المفارقة في النص الأدبي
بقلم : م.د. أمينة ثعبان يوسف
      إن مفهوم المفارقة غير مستقر ومتعدد التعريفات ؛  لأنها متغيرة من عصر لآخر وإن تعريفها لا يتفق عليه الباحثون فنجد ما تعنيه عند باحث يختلف عند غيره .
    قد عرّفت المفارقة بأنها ” قول شيء والإيحاء بقول نقيضه ” ().
     وذهب بعضهم إلى أنها” لعبة عقلية من أرقى أنواع النشاط العقلي وأكثرها تعقيدا تستخدم لقتل العاطفية المفرطة وللقضاء على المظهر الزائف ولفضح التضخيم الفكري ” ( ).
     وتتعدد وجهات النظر في المفارقة فمنهم من ذهب إلى جعل المفارقة تعبيرا بلاغيا يستعملها المؤلف عند الحاجة وقد تكون في الجملة أو في كل النص ويتحقق ذلك بجعل النص دالا يحمل مدلولين أحدهما ظاهر والآخر خفي وهناك من يذهب إلى أن المفارقة ليست فقط بلاغية وإنما هي موقف الذات من الحياة إذ لا يسمع الشخص المتصف بالمفارقة شيئا إلا وتصور ضده أو المقابل له فهو منفتح على رؤى مغايرة ومختلفة عن المعتاد وعليه فلا يشترط أن يكون النص حاملا لازدواجية ما بل يكفي أن يحمل رسالة تخلخل ما يعتقده الآخرون فيحرضك على التفكير مرة أخرى و بهذا تكون المفارقة لعبة عقلية تعكس قدرة العقل على تناول الموضوعات برؤى جديدة( )
 يمكن القول أن المزية الأساس في  المفارقة هو ” تباين بين الحقيقة  و المظهر ” ( ) فالحقيقة  ترتبط بما  يراه صاحب  المفارقة، أو المراقب المتصف  بها على أنها    حقيقة ،وهذه  العلاقة ليست علاقة تشابه أو تعادل بل هي علاقة قائمة على التضاد ، أو التعارض، أو التناقض ،أو التباين ،أو التنافر، أو عدم الاتساق ( )وهـــذا يعــنــي   أن المفارقة  عرضة لتفسيرات شتى لا تقتصر صحتها على واحد فقط إذ وجود المتنافرات والمتناقضات معا هما جزء من ذلك فالتباين الحاصل بين موقفين يولد بصورة مضمرة نوعا من الرفض يلحظه المتلقي بحسب قدرته على رصد الحقيقة الكامنة في النــص أو المعنى الخفي الذي يربط بطريقة معينة بين الأطراف المتعارضة والمتناقضة ( )
          وبعد فإن المفارقة ” كفيلة بتقديم الرؤية المتميزة التي يتطلبها الأدب بوساطة الرؤية الخاصة المضادة ، أي أنها تبتعد عن المألوف إلى ضده […]وهي بذلك تستحق أن تكون منبها فنيا، أو جماليا ،أو أسلوبيا من حيث استعمالها للتخدير الروتيني ممهدا للتنبيه ” ( ) ويمكن عن طريق المفارقة أن يحقق المؤلف ما يبغي إليه من ” تجاوز العادي ،والمألوف، والعلاقات القديمة ،وإشارة الإحساس بالجدة ،والتعرف بوساطة التجديد، والتوليد اللذين يتطلبان خرقا مستمرا للمدركات العرفية ” ( ) .
 والمفارقة وسيلة  في جذب  المتلقي في البحث عن خبايا النص ونجد حضورها في الأدب مسألة ” لا تحتمل الجدل ” ( ) فكما قيل :” الأدب الجيد […] يجب أن يتصف بالمفارقة  ” ( ).    
   لا تكون المفارقة عادة بارزة وظاهرة وإنما تحتاج إلى قدرة عالية من القارئ ليكتشفها وهذا يتعلق بإمكانات القارئ وثقافته ودرجة وعيه وقدرته في ملاحظة المفارقات على اختلاف أنواعها.
   ومع ذلك فقد  نجد نصا أدبيا تكون فيه المفارقة  لفئة من القراء واضحة وجلية وغامضة وغير واضحة لبعض القراء فبعضهم يذهب إلى اتصاف النص بالمفارقة والآخر يذهب إلى عدم وجودها وهذا يصدق على النص الذي تكون فيه المفارقة خفية وليست مفارقة صريحة ( ) .
 ولكن ما يمكن أن يقال” إن الكشف عن المعنى الحقيقي الذي يسوقه الكاتب لا ينتج عنه إلغاء قوة المعنى الظاهر، وقد يعني هذا أيضا أن المفارقة لا تتميز بالغموض فحسب الذي يكتنف القول بل بالإحساس الغريب […]، ومن ثم فإن فن المفارقة يتحقق حين يقال الشيء دون أن يقال وحين يكون القصد مفهوما دون أن يكون جليا ” ( ).  
 وعليه يمكن أن ننطلق من صفات محددة نستطيع أن نقول إن النص يتصف بالمفارقة وهي:التظاهر يعني أن كل نص يحمل مفارقة هو بالضرورة أن يظهر غير ما يبطن وهذا وفق المفارقة الأرسطية فالنص في المفارقة يحمل معنى داخليا يقصد به وهو المراد أن يستنبط منه وما هو إلا حيلة يقصد منها أن يجذبك للنص ويجذب اهتمامك من أجل إحداث التوازن،وأما التنافر والتعارض والتناقض فيذهب منظرو المفارقة إلى أن التناقض والتضاد من صفات الحياة وقد أثر ذلك على النصوص الأدبية التي لا تتقاطع مع الحياة وقد يأتـي التناقض في بنية النص إذ يعاني النص من اضطراب، أو تضاد، أو يأتي من حيث الرؤية باختلاف وجهات النظر وتضاربها والتي تشكل توترا على مستوى النص  إذ يؤسس لفكر جديد أو اعتقاد جديد وقد يؤسس لتأويل جديد مغاير عما هو سائد أو عما هو معتقد ( ).
     و التعددية فهي ” شكل من أشكال التذكير بالموضوعية ولكن عن طريق الرؤى المتعددة لا يقول لك النص مباشرة بأنه يخطئ ما تعتقده أنت القارئ بل يحاول إما على استحياء أو جهارا طبقا لنبرته في القول،أن يطرح عليك طرقا متعددة تخالف ما تعتقده أنت أنه يحاول أن يجد لك بدائل فيأخذ بيدك من ضيق الكائن إلى رحابة الممكن ” ( ).
 وعليه فإن المفارقة تشكل أهمية كبيرة في النص الإبداعي وتحتاج إلى كاتب يتقن أدواته ليستطيع أن يربط بين الأشياء ويبني المفارقات بصورة مدهشة ومقنعة للمتلقي.



شارك هذا الموضوع: