الفروق اللغوية في منظور الشيخ الكفعمي
ا.د هادي شندوخ حميد/ قسم اللغة العربية
  الفروقُ جَمْعُ فَرْق، وذَكَرَ ابن فارس (395هـ) أنَّ «الفاء والراء والقاف أُصَيْلٌ صحيحٌ يدلّ على تمييز وتزييل بين شيئين») (33) ، وقد  اهتم العماء بمبحث الفروق اللغوية بين الالفاظ منذ وقت مبكر وافردوا الدراسات والمصنفات الخاصة بهذا الحقل ، فقد وقف ثعلب وابن قتيبة والحريري عند تلك الفروق بشكل واضح ، ولعل ابا هلال العسكري كان الاكثر حضورا في الكتابة عن الفروق اللغوية ، وان تباين المنهج بين الدارسين في تناول دقائق الفروق بين الالفاظ يبقى الاطار العام الجامع بين تلك الدراسات هو بيان ملامح دقة الالفاظ وتباينها، ولعل تلك ميزة من خصائص اللغة العربية.
  ولم تغب تلك الاشارات التراثية عن جهود الكفعمي فقد وقف في كتابه رتق الفتوق في معرفة الفروق وغيرها من مصادره عن الخصائص الدلالية بين الالفاظ ، وباسس متنوعة نلحظ فيها مايلي:
– رفض القول بالترادف : وهو اتجاه له اصوله في الدرس التراثي القديم فكثيرا من العلماء رفض فكرة القول بالترادف جاعلا لكل لفظة خصوصيتها في الاستعمال، فمفهومه يعني : ((( ألفاظٌ متّحدة المعنى وقابلةٌ للتبادل فيما بينهما في أيّ سياق))(34)  أو ((هو الالفاظ المختلفة التي تدلّ على معنى واحدٍ على سبيل الانفراد))  (35)
وهذا ماسار عليه الكفعمي في بيانه للفروق بين الالفاظ مثال ذلك قوله: ان الفرق بين الاثاث والمتاع ، الاثاث مامن شانه ينتفع به في الدار والمتاع ماينتفع به في الجمله لذلك قيل الاثاث مايفرق في البيت والمتاع مايتجر فيه (36) 
 وكذلك تفريقه بين الهنيء والمريء فالهنيء مايلذ اكله والمريء مايحمد عاقبته ،  (37) ومن ثم فان اعتماد الشيخ في تلك الفروق قائم على المشهور عند العلماء القدماء ، في بيان دلالاتها ولم يضف جديدا الى ماذكروه
–       اللهجات: اللهْجَة واللهَجَة : اللسان . واللهْجَة واللهَجَة : جرس الكلام ، ويقال فلان فصيح اللهْجَة واللهَجَة ، وهي لغته التي جُبل عليها فاعتادها ونشأ عليها (38) ،وقال ابن فارس ( ت 395هـ ) :” اختلاف لغات العرب من وجوه : أحدها : اختلاف في الحركات ، كقولنا ” نَستعين ” و” نِستعين ” بفتح النون وكسرها ، قال الفرَّاء : ” هي مفتوحة في لغة قيس وأسد ، وغيرهم يقولونها بكسر النون ”  (39) ،  وتباينَ التفاوت بين لهجة وأخرى في التاثير والقوة ، بحكم عوامل متنوعة وهذا ماحدث في لهجة قريش : ” وكانت قريش مع فصاحتها ، وحسن لغاتها ، ورقة ألسنتها إذا أتتهم الوفود من العرب تخيَّروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم . فاجتمع ما تخيَّروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طُبعوا عليها ، فصاروا بذلك أفصح العرب  (40) ، ارتبط توظيفها عند الكفعمي في احد الشواهد حين أشار الى قبيلتي تميم والحجاز في استعمال مفردة (الوتر) بين الفتح والكسر ، قال : (والوتر بالكسر الفرد وبالفتح الذحل و الحجازيون عكسوا وتميم كسروا وفى الحديث ان الله تعالى وتر يحب الوتر فأوتروا) (41). وفي تفريقه بين الوَِلاية بفتح الواو وكسرها ، قال : ( الولاية بفتح الواو النصرة وبالكسر الامارة وقيل هما لغتان كالدِلالة والدَلالة والولاية أيضا الربوبية ومنه ” هنالك الولاية لله الحق” (42) ، وهذا المعنى ذهب اليه بعض المفسرين في حين لم يفرق بعضهم  : قال «الوِلايَةُ» بِكَسْرِ الواوِ وهي والوَلايَةُ بِالفَتْحِ بِمَعْنًى واحِدٍ عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ اللُّغَةِ كالوَكالَةِ والوِكالَةِ والوَصايَةِ والوِصايَةِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هي بِالفَتْحِ النُّصْرَةُ والتَّوَلِّي وبِالكَسْرِ السُّلْطانُ والمُلْكُ؛ أيْ: هُنالِكَ السُّلْطانُ لَهُ عَزَّ وجَلَّ لا يُغْلَبُ ولا يُمْتَنَعُ مِنهُ ولا يُعْبَدُ غَيْرُهُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ فَتَكُونُ الجُمْلَةُ تَنْبِيهًا عَلى أنَّ قَوْلَهُ ﴿يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ﴾ إلَخْ كانَ عَنِ اضْطِرارٍ وجَزَعٍ عَمّا دَهاهُ ولَمْ يَكُنْ عَنْ نَدَمٍ وتَوْبَةٍ، وحُكِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو والأصْمَعِيِّ أنَّهُما قالا: إنَّ كَسْرَ الواوِ لَحْنٌ هُنا؛ لِأنَّ فِعالَةَ إنَّما تَجِيءُ فِيما كانَ صَنْعَةً ومَعْنًى مُتَقَلَّدًا كالكِتابَةِ والإمارَةِ والخِلافَةِ ولَيْسَ هُنا تَوَلِّي أمْرٍ إنَّما هي الوَلايَةُ بِالفَتْحِ بِمَعْنى الدِّينِ بِالكَسْرِ ولا يُعَوَّلُ عَلى ذَلِكَ) (43)
–       الحركات وتاثيرها:
 وللحركات دور بارز في تغيير معنى الكلمات ، فهناك اتجاه مايسمى بالمثنيات او المثلثات في الدرس اللغوي تم فيه النظر الى الكلمات المزدوجة بالحركات وماتمنحه من معان مختلفة ، وقبل التصنيف بهذا الاتجاه ادرك العلماء قديما ان الحركات وسيلة للتفريق بين المعاني المتقاربة وسعوا للكشف عن هذه المعاني (44) ، ومن المحدثين من سمى ذلك ب تعاقب المصوتات او التحول الداخلي  (45)
 وقد اتضح ذلك عند الكفعمي في فرقه بين الفصم والقصم فبالقاف القطع المستطيل وبالفاء المستدير ومنه قوله تعالى ( لا انفصام لها)  (46)  وكذلك الفرق بين أما وإما قال بالفتح لتفصيل الجمل وبالكسر للتخيير او الشك او الابهام  (47) وقد فرق أيضا  بين البَر والبِر ، قال: البر بفتح الباء هو العطوف على العباد الذي عم بره جميع خلقه وبكسر الباء هو الاتساع والاحسان والزيادة منه ومنه سميت البرية لاتساعها  (48)
–       السياق :
وهو  (( كلّ ما يكشفه اللفظ الذي نريد فهمه من دوال أخرى، سواء كانت لفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاما واحدا مترابطا، أو حالية كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام، وتكون ذات دلالة في الموضوع )) (49) وللسياق قيمة كبرى في الفروق بين الالفاظ من ذلك تفريق الشيخ بين الريح والرياح ، قال لم يات لفظ الريح في القران الا في الشر قال تعالى :( اذ ارسلنا عليهم الريح العقيم) وقوله فارسلنا عليهم ريحا صرصرا) والرياح لاتاتي الا في الخير قال تعالى يرسل الرياح مبشرات )  (50) ، ولعل أسلوب المقارنة يستعمله المقارِن لكي يصف حالة تختلف عن حالة أخرى, قاصدا من عمله هذا إظهار الفرق بينهما عن طريق استعمال الأسباب من خلال المقارنة، فهو يقوم باستعراض مثال لكي يقوم بمقارنته بمثال آخر؛ من أجل الوصول إلى تأسيس حقيقة معينة، وتسليط الضوء عليها، داعما ما توصل اليه بأدلة تبين صحة ما يقول (51)
الرواية :
اما الرواية فقد اعتمد عليها الكفعمي لبيان الفروق بين الالفاظ ايضا من ذلك تفريقه بين الربانيين والاحبار فعن الحسن البصري قال ان الربانيين علماء الانجيل والأحبار علماء اهل التوراة وقال غيره كله  في اليهود  (52)
– شرح المشكل من الالفاظ :
 والمشكل عند العلماء موضوع مهم لايقف عند حدود اللفظ بل يتجاوز ذك الى المعنى والاعراب والتعارض وغير ذلك ، قال الرازي : ( ثـم لمـا كـان مـن شـأن المتـشابهين عجـز الإنـسان عـن التمييـز بينهما سمى كل مايهتدي الانسان إليـه بالمتـشابه، إطلاقـا لاسـم الـسبب علـى بينهمـا ، ونظيره المشكل سمى بذلك، لأنه أشكل، أي دخـل فـي شـكل غيـره فاشـتبه مــا غمــض وان لــم يكــن غموضــه مــن هــذه الجهــة مــشكل، وشــابهه، ثــم قــال لكــل ويحتمل أن يقال: إنه الذي لا يعرف أن الحق ثبوته أو عدمه، وكـان الحكـم بثبوتـه متـساويا للحكـم بعدمـه فـي العقـل والًـذهن، ومـشابها لـه، وغيـر متميـز أحـدهما عـن الآخر بمزيد رجحان، فلا جرم سمى غيـر المعلـوم بأنـه متـشابه، فهـذا تحقيـق القـول في المحكم والمتشابه بحسب أصل اللغة (53) .
 وقد جاء هذا الموضوع في بعض مصنفاته حين يمر على مايحتاج بيانا من الشرح ،فمما ورد في شرحه عن اسماء سلاح رسول الله ودوابه ومتاعه ، قال من اسماء رسول الله المخذم والرسوب وذو الفقار ، فالمخذم تعني القاطع والرسوب الماضي من السيوف من رسوب الشيء في الضريبة وذو الفقار ذو حفر صغار حسان كانت فيه  ، ومن دروعه البتراء والخرنق وتعني البتراء اي القصيرة والخرنق من قولهم خرنقت الناقة اذا كثر لحمها في جنبيها كالخرنق وهو ولد الارنب  ، ومن خيله ماكان يسمى المرتجز وذو العقال والسكب والسخاء والمرتجز يسمى لحسن صهيله من الرجز وذو العقال فرس معروف والسكب الواسع الجريء والسخاء الواسع الخطو وكانت له ص بغلة شهباء يقال لها دلدل ، من قولهم دلدل القوم اضطربوا فلعلها سميت بذلك لقلة سكونها ، واسم حماره يعفور وهو لون ابيض تعلوه حمرة ، واسمه ناقته قصوى وقيل عضباء وتعني مقطوعة بعض الاذن .(54)

أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ

شارك هذا الموضوع: