صورة المرأة المقاومة- قراءة في المسرح الشعري العربي
د. دعاء كميل ضيف الله
قسم اللغة العربية                    
 
ظهر هذا النمط في تمثيل المرأة المقاتلة ، فقد قرّ في الثقافة الذكورية ” أن يربى الرجل للحرب ، والمرأة لاستراحة المحارب ، وكل ما عدا ذلك فحمق “(1) ، والموروث العربي أعلنها صريحة إن النساء لا قتال عليهن(2) ، فـ ” عمل الحرب هو امتياز للرجل ، ويعود لمنطقة خارجة عن الحريم فالمرأة ليس لها أن تقتل ، تقرير الحرب هو من وظيفة الرجل ومبرر وجوده “(3) ، وحتى إذا تم استذكار شواهد تاريخية لنساء أبدين مواقف بارزة في مجال مقاومة العدوان ، تصدى لها من يعزو شجاعتها هذه إلى نوع من انفعال عاطفي ليجردها من الموقف القيمي(4) ، لأن ليس من حقها أن تغضب لسبب مقبول ، فـ ” الغضب صورة ذكرية “(5) ، لذا فإن ” صورة المرأة كزوجة وحبيبة طغت على صورتها كفارسة مقاتلة في الحرب ومشاركة في السياسة ، فقد زادت سلبية المرأة بازدياد المدنية الحديثة وازدياد رسوخ النظام الابوي ورسوخ النظام الطبقي “(6) ، وفي الأدب الحديث ظهرت هذه الصورة (المناضلة) بشكل نسبي ومحدود إذ لطالما مثلت نمطا مهمشا أو مسكوتا عنه أو مستبعدا(7). من ثم فان مقاومة المحتل والمعتدي قيمة مختصة بالرجل ، وكل القيم المتولدة من النزوع للمقاومة مثل رفض الظلم والانتفاض على الهيمنة والسعي للتحرر من القيود الراسخة حصرت بالرجل كذلك ، وأي وجود نسوي في هذا المجال يعد تمردا على النسق ، ومحاولة لخلق نسق جديد تكون المرأة فيه مشاركة أو مبادرة في فعل المقاومة .
وقد بدأ المسرح الشعري بشكله الجديد بمسرحية (مأساة جميلة) لـ(عبد الرحمن الشرقاوي) ، وهذه المسرحية رسمت نمطا جديدا لتمثيل المرأة العربية بأنها قادرة على دخول صفوف المقاومين للمحتل ، وقبول الرجل المثقف لإشراكها معه في نضاله(8) ، فبتجاوز عن كون أحداث المسرحية فيها ما هو واقع فعلا ، إلا إن قبول الطرف المثقف لأول صورة لامرأة مقاومة إشارة إلى إنه ” يمتلك دائما خيار الوقوف إلى جانب الضعيف ، والأقل تمثيلا ، والمنسي والمجهول “(9).
وتجلت طريقة الشاعر في خلق النسق الجديد عند تناوله للقضية الفلسطينية ، فمهما كانت قوة العادات المؤسسة لصورة المرأة السلبية التي نالت بها الثقافة عن المساهمة في عملية المقاومة ، إلا إن قيام هزات كبرى في النسيج الاجتماعي  المستقر يسبب خلخلة في القيم القديمة ويجعلها في مجال التغيير لتلائم الظروف الجديدة(10) ، ففي تصوير المرأة الفلسطينية حصل هناك مزج مكثف لدورين للمرأة ؛ احدهما كونها شريك مقاوم ، والثاني كونها شريك في إنتاج الفرد المقاوم ، وفي الصورة الثانية تمت إزاحة الظلال التي تضفي الشاعرية أو تخفف من المباشرة في إيصال الفكرة ، فالشاعر (الشرقاوي) الذي اختار مخيم اللاجئين الفلسطينيين مكانا استوحى من نسائه شخصية المرأة في مسرحيته (وطني عكا) رسم لها وجودا جديدا ابتعدت فيه عن الممارسة المعتادة لأنوثتها ، ففي الحوار الذي دار بين (ماجد) المهاجر العائد وبنت عمه (ليلى) و (أم رشيد) ، تتوضح الصورة المراد أن تكون نسقا مقبولا ، فلا يعيب المرأة أن تتحدث عن نفسها بأن مهمتها استمرار الوجود الفلسطيني دون مشاعر الحب التي تصبغ العلاقة بين الرجل والمرأة  بالإنسانية:
” ماجد : أتحبين رشيدا ؟
ام رشيد : إنها مخطوبة يا ابني له 
ليلى : ها هنا لا وقت للحب لدينا 
               ***
        انه لا وقت حتى للألم ! “(11) 
فالنص الذي صور المرأة الفلسطينية عمد إلى صياغة رؤية درامية يجسد فيها بعدا فكريا يسعى إلى تحرير المرأة من حالة الاستكانة والانهزام وأريد للمرأة أن تخترق التابوهات وتتجاوز أفق التوقعات لتلائم ظروف المرحلة . 
وتمثل ذلك بشكل عميق عند الشاعر (معين بسيسو) في مسرحيته (شمشون ودليلة) وفي شخصية ( ريم ) تحديدا ، إذ إن السياق الذي صورت فيه استلزم الاشتغال على ضعفها الإنساني الأنثوي ، إلا إن ذلك لم يمنع من أن تكون متحدية ومقاومة لكل الضغوط الجسدية والنفسية التي عرضها اليه العدو ؛ فـ (ريم) امرأة من يافا تهرب أثناء الحرب وهي تحمل رضيعها (يونس) وصرة ، ولشدة إنذهالها ترمي طفلها بدلا من رميها الصرة ، فتبقى طوال المسرحية في بحث مستمر عنه ، وترمز (ريم) للشعب الفلسطيني الذي تشتت في المخيمات والمهاجر وأثناء هربه أضاع ما يربطه بالوطن ، فـ (يونس) يمثل الوطن الضائع ، يؤكد ذلك الحوار بين ام (ريم) وأبيها وأخيها (مازن) ؛ فـ (مازن) يلوم أباه على عطفه على أخته وهي التي ألقت بطفلها ، فتجيبه الأم :
” الأم : مازن يا ولدي …
من منا لم يلق بشيء فوق الأرض …
من منا لم يلق بنافذته …
لم يلق بحائطه ، لم يلق ببابه  …؟
من منا لم يلق بشيء فوق الأرض  …
كل منا ألقى شيئا فوق الأرض وهاجر … ” (12)
وعلى الرغم من إن هذا القول يؤكد رمزية (ريم) ، إلا إن الاشتغال على صورة المرأة بهذا التمثيل لا يخلو من قصدية سعى لها أدباء القضية الفلسطينية ، فكأن المرأة شكلت هاجسا في أدب المقاومة الفلسطينية لازمهم طوال عملهم في تدوين مأساتهم ، فهم يحيلون على صورتها (أُما فاقدة / امرأة ضعيفة) كل ألمهم ، وينشدون فيها كل ما يطمحون إليه من (صبر/ تمرد) يواجهون به العدو .
الهوامش:
() هكذا تكلم زرادشت : 131
(2) ينظر : ديوان عمر بن ابي ربيعة  : 290  ، قوله :
                 كتب القتل والقتال علينا    وعلى الغانيات جر الذيول
ونسب البيت إلى (السموءل بن عاديا اليهودي ) في حماسة المرزوقي / ينظر : شرح ديوان الحماسة : 1 : 117
والفرق بين انتسابه للشاعر الاول أو للثاني ، هو المضمون الفكري للبيت ، فالسؤال الذي يطرح نفسه ، هو هل هذا فكر اوجده الاسلام ام في البيئة الاموية ؟ ام هو متجذر في عمق تاريخي ابعد ؟
(3) سلطانات منسيات – نساء رئيسات دولة في الاسلام: 117
(4) ينظر : العقائد والمذاهب : 2 : 76
(5) انماط التربية لدى الاناث وأثرها على بنائهن النفسي (رسالة): 58
(6) دراسات عن المرأة والرجل : 788
(7)النساء والإبداع – المبدعة العربية بين مخالفة الصورة النمطية للمرأة في الذاكرة الجماعية وتفكيك الخطاب السائد(مقال) : 91
(8) ينظر : مأساة جميلة 
(9) الآلهة التي تفشل دائما : 46
(10) ينظر : في البدء كان المثنى : 70
(1) وطني عكا : 14
(12) شمشون ودليلة  : 21
 

شارك هذا الموضوع: