بسم الله الرحمن الرحيم
الحيوان في  الرسوم  و النقوش في الجزيرة العربية و علاقته بالشعر الجاهلي
أ.د.خميس أحمد حمادي الشمَّري
كان الحيوان وما يزال رفيقا للعربي في حله وترحاله  وإن اختلفت الظروف وتطورت الحياة، فالحيوان هو الكائن الأقرب للإنسان  إن لم يكن هو البديل الطبيعي  عن الإنسان في بعض الأحيان ولاسيما في شعر الصعاليك مثل لامية الشنفرى، ومن هنا اهتم الإنسان به اهتماما كبيرا  وصل حد التقديس لدى بعض الأمم السالفة وربما بعض الأمم الموجودة حاليا كالهندوس على سبيل المثال.
إن طبيعة الحيوانات التي رسمها الفنان الثمودي على واجهات الجبال وغيرها كانت تعتمد الفائدة أولا، والقوة ثانيا، ولعل هذا السبب هو الذي جعل الإبل تتقدم عمن سواها من الحيوانات،وقد أثار انتباهي أن هذه الحيوانات المرسومة  تكاد أن تتطابق تماما مع الحيوانات التي وردت في قصص الحيوان في الشعر الجاهلي  وربما بالنسب نفسها،وهذا الأمر غريب جدا  نظرا للفاصل الزمني الكبير بين الثموديين( على اختلاف المعني بالاسم)، و العصر الجاهلي القريب من الإسلام، تختلف الحقب الزمنية لتلك النقوش والكتابات اختلافا واضحا، فضلا عن اختلاف طريقة الرسم نفسها بوصفها أسلوبا لغويا إشاريا معبرا عن حب العربي لتلك الحيوانات وإعجابه بها.
للإبل علاقة وثيقة بحياة الإنسان عموما، ولاسيما الإنسان العربي،وهذه العلاقة تعتمد مبدأ الفائدة التي يجنيها الإنسان من تلك الإبل،ومن هنا فلا غرابة أن يشغل الجمل أو الناقة ميدانا واسعا من القصيدة الجاهلية ولاسيما في مقدمات تلك القصائد، فهذه المقدمات تشكل مادة خصبة لخيال الشاعر الجاهلي، فمن خلال هذه المقدمات- وأحيانا قصائد متكاملة- حفظ الشاعر الجاهلي عشرات القصص التي أبطالها من الحيوانات. 
من ذلك على سبيل المثال لا الحصر قول طرفة بن العبد واصفا ناقته بأنها تسلي همومه: 
وربما تكون هذه الصراعات بين الحيوانات واقعية، أو ربما قد شاهدها هؤلاء الشعراء من خلال  هذه الكتابات والنقوش التي تعج بها جزيرة العرب مثل هذه اللوحة:
التي هي عبارة عن نص مكتوب مع صور للجمال والأسود وهي أشبه ما تكون بلوحة بانوراما كاملة،وفيها ذكرٌ لأسماء الذين قاموا بالرسم مثل ( كتع) و(رع)، وهي من الأسماء الثمودية المشهورة والمتداولة بكثرة كما يرى ممدوح الشمّري الباحث في النقوش الثمودية  ونلحظ في هذا  النقش أن كتابة الاسم مرة كانت من اليمين إلى اليسار وفي المرة الثانية بالعكس ، وأرى أن  في هذه الرسومات والنقوش لمختلف أنواع الحيوانات، كالجمال، والأسود، والغزلان، وغيرها، رداً  قاطعا على من يرى أن وجود الحيوان في مطالع القصائد الجاهلية هو من بقايا عبادات جاهلية فذهبت قدسية تلك الحيوانات  وبقي وجودها المادي في النص الجاهلي، وهذا القول
الذي تبناه أكثر من باحث لا يخلو من الوهم والخلط بين عبادات بعض الأمم.
لقد  اعتنى الإنسان بالناقة منذ القدم،فهو يرى أنها رمز للموجودات وأقوى الحيوانات وأجلدها على المقاومة والصبر ومن هنا فإنه بالغ في وصفها، وأسبغ عليها سمات الجمال والقوة والتحمل، ومنه قول لبيد بن ربيعة واصفا قوة ناقته وتحملها الصعاب:
قد يرسم الفنان الناقة ويضع عليها ما يعرف عند القبائل العربية  ب( وسم الإبل)، وهو أشبه بالختم في وقتنا الحاضر، أو شعار فريق كرة القدم، وهو واضح في الصورة أدناه باللون الأبيض.
إن هذه اللوحة في منتهى الجمال والروعة، فضلا عن دقة الرسم،فقد لجأ الرسام إلى ملء الفراغات برمتها، ولم يبق شيئا يعيب هذه اللوحة، فهذا المقاتل مثلا يركب ناقة وهو  يحمل قوسا:
 
إن هذه الرسوم وغيرها بحاجة لدراسة متأنية من ذوي الاختصاص لتحديد العصر الذي تنتمي إليه، ومن خلال هذا التحديد ربما نتمكن من بيان قربها أو بعدها من العصر الجاهلي، وتأكيد تأثر الشاعر الجاهلي بهذه الرسوم من عدمه.
إن كثرة الرسوم والنقوش في هذه الأماكن سواء أكانت للثموديين أو لغيرهم تجعلنا بإزاء سؤال محير مفاده :إذا كانت الأمم التي سبقت الجاهلية بقرون قد دونت مفردات حياتها اليومية، وما تملكه من حيوانات داجنة، أو حيوانات متوحشة موجودة في بيئتها فأين تراث العصر الجاهلي،وأين كتاباتهم ورسومهم ونقوشهم التي طالما ذكروها في شعرها؟
إن هذا السؤال –بما يفتحه من آفاق معرفية- يجعلنا في حيرة من أمرنا، أيعقل أن تاريخ أمة بأكملها كان شفويا؟ وهل هذه الشفاهية منعتهم من تصوير حياتهم اليومية؟ وهل كانت هناك كتابات ورسوم من العصر الجاهلي وتمت إزالتها؛ بسبب التحرج الديني في مختلف العصور؟
وهنا لا بد من القول إن اهتمام شعراء الجاهلية بالحيوان على مختلف صنوفه وأشكاله لم يأت من فراغ،فهم أبناء هذه البيئة، فضلا عن ذلك فلا بد من القول إن وجود قصص الحيوان في القصائد الجاهلية ربما كان سببه الرئيس هو اطلاعهم على هذه الرسوم وتفاعلهم معها، مما جعلهم يوثقون كثيرا منها في شعرهم،ولاسيما إن بعض تلك  الحيوانات قد انقرضت من البيئة العربي في العصر الجاهلي الجاهلي؛ بسبب التصحر، وربما يكون الشاعر قد عوض هذا الفقدان من خلال المعرض المفتوح على امتداد جزيرة العرب.
 
إن الأسد كثير الورود في الشعر العربي في  مختلف عصوره ولاسيما في معرض التشبيه به،ولعل أروع نص حفظه لنا التاريخ الأدبي  في وصف معركة مع الأسد هو نص الشاعر الجاهلي بشر بن عوانة، الذي يقول فيه:





شارك هذا الموضوع: