلى ذلك الدكتور إبراهيم السامرائي  بقوله : ” والذي نعرفه أنَّ سُكَّان القرى في جنوب العراق غير متحضرين وأنَّهم متأخرون إذا ماقيسُوا بسّكان المدن أو بسّكان القرى الواقعة في الوسط والشمال .. فانت تحسُّ أنَّهم يتشبثون بأتفه الألفاظ ليتخذوها أعلاما لهم  كأنْ تجد في أسمائهم كِشّاية وتعني العُود الدقيق من القِش أو تجدَهم يُسِّمون خَريبط ومطشَّر وما أشبه ذلك وربّما أتخذُوا من الفاظ لاتدلُّ على معنى معروف  أعلاما لهم ” (36) ، ولعلَّ في هذا الحُكم إجحافاً لإنَّ فيه إطلاقاً ووصفاً لشريحة واسعة من المجتمع العراقي بعدم التحضر ، والتَّحضر لايُقاس ُ بالأسماء فقط ، علما أنَّ هناك أسماءً كثيرةً في جنوب العراق تَشِي بالتّحضر ولم يذكرها مثلَ (علّام ، من العِلم وصوينع من الصناعة ، وانْحيَّت من نحَّات ،ورويّد من رائد ، وخبَّاز ، ونيَّار أيْ نجار وافْخيِّر من الفخر والفخار وبسيَّمة من الابتسام ، ونويِّرة  من النور ، وجميلة من الجمال ، وفريِّحة من الفرح وغير ذلك ) ،فضلاً عن ذلك لم يذكر لنا الدكتور السامرائي ما أشيع من أسماء الأعلام في الوسط والشمال حتَّى تبدو المقارنة منطقية بين تلك البيئات ومن ثمَّ الحكم عليها .
ولعلَّ من جملة تلك الالفاظ ما لاوجود له أصلٌ في العربية تسميتهم بـ : ” ، كمْبوت  ، موشنَّة ، نارسيَّة ، خِيشة  “
ومما وجدنا من العامي الذي أصله فصيح مجموعة من الأسماء التي تعود إلى معان متنوعة كــــ ” حَوذان وفيه دلالتان : ” الحَوْذُ: السَوْقُ السريعُ. تقول: حُذْتُ الإِبِلَ أَحوذُها حَوْذاً؛ وأَحْوَذْتُها مثلُه. والأَحْوَذيُّ: الخفيفُ في الشيء لحِذْقِهِ، ” (37)  ويرجح الباحث المعنى الأول أي السوق السريع للإبل لقرابة واقعهم الاجتماعي والبيئي من ذلك . وتسميتهم ب”شيَّال وشويَّل” يرى ابن منظور أنَّ الشائل : ” هي الناقة التي شالَ لبنُها أَي ارْتَفع وتسمى الشَّوْلَ أَي ذات شَوْلٍ لأَنه لم يَبق في ضَرْعِها إِلا شَوْلٌ من لبن أَي بَقِيّة وفي حديث علي كرَّم الله وجهه فكأَنكم بالساعة تحْدُوكم حَدْوَ الزاجر بشَوْله أَي الذي يَزْجُر إِبله لتَسير وقيل الشَّوْلُ من الإِبل التي نقَصتْ أَلبانها” (38) ومن أسمائهم للمؤنث “شَدْهة” و”بتّيَّة” و”دنيِّفة” وهي تعود الى أصول فصيحة ، يقول ابن سيدة: ” شَدَهَ رأسه شَدْها: شدخه .. وشُدهَ الرجل شَدْها وشُدْها: شغل، وقيل: تحير، والاسم الشُّداهُ ” (39) وبتّية من البت : ” والبَتَّةُ اشتِقاقُها من القَطع، غير أنَّه مستعمل في كل أمرٍ لا رجعةَ فيه ولا التِواء. ” (40) ومن الدارج نقول “البتة” يعني القطع في الامر. ودنيّفة من الدنف وتعني : ” المرضُ الملازمُ. ورجلٌ دَنَفٌ أيضاً وامرأةٌ دَنَفٌ وقومٌ دَنَفٌ، يستوي فيه المذكر والمؤنث، والتثنية والجمع. فإن قلت رجلٌ دَنِفٌ بكسر النون قلت امرأةٌ دَنِفَةٌ، أَنَّثْتَ وثَنَّيْتَ وجمعتَ. وقد دَنِفَ المريضُ بالكسر، أي ثقُل.” (41). ولاشك في أنَّ تسميتهم “ارْهيوط” يعود إلى معنى الرهط ، يقول الجوهري : ” رَهْطُ الرجلِ: قومُه وقبيلتُه. يقال هم رَهْطٌ دِنْيَةٌ. والرَهْطُ: ما دون العَشرة من الرجال، لا تكون فيهم امرأة. قال الله تعالى: ” وكانَ في المَدينَةِ تسعةُ رِهْطٍ ” فجمع، وليس لهم واحد من لفظهم مثل ذَوْدٍ. والجمع أَرْهُطٌ وأَرْهاطٌ وأَراهِطٌ، كأنّه جَمْعُ أَرْهُطٍ، وأَراهيطُ ” (42) . وما يدل على الاستبعاد تسميتهم بـ “نفاوة” وهو الطرد والابعاد من محل الإقامة ، يقول الزمخشري: ” نفيته من المكان: نحيّته عنه فانتفى. ونفي فلانٌ من البلد: أخرج وسيّر ” أو ينفو من الأرض ” ( 43) ولعل تلك التسمية فيها بعدٌ إجتماعي كان ملازما لعاداتهم وتقاليدهم  في نفي من يقتلُ أحداً منهم الى مكان آخر غير سكناه وقبيلته عقوبة وردعاً وتاديباً لمن يمارس هذا السلوك .
 
 
 

شارك هذا الموضوع: