القصيدة الحرة في كربلاء بعد رائدها الأول صالح جواد ال طعمة
د.ميس هيبت
بدأ الشعراء الشباب الذين جاءوا بعد صالح جواد ال طعمة بمحاولة الخروج عن القصيدة العمودية و حاولوا الكتابة الجادة على الطريقة الحرة ؛ استجابة لروح العصر ومتابعةً للحركات الشعرية المعاصرة ، ومن هؤلاء شاكر البدري الذي كان يكتب على طريقة الشعر العمودي وتحوّل نحو الشعر الحديث،وعبد الجبار الخضر الذي تمثلت النزعة الحديثة في مجموعته ” شهرزاد في خيام اللاجئين”وفي أشعار عدنان الغزالي في مجموعته “عبير وزيتون””وأرجوحة في عرس القمر”،وكان يهتم بالأسطورة والرمز والإيحاء ويتسم شعره برومانسية محببة ،ومن الشعراء محمد علي الخفاجي الذي كتب بالشعر المسرحي الذي نظمه على الشاعر الحر ،وبخاصة مسرحيته المشهورة “ثانية يجيء الحسين” وديوانه “شباب وسراب””ومهرا لعينيها “، “ولو لم ينطق النابالم “، “وأنا وهواك خلف الباب” ،”ولم يأت أمس سأقابله الليلة “،وباسم يوسف الحمداني في مجموعتيه “مرافئ الظلال وفارس الصمت فقد حاول فيها الجمع بين المنهج التقليدي في الشعر والطريقة الحديثة،كذلك عدد من الشعراء ممن حافظوا على الطريقة القديمة وحاولوا التجديد أمثال “عبد الرضا الصخني””وعلي الفتال” وغيره ،ومن الشعراء من وقف موقف من يقدم رجلاً ويرجع الأخرى فتضاربت آراؤه بين التأييد تارةً والرفض تارةً أخرى، فنلاحظ سلمان هادي ال طعمة يقول سنة 1959 “تسير فكرة الشعر الحر لتشق الطريق بحرية محببة إلى النفوس ؛ وذلك لأنَّ هذا الأسلوب الجديد في ترتيب تفاعيل الخليل يطلق جناحَ الشاعر من القيود”،بينما يتراجع عن رأيه ويرى أنَّ الشعر العمودي أكثر قدرة على جلب ذهن المتلقي فهو يهز المشاعر ويكون الشاعر فيه أكثر قدرة على التعبير عن أفكاره، فهو مع القصيدة العمودية بالرغم من كتابته لعدد من القصائد الحرة وهذا يعلل عدم الاهتمام بطباعتها مقارنة بقصائده العمودية.
وممن كتب على هذه الطريقة “رضا الخفاجي”الذي يرى أنَّ :”جوهر الشعر واحدٌ وان اختلفت أشكاله”فكتب مجموعتان شعريتان بطريقة الشعر الحر وهما فاتحة الكرنفال وبيضاء يدي كذلك نظم عدد من الشباب ومنهم محمد طاهر الذي يعبر عن الصراع بين القصيدة العمودية والقصيدة الحرة وقصيدة النثر بحديث لا يخلو من الطرافة “إن تجمع ثلاث ضرائر فهذا مدعاة للتنافس بينهن ،فالضرة الأولى (القصيدة العامودية )ابنة العم وسليلة المتنبي لا تزال تحتفظ بجمالها وعذوبتها وموسيقاها وهي تتبوأ عرشها السرمدي على شرفة القلوب ،أما الضرة الثانية (القصيدة الحرة فلها عن أبيها السياب وأمها نازك ملامح الانصهار في الروح، ورغم أنها أضاعت سوارها الذهبي في زمن لبست(نساء القصائد )أساور من حديد صدي لندرة الأكفاء إلّا أنها احتفظت بسحر قيثارتها التي ورثتها عن جدها الخليل ،وشكلت حلقة وصل بين الضرتين الآخريين ،تتملق بها للأولى وتستلطف بها الثانية أما الضرة الثالثة (قصيدة النثر ) المدللة التي تركت أعباء الأوزان والقوافي على ضرتيها فلها سحر خاص لا يمكن لن لم يكن متذوقا خاصا أن يتذوقه “، وتنقل جريدة الزمان رأي الشاعر عودة ضاحي التميمي فهو مازال يحترم القصيدة العمودية فهي باعتقاده تحمل إرثا لا يمكن أن يتجاوزه الزمن ،أما بالنسبة لشعر التفعيلة فإنَّ التميمي يعده أكثر مرونة ،أما بالنسبة لقصيدة النثر فلا يمكن أن تكون بديلا عن التفعيلة ولا هي آخر التحولات في عالم الشعر،فهو يتنبأ بتغيرات جديدة فهي ليست أخر أشكال التجديد، ومن هذا قول حاتم عباس بصيلة من نظرته الأدبية الفاحصة للمشهد الأدبي “إنَّ من لا يتطلع إلى التراث ويستوعبه بوعي وخاصة التراث الشعري والأدبي فأنَّه لن يستطيع أن يكون مجددا ؛لأن التجديد حالة تفرضها الحياة قبل أن تفرضها النظريات ؛ لذلك فشلت كل الحركات المصطنعة وبقيت الحركات التي فرضتها الظروف الموضوعية للتجديد “و”المنصف لابد أن لا يلغي (الكلاسيكية ) في الكتابة فلها جمالها ولها مريديها كما لا يمكن رفض الجديد المتجدد والقائم على الأصالة وليس القائم على تهدم التراث أو الانتقاص منه “