التعبير القرآني في سورة الفتح (الأسماء انموذجا)  ، ج 3
ا.د. فلاح رسول حسين
  اختص هذا المقال بالايات (25-29) من  سورة الفتح المباركة.
قال تعالى: ((  ولولا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) [الفتح  من الاية : 25]
    قد ذكر تعالى وصف الايمان في (مؤمنون، مؤمنات)  ((وإجراء الوصف على رجال ونساء بالإيمان مشير إلى أن وجودهم المانع من حصول مضمون الجواب هو الوجود الموصوف بإيمان أصحابه ، ولكن الامتناع ليس معلقاً على وجود الإيمان بل على وجود ذوات المؤمنين والمؤمنات بينهم .))
قال تعالى: (( إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) [الفتح : 26] .
    نجد في الآية اختيار الاسم الظاهر بدلا من الضمير : ((و وضع الظاهر موضع الضمير في قوله: “جعل الذين كفروا” للدلالة على سبب الحكم.)) .
    وفي الآية نفسها استعمل (أحق) ، وهذا يوحي أن هناك حقا أحق من غيره ، وفي هذا يقول الطوسي : ((وإنما قال ” أحق ” لأنه قد يكون حق أحق من حق غيره، لان الحق الذي هو طاعة يستحق به المدح أحق من الحق الذي هو مباح لا يستحق به ذلك))
قال تعالى: (( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا)) [الفتح : 27]. 
     في الاية (محلقين ومقصرين) ، إذ نجد تغليب المذكر على المؤنث ، فلماذا استعمل هنا هذه الصيغة ولم يستعمل غيرها ؟  يخبرنا القرطبي بقوله  : (( والتحليق والتقصير جميعا للرجال ولذلك غلب المذكر على المؤنث ، والحلق أفضل، وليس للنساء إلا التقصير )).
    قال تعالى : (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الفتح : 29].   
لماذا صرح تعالى باسم محمد صلى الله عليه واله وسلم ؟ فقد  نص سبحانه على اسمه ليزيل كل شبهة  . فالتصريح قد درأ الشبهات والتأويلات والله أعلم.
وفي الآية نفسها نجد   (ركعا سجدا) فلماذا ورد الاستعمال  بهذه الصيغة ؟  ولعمري لم يكن ذلك جزافا فثمة دلالة مهمة في ذلك ، قال ابن عطية : (( أي ترى هاتين الحالتين كثيرا فيهم)) وقال الطبرسي : ((هذا اخبار عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها )) ، وأشار سيد قطب الى ايحاءات هذا التعبير بقوله : ((والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم . ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة ، وهي الحالة الأصيلة لهم في حقيقة نفوسهم؛ فعبر عنها تعبيراً يثبتها كذلك في زمانهم ، حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعاً سجداً .)).
     وذكر الدكتور فاضل السامرائي متحدثا عن الجمع بزنة (فُعَّل) قائلا: (( ويطرد جمعا لوصف فاعل وفاعلة صحيح اللام كضرّب في ضارب وضاربة ، ويدل هذا الجمع على الحركة الظاهرة كما أن فيه الدلالة على تكثير القيام بالفعل . غير أن ابرز دلالة فيه هي دلالته على الحركة الظاهرة ويختلف عن فُعّال في أن الحركة في هذا البناء أوضح وأكثر وذلك لقصره عن فُعّال فإنما قصرت المدة للحركة فيه فان الحركة تحتاج إلى السرعة التي تنافي المد ))
وفي الآية نفسها نجد (الرضوان) ، ولم يقل تعالى (الرضا) ، فهل ثمة فرق ؟  يقول الراغب الاصفهاني : ((والرضوان الرضا الكثير ، ولما كان أعظم الرضا رضا الله تعالى خُص لفظ الرضوان فى القرآن بما كان من الله تعالى)) ، واستعرض آيات عدة منها الاية موطن الشاهد ، لذلك قالوا  : (( والرضوان أبلغ من الرضا )).
وفي الآية نفسها نجد لفظة (ذلك) ، فإلامَ تشير؟ ولِم لَم  يستعمل غيرها ؟ ، يقول الالوسي : (({ ذلك } إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة؛ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل  )) وقيل غير ذلك
وفي الاية نفسها نجد لفظة الزراع ، فما سر اختيار لفظة الزراع ؟ انظر الى الاحكام والاتقان لهذا النظم العجيب ، قال ابو حيان : ((وإذا أعجب الزراع ، فهو أحرى أن يعجب غيرهم لأنه لا عيب فيه ، إذ قد أعجب العارفين بعيوب الزرع ، ولو كان معيباً لم يعجبهم )).
وفي الآية نفسها نجد اختيار لفظة (السجود)   دون غيرها في ( من أثر السجود) ،    والمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة . واختار لفظ السجود لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها . فهو أثر هذا الخشوع . أثره في ملامح الوجه ، حيث تتوراى الخيلاء والكبرياء والفراهة . ويحل مكانها التواضع النبيل ، والشفافية الصافية ، والوضاءة الهادئة ، والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلاً  .
 

شارك هذا الموضوع: