نظرية الأطر في اللسانيات الادراكية
ا.د هادي شندوخ حميد/ قسم اللغة العربية
 الأطر حقل جديد  في النظريات اللسانية العرفانية ، يسعى الى مقاربة اللغة بتصورات مفهومية معرفية وصولا الى مسالك المعنى الذي تحيل اليه الكلمات في بنياتها التركيبية ، لذلك عرفه بعض الدارسين بانه : (منظومة ذهنية ترتبط بدلالة اللفظ اذ يتضمن اللفظ مجموعة من التعالقات المعرفية اللازمة التي يستدعيها هذا اللفظ  بشكل واع او بدون يمكن ان نسميها الاطار وهذا الاطار يبدو ذا اثر مهم في فهم الدلالة وتحديد مسارها) (دراسات في البلاغة الادراكية :33) ،  يعزى هذا العلم الى تشارلز فيلمور وقد أخذ علم دلالة الأطر اهتماما كبيرا من باحثي اللسانيات وعلم النفس الادراكي وبحوث الذكاء الاصطناعي وهو احد فروع علم الدلالة الادراكي (م.م : 32).
 وكل معنى مقترن بوحدة معجمية جارية في الاستعمال  انما يستمد قيمته من سائر المعاني المترابطة المكونة للاطار (تحليل الخطاب القرآني في ضوء نظرية الأطر : 14) ، وقد ارتبط هذا المفهوم للنظرية عند مؤسسه شارلز فيلمور بانه : (نظرية للمداخل المعجمية  فهي تسعى بوسائلها الى تحديد طبيعة المعلومات الموجودة في هذه المداخل وكيفية وجودها وسببه وتعتمد دلالة الأطر في في تحديد هذه المداخل المعجمية ورصد معانيها على اطر عامة تتجانس فيها مختلف النماذج المعرفية البشرية) (الاستعارات التي نحيا بها : 6) ، ولها علاقة بادراك الواقع من خلال المفردات الدالة على العالم فهي : ( ابنية مفهومية ومعرفية توجه طريقة الافراد في ادراك الواقع ) (دراسات في البلاغة الادراكية : 33) ، والمعارف والتجارب والظروف الحافة بالنشأة لها دور في تشكيل البنى الذهنية التي تتحدد حول معنى الكلمة لذلك من المستحيل (تصور معنى اللفظ دون اطاره الادراكي ) (م.ن : 34) ، فكل لفظٍ  يفهم في ضوء إطار أشمل يسهم في تحديد دلالة اللفظ. (دراسات في البلاغة الادراكية : 15) ، فكلمة صحراء لاتفهم الا في ضوء اطار (الرحلة) وماتستلزمه من ممارسات فيها من عملية التنقل ، والابل ، والبضائع ، والقافلة ، والشخوص، والهلاك ، والعطش ، واللصوص وغير ذلك وكلمة جندي تفهم في اطار ( الجيش  والحرب) ولفظ اللاعب يفهم في اطار ( الفوز والخسارة والألعاب)  ولفظ الانتخابات يفهم في اطار ( السياسة ، والاقتراع ، والديمقراطية )،وهكذا .( يتم بناء المعاني على مستوى التصور فبناء المعاني يساوي التصور وهي عملية دينامية تخدم الوحدات اللغوية بموجبها كمثيرات او محفزات لنسق معين من العمليات التصورية واستدعاء المعرفة الموسوعية يستتبع ذلك ان المعنى عملية وليس شيئا منفصلا يمكن جمعه من خلال اللغة ، ان بناء المعنى يمتح من المعرفة الموسوعية ..وينطوي على استراتيجيات استنباطية تتصل بجوانب مختلفة من البناء التصوري  والترتيب والجمع ) (ماهو علم الدلالة الادراكي : فيفيان ايفانز : ميلاني جرين : ترجمة احمد الشيمي : 84، مجلة فصول).
ومن المستحيل حسب اللسانيات الادراكية تصورمعنى اللفظ دون إطاره الادراكي، ولا يؤدي الاطار  فهم معنى اللفظ فقط، وإنما هو يؤثر كذلك في طبيعة السلوك والقرار الانساني الذي ينتج عنه استعمال ذلك اللفظ، ولهذا تؤكد الدراسات المعاصرة بان المشكلة الواحدة قد يختلف القرار والاختيار الانساني حولها بحسب الاطار الذي تصنعه الكلمات في ذهن سامعيها .(دراسات في البلاغة الادراكية : 16) ، فعند سماع كلمة (الإسلام) يتبادر الى الذهن ماترتبط به تلك المفردة  فيفهم في اطارها ( الدين والطقوس والعبادات  والاعتقادات والاحكام والسلوك والمظهر الاجتماعي والفقه ) وعند الآخر غير المدرك لتلك الحقائق يفهم الإسلام في اطار عملية (الإرهاب والتطرف).
 أتت هذه النظرية على انقاض نظرية السمات الدلالية او الشبكة الدلالية القائمة على عدم تحديد العلاقة بين السمات المشتركة للكلمات ، حتى نتج نوع من الاضطراب واللبس في المعنى  ويتبين هذا الاضطراب في المعنى بوضوح عند الوقوف على  المترادفات حيث لابد من إحالة الكلمات المترادفة الى المعنى نفسه ولكن هذا الامر غير صحيح تماما لان في اغلب الأحيان استعمال هذه الكلمات نرتبط ارتباطا وثيقا باللغة المتداولة والمستعملة في المجتمع  (نظرية الأطر في تحليل الخطاب القراني : 11)، فضلا عن ارتباط نظرية السمات الدلالية بالعلوم العرفانية عامة وبالمقولات الارسطية خاصة ، التي لاقت نقدا كبيرا من الدارسين المعنيين بالدراسات الادراكية .
 وفي الحقيقة ان تصورات شارلز فيلمور في نظرية دلالة الأطر لم تأت  الا بعد اشتغاله بالمجال الذي تنتمي اليه الدراسات التوليدية والتحويلية ذات القطيعة مع المنحى العرفاني في النظر الى مركزية الدلالة في التركيب فتشومسكي يعتقد : (ان النحو مستقل عن الدلالة ولايعتمد عليها  وانه لايمكن التعبير عن حدس المتكلم بمفاهيم دلالية او معنوية) ( اللسانيات التوليدية من النموذج ماقبل المعيار الى البرنامج الادنوي : مفاهيم وامثلة : مصطفى غلفان : 36) وللمكون التركيبي ايضا دور أولي في الإنتاج، وبالفعل الأبنية التركيبية هي التي تولد الملفوظات، أي  ان اختيار الكلمات يجري داخل التركيب الذي يعتبر المكون التوليدي الوحيد  ) (الدلالة العرفانية وتراجع دور التركيب : الاعراب في انتاج الكلام وتأويله :  87) ، مقارنة بما تنظر اليه اللسانيات العرفانية ومنها نظرية الأطر في ارتباط الدلالة بالوظائف التركيبية .
 ولاتخفى العلاقة الوطيدة بين المدرسة التوليدية والمعرفية في مايتعلق يتعلق بنظرية الأطر ، فالمشغل الأساسي في نظرية الأطر الدلالية يكمن في إقامة منوال يستوعب جملة الخصائص التي تنتظم وفقها المعاني والمعارف في اقترانها بالمداخل المعجمية في الذهن وهذا الموضوع كان المشغل الأساسي القاعدي في السنوات 1970 في النظرية التوليدية عامة وفي النظرية الدلالية التوليدية بوجه خاص ( النص والخطاب : الازهر الزناد : 102) ، ولعل بدايات تشكل هذه النظرية جاء  في ضوء  النقد للسانيات التوليدية والتحويلية فكان اول ظهورها في ما يسمى بنظرية الحالات الاعرابية ، ذات المنحى المتجاوز البنية النحوية الى البنية الدلالية ، مريدا منها مجموع المفاهيم التي تمكن الانسان من اصدار بعض الاحكام المختلفة عما يدور حوله من احداث كمعرفة من يقوم بحدث ما؟ ومن يقع عليه حدث ما ؟ ومالذي حدث ؟ ومتى وقع ذلك ؟ وأين ؟ ولماذا ؟ (اللسانيات المعرفية والمحتوى الاجرائي لنظرية دلالة الأطر في المداخل المعجمية : 260 ، 261) ، 
 ولعل من اهم الاقتراحات اللغوية التي أوضحت ان للجملة تركيبين تركيبا دلاليا وتركيبا نحويا ثم الربط بينهما اقتراح نحو الحالة لفيلمور ، يقول فيلمور ان الجملة تتكون من قضية تركيب دلالي ووسائل نحوية وان الجملة تهدف الى التعبير عن القضية  تتكون القضية من المحمول والموضوع او الموضوعات التي تلحق المحمول ويلحق المحمول دورا دلاليا لكل موضوع يلحق به ، وهذا الدور مستقل استقلالا تاما عن الدور الدلالي الاخر ويتم تحويل القضية الى جملة بوساطة القواعد النحوية وتشمل هذه القواعد القواعد التركيبية والقواعد التكوينية والقواعد المعجمية ثم تقوم التحويلات بإعادة ترتيب القواعد النحوية واسناد الوظائف التركيبية للجملة وتمتاز التحويلات كذلك بالقيام بنزع احد الأدوار الدلالية واضافة مكونات أخرى تكون مفيدة في عملية الاتصال  (الدلالة والنحو :صلاح الدين صالح حسنين : 132.
ويذكر فيلمور الأمثلة التالية على جمل يشعر الانسان انها متشابهة في المعنى رغم اختلاف تراكيبها الخارجية (1- فتح علي الباب ، 2- فتح المفتاح الباب ، 3- انفتح الباب على يد علي ، 4- فتح علي الباب بالمفتاح ، 5- استخدم علي المفتاح لفتح الباب ، 6- فتح الباب بالمفتاح من علي ) ، الجمل فعلية والفاعل في الصورة الظاهرة  هو (علي) في الجملة الأولى وهو المفتاح في الجملة الثانية وهو الباب في الجملة الثالثة غير ان العلاقة الحقيقية لكل اسم من الأسماء الثلاثة بالفعل يختلف من جملة الى أخرى ففي الجملة الأول علي هو الفاعل الحقيقي (الفاعل الفعال الارادي المختار وفي الثانية هو الأداة او الوسيلة الالة التي فتح بها الباب وفي الثالثة كان الباب هو الذي وقع عليه الحدث المفعول به في الحقيقة ، والسؤال هل اثرت هذه الاشكال الخارجية للجمل على العلاقات المعنوية بين الأسماء الثلاثة المختلفة وبين الفعل المستعمل في كل منها ؟ مادام ذلك لم يحصل فان الامر المهم والجدير بالدراسة هو هذه العلاقات المعنوية الأساسية في الجمل لذلك يجب ان تصبح هذه العلاقات هي النقطة المركزية التي يجب ان يعالجها التحليل اللغوي ويعمل على تفسيرها  وتلك العلاقات معنوية وليست نحوية (مدخل الى المدارس اللسانية : 123، 124 ).
. ولعل هذا المفهوم أي (الحالة الاعرابية) لعب دورا مركزيا في نظرية فيلمور  حيث وصف البنية المنطقية الدلالية للجملة ( التمثيل الدلالي للجملة : جاكندوف : 45) ، مقترحا فيها (الأدوار الدلالية) التي تمثل العلاقات المختلفة بين  مجموع الحالات ، المحيط الحالاتي او محيط الحالات  وهذا المحيط تمدنا به الجملة ( م.ن : 44).
 ومن الممكن تصور البنية المعرفية لإي إطار في ضوء ماسبق من خلال الارتباطات الدالة ذات المشتركات في المكونات الاجتماعية والثقافية والتداولية والادراكية ،فتتأسس عليها شبكات مفهومية يستدعيها الذهن عن طريق الأطر الحافة بالمفاهيم او الأشخاص او الاحداث . من ذلك مانقله السيوطي في المزهر في : (المزهر في علوم اللغة وانواعها : 1/117) .
(ا)يا ويحَ قلبي من دَوَاعي الهَوى … إذْ رَحَل الجيرانُ عند الغُروبْ
(ب)أتبعتُهم طَرْفي وقد أَزْمَعُوا ……. ودمعُ عينيَّ كفَيْضِ الغُروبْ
(ج)كانُواْ وفيهم طَفْلة حَرَّة ……… تفترّ عن مِثْل أقاحي الغُرُوبْ
 فقد تضمن الاطار في الأمثلة الثلاثة لكلمة (الغروب) نمطا من الأبنية المفهومية تشكلت في الذهن نتيجة تمظهرات لغوية ودلالية من جانب ، وأخرى عرفنية تصورية من جانب آخر ، فالمثال (ا) و(ب) و(ج) كلها تتعلق باطار (الرحيل) لكن هناك ثمة اختلاف بين كل واحد منها اذ يقوم المثال (ا) على اطار (الوقت) ويلخص المثال (ب) اطار (الوعاء) وياتي المثال (ج) ليبين اطار(المكان) ، وبهذا التمثيلات والصور تترابط الأطر الثلاثة بشكل متفاعل ينتهي عند الاطار العام للنص المتمثل بـ (الرحيل) .
 فهذا التعدد في المدلولات لمعنى (الدال) (الغروب) (ا) انصراف الشمش و(ب) والدلو العظيمة و (ج) والأرض المنخفضة ، قد اختلف في دلالاته التركيبية ظاهرا الا انه في حقيقته متعلق بالابنية الذهنية التي اسفرت عن هذا التنوع في اختلاف الأطر .( فعلى خلاف مقاربة المعنى الأحاديّ، تسمح اللسانيات العرفانية بتعدّد معاني الكلمة؛ وبعبارة أخرى، فإنه يُسمح بوجود اختلافات مرجعية أو مفهومية في استعمالات الكلمة لتكوين معان مشتركة مختلفة )ومن ثمة، دون الحاجة إلى اعتبارها تنويعات سياقية ) (مقدّمات لدراسة الاشتراك الدلاليّ بين العرفان والتداول: صابر حباشة : 115) .

شارك هذا الموضوع: