التراث الحي في ظلِّ الدولة الفاطميّة 
 
ا.د محمد حسين عبد الله المهداوي
كلية التربية للعلوم الإنسانية – قسم اللغة العربية 
 
نشط الأدب في ظل الدولة الفاطميَّة ، وكثر الشعراء ، والأدباء ، والعلماء ؛ الذين قصدوا مصر لينهلوا من معين علمها ، وتراثها الثر ، وقد حدّثتنا كتب التأريخ عن حركة علميّة مزدهرة ازدان بها هذا العصر ؛ إذ عني الفاطميون بنشر الثقافة العلميَّة ، والأدبيَّة ، وكان للجامع الأزهر، الذي وضع أساسه جوهر الصقلي بالقاهرة أثرٌ كبيرٌ في تدعيم هذه الحركة ؛ باتجاهاتها كافَّة، وقد شهدت سنة 378هـ أول درسٍ منظَّمِ فيه ؛ إذ عمد يعقوب بن كلَّس – وزير العزيز بالله – إلى تعيين سبعة وثلاثين فقيهاً تولَّوا تدريس الفقه وأصوله ، وكانوا يجتمعون فيه كل جمعة بعد صلاة الظهر ، ويتدارسون الفقه إلى وقت العصر ، وقد جعل الخليفة العزيز بالله رواتب شهرية لهؤلاء الفقهاء ، وبنى لهم داراً بجوار هذا الجامع من أجل إسكانهم() ، وكانت خزانة الكتب في القصر الكبير عامرة بنفائس الكتب والمخطوطات في مختلف العلوم ، والفنون ، والموضوعات ، ونقل المقريزي عن المسبّحي أنَّ العزيز بالله اقتنى نيفاً وثلاثين نسخة من كتاب العين للخليل ( ت 175هـ ) ، وفيها نسخة بخط المؤلف ، مثلما اقتنى نيفاً وعشرين نسخة من تأريخ الطبري             ( ت 310هـ) ؛ المسمّى ( تأريخ الرسل والملوك ) ، وفيها نسخة بخط المؤلف ، ومائة نسخة من كتاب الجمهرة لابن دريد الأزدي ( ت 321هـ )، وغيرها كثير()
ويتجلّى جهد الدولة الفاطميّة في مجال نشر الثقافة والعلوم في إنشاء دار العلم التي بناها الخليفة الحاكم بأمر الله سنة 395هـ ، وقد أرادها أن تكون شبيهة لبيت الحكمة التي أنشأها الخليفة العباسي المأمون في بغداد()، وكانت هذه الدار بجوار القصر الغربي ، وقد حُمِلَ إليها من خزانة القصر كتبٌ كثيرة ؛ تحوي سائر العلوم ، والفنون ، والآداب ، وسمح للناس الإطلاع عليها، ونسخ ما التمسوه منها ، وعيَّن فيها أناساً يدرّسون العلوم المختلفة ؛ من منجّمين، وقرّاء ، وأطبّاء ، ونحويين ، ولغويين ، مثلما عمد إلى توفير ما يحتاجه الناس في هذه الدار من الحبر ، والأقلام ، والورق ، والمحابر() . وقد استمرّ نشاط هذه المراكز في عهد الأسرة الجمالية، وأنشؤوا معه عددا من المساجد ودور العلم التي صارت مجمعاً للعلماء والأدباء ، ومنها جامع الفيلة الذي بناه بدر الجمالي ، وكان يجتمع فيه كبار القوم وعليتهم مثل علي بن منجب بن الصيرفي ، وأبو عبد الله بن بركات النحوي ، وأبو جعفر محمد بن محمد الحسيني الأفطسي النسّابة ، وغيرهم () . ودار الملك ، ودار الذهب() ، اللتين بناهما الأفضل الجمالي() ، وغيرها، وكانت تستقطب العلماء ، والأدباء ، والباحثين عن المعرفة ؛ لينهلوا من معينها الذي لا ينضب ، وهذا – من دون شك – أسهم في ازدهار الحياة العلميَّة في مصر الفاطميَّة ، ” وعنها أخذ كثيرٌ من العلماء في الغرب ، والشرق ، فلا غرو إنْ قلنا : إنَّ مصر الفاطميَّة كانت بدءاً للزعامة المصرية للأقطار الإسلاميَّة ” ()، ولعلَّ التشجيع الذي أبداه الخلفاء الفاطميون ، ومن بعدهم الوزراء ، والحفاوة التي لقيها العلماء ، والأدباء في ظلِّهم ؛ قد شجَّعت كثيراً من العلماء والأدباء من شتى أقطار البلاد الإسلاميَّة على أن ينيخوا برحلهم صوب القاهرة ، ويمارسوا نشاطهم العلمي في أرجائها ، فضلاً عن النشاط الذي أبداه المصريون في شتى مجالات المعرفة الإنسانية ، وقد حفظت لنا كتب التأريخ أسماءً لمعت في سماء مصر ، نذكر منهم على سبيل المثال : النقّاش الحافظ() ( ت 369هـ ) ، وأبا الحسن الحلبي() ( ت 399هـ ) ، وأبا سعد الماليني() ( ت 412هـ ) ، والقزّاز القيرواني() ( ت412هـ)، ويوسف النجيرمي() (ت423هـ)، وابن مغلّس الأندلسي()( ت427هـ )، وعلي بن إبراهيم الحوفي() ( ت430هـ)، ومكي بن أبي طالب القيسي()                ( ت 437هـ ) ، وأبا الفضل البغدادي() ( ت 441هـ) ، وعبد الله بن الوليد الأندلسي() ( ت448هـ) ، وابن القطاع() ( ت 515هـ) ، وأبا الفتح المقدسي() ( ت518هـ)، وأبا بكر الطرطوشي() ( ت 525هـ) ، وأبا القاسم المغربي() ( ت533هـ ) ، وأبا العباس الفاسي() ( ت 560هـ ) ، وقد وجد هؤلاء – وغيرهم – في مصر مقاماً طيباً ، ونهلوا من العلم ما شاؤوا بصرف النظر عن التوجه المذهبي للفاطميين ، وهو ما عكس روح التسامح ، والألفة التي انماز بها عهدهم . وذكرت كتب التأريخ أن كثيراً من العلماء ، والأدباء ، وأهل التأريخ قد أسهموا في تأليف كثير من المصنفات ؛ التي لها شأن في ذلك العصر ، وتؤرخ لمرحلة مهمة من حياة أمتنا العربية ، فضلاً عن حفظ كثير من النتاج الأدبي ؛ الشعري والنثري لأدباء مصر ، والمناطق الخاضعة لسلطانها في ذلك العصر ، فمنهم : ابن زولاق المصري() ( ت387هـ) الذي صنّف كتاباً في التأريخ سمّاه ( خطط مصر ) لم يصل إلينا ، وأبو الحسين الشابُشتي() ( ت 388هـ ) الذي صنّف كتاب ( الديارات ) ، الذي ذكر فيه أديرة العراق ، والموصل ، والشام، والجزيرة ، والديار المصرية ، والأشعار التي قيلت في كل دير ، وعز الملك المسبّحي() (ت 420هـ ) ، الذي خلّف مؤلَّفات كثيرة ، منها : كتـــــــــــــــــــــــــاب ( أخبار مصر ) ، و( التلويح والتصريح في معاني الشعر ) ، و( الراح والارتياح ) ، و( كتاب الغرق والشرق في ذكر من مات غرقاً وشرقاً )،  و( كتاب الطعام والإدام ) ، وغيرها ، ولم يصل إلينا من هذه الكتب سوى جزءٍ واحد من كتاب  ( أخبار مصر ) ، والرشيد بن الزبير()( ت 563هـ ) ، وكان له كتاب ( جِنان الجَنان ورياض الأذهان ) يبدو أنه ضاع مع ما ضاع من مؤلفات الدولة الفاطميّة، وغيرهم كثير .   
هوامش : 

شارك هذا الموضوع: