أثر وجود الفاصلة الصوتيّة في السلسلة الكلاميّة وعدم وجودها في إعراب الكلمات  والجمل 
       أ.د. عباس علي إسماعيل ، مدرّس مادة فقه اللغة ، قسم اللغة العربيّة
   الفاصلة الصوتية : موضوع من موضوعات علم الأصوات التشكيلي ، شأنه في ذلك شأن موضوعات :المقاطع الصوتيّة ، والنبر ، والتنغيم. وهي نوع من أنواع الفونيمات فوق التركيبيّة  ولذلك تُسمى فونيم المفصل، وهي عبارة عن سكتة خفيفة بين الكلمات أو الجمل في حدث كلامي، بقصد الدلالة على مكان انتهاء كلمة ما، أو جملة ما، وبداية أخرى. 
   ومصطلح الفاصلة الصوتيّة يرادف مصطلح الوقف في التراث العربي، وتستعمله العربيّة استعمالاً فونيميًّا للتمييز بين المعاني؛ إذ إنّ للفواصل الصوتيّة أهمية كبيرة في توجيه إعراب الكلمات والجمل، وطريقة نطق التراكيب ، ومن أمثلة ذلك قولك لمَن يكلمك: أحمدُ أخوكَ علّامةٌ، ففي إعراب كلمة (أحمد) وجهان، أحدهما: يحتمل أن يكون مبتدأً، وجملة (أخوكَ علّامةٌ) خبرًا له، فتنطق الجملة دفعة واحدة، ولا فصل بينها في النطق، والجملة تكون تقريريّة خبريّة ذات نغمة مستويّة، والوجه الآخر: أن تكون كلمة ( أحمد ) منادًى بأداة النداء صفر ، مبني على  الضمّ في محل نصب ، وهنا يتطلب وجود سكتة خفيفة بين كلمة (أحمد) ، وكلمة ( أخوك)، يُشار إليها في الكلام المكتوب بالفاصلة الصوتية (,), هكذا: أحمدُ ، أخوكَ علّامةٌ.
ومثله قولك : مررتُ بمحمدٍ الكريم ؛ إذ يجوز في كلمة (الكريم ) الجرّ على أنّها صفة لـ(محمد)، وحينئذٍ تنطق السلسلة الكلاميّة دفعة واحدة، ويجوز من الناحية النحويّة قطع النعت عن منعوته، وذلك بنصب كلمة (الكريم) على أنّها اسم منصوب على المدح، والتقدير: مررتُ بمحمدٍ، أمدحُ الكريمَ، وهنا يستوجب وجود سكتة خفيفة عند النطق بالحدث الكلامي، ويُعبر عنها بوجود فاصلة صوتيّة بين محمد والكريم هكذا : مررتُ بمحمدٍ، الكريمَ.
ومثله قراءة كلمة (ربّ) في قوله تعالى: (( الحمدُ لله ربّ العالمين)) بالجرّ والرفع ، فمَن قرأها بالجرّ، فهي صفة للفظ الجلالة (الله)، وحينئذٍ تنطق السلسلة الكلاميّة دفعة واحدة ، ومن قرأها بالضمّ، فهي خبر لمبتدأ محذوف جوازًا ، تقديره : هو ربُّ العالمينَ، وهنا يتطلب وجود سكتة خفيفة عند النطق بالحدث الكلامي، ويعبر عنها بوجود فاصلة بين لفظ الجلالة (الله)، وكلمة (ربّ) ، هكذا : الحمدُ للهِ، ربُّ العالمينَ.
   ويجوز من الناحية النحويّة نصب كلمة (ربّ) على أنّها اسم منصوب على المدح، والتقدير : الحمدُ لله ، أمدحُ ربَّ العالمينَ ، أو على أنّه منادًى ، والتقدير: الحمدُ لله ، يا ربَّ العالمينَ  ، وهنا يتطلب وجود فاصلة صوتيّة بين لفظ الجلالة (الله)، وكلمة (ربّ)، هكذا: الحمدُ لله ، ربَّ العالمينَ. والقراءة بالجرّ هي قراءة جمهور القرّاء ، وممّن قرأ بالرفع أبو جعفر المدني ، وأبو رزين العقيلي ، وممّن قرأ بالنصب زيد بن علي ، والكسائي ، وعيسى بن عمر.
   ويدخل في هذا الباب قراءة كلمة (الجنّ) في قوله تعالى :((وجعلوا للهِ شركاءَ الجِنَّ) ؛ فقد قرئت كلمة (الجِنَّ) بالنصب في رواية، وبالرفع في رواية أخرى ، وبالجرّ في رواية ثالثة، فالنصب على أن (الجنّ) مفعول به أول مؤخّر، ، و(شركاء) مفعول به ثانٍ مقدم، ويمكن أن تكون بدلًا من الشركاء ، وأمّا قراءة الجرّ فعلى أنّها مضاف إليه ، وعلى هذين الوجهين تنطق السلسلة الكلاميّة دفعة واحدة ، ولا فصل بين (شركاء) و (الجنّ) في النطق. وتخرّج  قراءة الرفع على أنّها خبر لمبتدأ محذوف جوازاً، والتقدير: هم الجنُّ، والقراءة على هذا الوجه تتطلب وجود سكتة خفيفة بين كلمتي: شركاء، والجنّ، يُشار إليها بالفاصلة الصوتيّة الفارزة، هكذا: وجعلوا لله شركاءَ ، الجنُّ. وقراءة النصب هي قراءة جمهور القرّاء ، وممّن قرأ بالرفع أبو حيوة ، والجحدري ، ومن الذين قرأوا بالجرّ ابن أبي عبلة. 
    ويمكن بيان أثر وجود الفاصلة الصوتية وعدم وجودها في السلسلة الكلاميّة في إعراب المخصوص بالمدح في نحو قولك : نعمَ الطالبُ سعيدٌ ؛ إذ قرّر النحويون أنّ المخصوص بالمدح أو الذم يجوز أن يُعرب مبتدأ مؤخّرًا أو بدلًا أو خبرًا لمبتدأ محذوف وجوبًا، تقديره هو . وفي حال إعرابه مبتدأً مؤخّرًا أو بدلًا ينطق الكلام دفعة واحدة من غير وجود فصل في السلسلة الكلاميّة، وفي حال إعرابه خبرًا لمبتدأ محذوف وجوباً ، تقديره : هو سعيدٌ لابدّ من وضع فاصلة صوتيّة بين فاعل المدح (الطالب), والمخصوص بالمدح (سعيد) ؛ دلالة على وجود سكتة خفيفة بين الفاعل والمخصوص حين ينطق بهذا التركيب ، هكذا: نعمَ الطالبُ ، سعيدٌ .
   ويتّضح أثر اختلاف موقع الفاصلة الصوتيّة في إعراب الشطر الأول من قول علي الحصري القيرواني :
           يا ليل الصّبّ متى غُدُهُ ؟        أ قيامُ الساعةِ مَوعِدُهُ ؟
فيجوز في كلمة (ليل) أن تكون مرفوعة على أنّها منادًى مبني على الضم في محلّ نصب، والصبُّ: مبتدأ ، وجملة (متى غدُهُ) خبر للمبتدأ (الصّبّ)، وفي هذه الحال يجب وضع فاصلة بين المنادى (الليل)، وكلمة (الصّبّ) ؛ علامة على وجود سكتة خفيفة بينهما في حال النطق، هكذا : ياليلُ ، الصّبُّ متى غَدُهُ ؟.
   ويجوز في كلمة (ليل) النصب على أنّها منادًى مضاف، والصّبّ مضاف إليه، وفي هذه الحال يجب وضع فاصلة صوتية بين كلمة (الصّبّ) وجملة (متى غَدُهُ)؛ علامة على وجود سكتة خفيفة بينهما في حال النطق ، هكذا: ياليلَ الصّبِّ ، متى غَدُهُ؟.
   ويذكر النحويون ومعربو القرآن وجوهًا عدّة في إعراب قوله تعالى : (( ذلكَ الكتابُ لاريبَ فيهِ هدًى للمتّقينَ))، ففي الوجه الأول تكون ذلك : مبتدأ ، والكتابُ: خبرًا ، وريبَ : اسم (لا) النافية للجنس ، وفيه : خبرها ، وهدًى : خبر لمبتدأ محذوف جوازًا ، والتقدير: هو هدًى ، والإعراب على هذا الوجه يتطلب وجود سكتة خفيفة بين الكتاب ولاريبَ ، وسكتة أخرى بين فيه وهدى ، هكذا:
ذلكَ الكتابُ ، لاريبَ فيهِ ، هدًى للمتّقينَ.
وفي الوجه الثاني تكون ذلك : مبتدأ ، والكتابُ : خبرًا  ، وريبَ : اسم لا النافية للجنس، والخبر محذوف ، تقديره : موجود، وفيه : خبر مقدم ، وهدًى : مبتدأ مؤخّر، وهذا الإعراب يتطلب وجود سكتة خفيفة بين الكتاب ولاريبَ ، وسكتة أخرى بين لاريبَ وفيه  ، هكذا:
ذلكَ الكتابُ ، لاريبَ ، فيهِ  هدًى للمتّقينَ.
والأعراب على الوجه الثالث يكون فيه ذلك : مبتدأً ،والكتاب يكون بدلًا ، والجملة الاسميّة (لا ريبَ) تكون خبرًا لاسم الإشارة (ذلك) ، وهدًى تكون خبرًا لمبتدأ محذوف جوازًا ، تقديره : هو هدًى . والإعراب على ها الوجه يتطلب وجود سكتة خفيفة بعد الجار والمجرور( فيهِ)، هكذا:
ذلكَ الكتابُ لا ريبَ  فيهِ ،  هدًى للمتّقينَ.
   أمّا الوجه الرابع فيكون فيه ذلك : مبتدأً ، والكتاب يكون بدلًا ، والجملة الاسميّة (لا ريبَ) تكون خبرًا لاسم الإشارة (ذلك) ، وفيه تكون  خبرًا مقدّمًا ، وهدًى : مبتدأ مؤخّرًا. والإعراب على هذا الوجه يتطلب وجود سكتة خفيفة قبل الجار والمجرور(فيهِ)، هكذا:
ذلكَ الكتابُ لا ريبَ ، فيهِ   هدًى للمتّقينَ.


   

شارك هذا الموضوع: