الـ ( أنا ) الجمعية الـ ( نحن ) في الشعر العربي
م.د. فاطمة محسن هبر
        يبرز في هذا النوع صوت الـ(نحن) الجمعية عند شعراء الدولة الفاطمية ، فالشاعر يفتخر بانتمائهِ للقبيلة بتعداد مفاخر آبائهِ وأجدادهِ وسيرتهم الحميدة ، وأمجادهم وبطولاتهم ، والافتخار بالانتماء إلى المذهب العلوي والدولة الفاطمية ، فهم يرون في ذلك شرفًا لهم ، فالأنا في هذا النوع تعلو لتعبّر بصوت واحد ، إذ تتمثل بصوت   الشاعر ، والأنا الجماعية تتمثل بمفاخر الشاعر بقومهِ وتأكيدها ، والحقيقة أن النفس الشاعرة تتجاذبها غريزتان متجاورتان ومتقابلتان في الوقت نفسه :( فردية) تدفعه للاعتزاز بـ(الأنا) والمطالبة بحقوقها، ووجودها مكرمة مقدمة،
و(جماعية) تدفعه للالتزام بواجباته الاجتماعية ، ومسؤولياته تجاه قومه وأهله ، فــ ” الانتماء في حقيقته شعورٌ فردي بالثقة يملأ النفس ، شعور بأن الإنسان ليس     وحيداً وليس ضعيفـاً ولا يسير منفرداً ، في عالم يجهله ، بل هو يملك السند ، وأنّه جزءٌ من جماعة يمكن أن تدافع عنه ضدَّ المجهول سواء كان هذا المجهول قوة معادية أو ظروفـاً قاهرة أو أي شيء آخر ؛ فالانتماء يوفر للإنسان الاستقرار النفسي والطمأنينة التي تجعله لا يشعر بالقلق أو الخوف ، وهذا كله يساعد على جعل تفكيره يتجه إلى الأمام ، ويعمل بشـكل سـوي ملتزم بمبادئ جماعته وقناعاتها، الأمر الذي يساعده على أن يكون إنسانـًا منتجـًا سواء في مجال الإنتاج الفكري أو المادي أو عضوًا فاعلاً يسهم في بناء الكيان الذي هو جزء منه”، والذات بطبيعتها تحتاج إلى التقدير الاجتماعي، الّذي  يكون موضع قبول وتقدير واعتبار من الآخرين ، وإلى أن تكون له مكانة اجتماعية ، وأن يكون بمنأى من استهجان المجتمع أو نبذه ، وهي حاجة يرضيها شعور الفرد بأنَّ له قيمة اجتماعية ، وأن وجوده وجهوده للآخرين . 
      ففي هذا الاتجاه تنصهر الأنا الشعرية حتى تتلاشى معلنة عن أنا واحدة ، كما يمكن ملاحظة اختفاء الذات ؛ لأن الشاعر لا يعبر عن مكنوناته الذاتية وإنما يعبر عن المقومات الشخصية المنصهرة مع الأنا الجمعية التي ينتمي إليها كالنسب، والحسب والمكارم والشجاعة على اختلافها تحقق الأنا عبر وجودها ضمن جماعة تضمّ في عضويتها عددًا من الأشخاص يشعرون بالانتماء ، والتعاون في السعي لتحقيق أهدافهم من جهة ،ومن جهة أخرى يتعارضون مع من يناقضهم بصوت واحد تحت صيغة الـ ( نحن ) ، وعلى هذا الأساس يمتد الشاعر في انتمائه امتدادين في آن امتداداً من الذات إلى الوسط ، وامتداداً من الوسط إلى الذات ، وهذان الامتدادان متعاكسان ولكنهما متلاقحان ، يتزود الواحد من الآخر بمعدات الصلة وعناصر  النماء ، ولا يغني قيام أحدهما عن الآخر ، بينما تؤثر غلبة أحدهما على الآخر .  
   وأول ما يبتدئ به الشعراء العرب في إعلاء أناهم الجمعية ؛ التفاخر بالقبيلة وما تحمله من شرف النسب ، ومسألة النسب وما يحمله ذلك النسب من مكارم وشيم كانت ومازالت مصدراً لتغنّي الشعراء ، ولعل ذلك يرجع إلى أنّ الإنسان العربي يعد النسب قيمة لا يمكن للمرء أن يشرف إلّا إذا حظي بها .
 

شارك هذا الموضوع: