ـ التجريب في الرواية العالمية والعربية
بقلم / م.د. أمينة ثعبان يوسف
التجريب في الرواية العالمية :
مرّ الأدب بصورة عامة،والرواية بصورة خاصة بتحولات وتطورات كبيرة وكان التجريب مواكبا لهذه المراحل,ولو تتبعنا تاريخيا المراحل ،التي مر بها التجريب لوجدنا أن إميل زولا أول من أدخل مصطلح التجريب إلى الرواية في أولى دراساته النقدية (الرواية التجريبية) وقد حاول تطبيق تعاليم كلود برنار الذي ألّف كتابا بعنوان الطب التجريبي ()وقد حاول إميل زولا أن ” يقيم تماثلا بين قصصه ذات التوجه الاجتماعي وبين البحث العلمي للعالم الطبيعي بيد أن هذه الموازنة لا تصمد أمام التحليل الدقيق من صدق أو كذب فرضية ما بشأن المجتمع ” () .
وفي بداية القرن العشرين عمل مجموعة من الأدباء على كسر المعايير التقليدية وتبني معايير جديدة قائمة على الابتكار والتجريب وهذا ما نجده في أعمال بروست في البحث عن الزمن الضائع ويوليس لجويس ،ونحو الفنار لفرجينيا وولف () .
ولو تقدمنا في الزمن لوجدنا التجريب يظهر بصورة جلية وواضحة ليصبح ظاهرة تتبناها مجموعة من الكتاب متمثلة بميشيل بيتور وآلان روب غرييه وناتالي ساروت وكلود سيمون وغيرهم إذ تمردوا على المعايير الثابتة للرواية الفرنسية .
يقول آلان روب غرييه:” الرواية الجديدة ليست نظرية وإنما هي بحث هي إذن لم تحدد أي قانون للرواية في المستقبل الأمر الذي يعني أن ليست هناك مدرسة أدبية […] وأن ليس علينا أن ننمي التشابه بيننا وبين ما كان بالأمس وإنما يجب علينا أن نتقدم ونتقدم ” () وقد تلخصت خصائصها برفض عدد من الآراء والمفاهيم المتعلقة بالرواية التقليدية فلا نجد تماسك البناء والابتعاد عن الإيديولوجية والوصف المطول والدقيق أكثر من المعتاد للأشياء في الواقع وقد أصبح العلامة المميزة للرواية الجديدة ().
أما في أمريكا فقد حقق كتّابها ” تجارب ناجحة حتى صارت قبلة القرّاء في الغرب ” ()،فإن الأدب بعد الحرب العالمية الثانية أخذ منحى مغايرا عما سبق،فقد أصبح الكاتب التجريبي يستعمل الأساليب الروائية التقليدية؛لتحقيق نتائج غير تقليدية فتصبح السخرية الأسلوب الكوميدي المهيمن لتعكس بين ما هو حقيقي وما هو ليس حقيقيا ،وكذلك أسلوب تيار الوعي إذ يستعمله الكاتب ؛لتوضيح اللاترابط عكس ما كانت توضع الانطباعات والصور في شخصية مستقرة بقوى الذاكرة ،والترابط وجوهر الرواية التجريبية بعد الحرب ترى العلاقات كعلاقات قوى عكس ما كانت عليه روايات الثلاثينيات إذ ترى الناس ضحايا للانهيار والاستغلال الاقتصادي ().
وعليه فإن الرواية قد تطورت بفعل ” مصدرين أساسيين:من فرنسا حيث بدأ الحديث عن رواية جديدة منذ 1953 ومن الولايات المتحدة الأمريكية إذ نمت بوضوح في نهاية الخمسينيات وازدادت في الستينيات ” () وهذا ما نجد تأثيره في الرواية العربية .
ـ التجريب في الرواية العربية:
ونجد أن مرحلة ما بعد الحداثة وما تضمنته من أبرز السمات من تحطيم السرديات الكبرى والتباين والاختلاف والتعددية والنسبية () قد أثرت على الرواية العالمية كما وضحت سابقا وكذلك على الرواية العربية في عالمنا العربي إذ ظهرت روايات تقدم ” رؤية لا يقينية للعالم “ () فأخذت روايات تظهر عليها سمة تجديدية ف” بعضها يستلهم الأنواع السردية القديمة والحديثة لتوليف بنية سردية جديدة تباين النزعات الغنائية المألوفة للتعبير عن جمود الزمن أو كسره،[…]،أو رسم دوائر سردية تجسّد من خلالها علاقة جديدة بين مفهوم الكتابة ومفهوم القراءة في تقاطعهما مع حركة الواقع،[…]،أو بنية سردية تنهل من جماليات التفكك،[…]، أو من جماليات التشظي ” () .
وقد أثرت التيارات الأجنبية على الرواية العربية من الأخذ بتقانات الرواية ما بعد الحداثة وكذلك لهزيمة 1967م التي أدت إلى اهتزاز الثوابت الوطنية والتاريخية وكل ذلك أدى إلى ظهور الرواية الجديدة بمعطياتها التجريبية التي استندت على مرتكزات ثقافية ،وأدبية ،وسياسية ،وحضارية لتتمرد على الثوابت الجمالية، وكسر التقاليد الروائية () وكذلك أفادت الرواية العربية من التراث وتفاعلت معه ” وكان من حصيلة هذا الامتزاج،أن نجحت الرواية العربية في اقتحام آفاق التجريب،وفي الوقت نفسه قدمت لنا تجربة تتأسس على قاعدة التفاعل مع التراث العربي “().
وصاغ إدوار الخرّاط مفهوم الحساسية الجديدة مقابل الحساسية القديمة كما سمّاها فقد كان المنحى القديم في القصة والرواية المحاكاة الصريحة وتمثيل الواقع في الأدب إلا أن تحطيم الواقع الاجتماعي والقومي بانتكاسة 1967 م حلّت الاتجاهات الجديدة محل المنحى الواقعي القديم فأصبحت الكتابة الإبداعية تثير الأسئلة غير ملزمة بتقديم الأجوبة وتستنطق القضايا للفت النظر إليها وكسر قواعد الكتابة القديمة () وقد حدد تقانات الحساسية الجديدة ” كسر الترتيب الإطرادي ، فك العقدة التقليدية،الغوص إلى الداخل لا التعلق بالظاهر،تحطيم سلسلة الزمن السائر في خط مستقيم[…]،وتهديد بنية اللغة المكرسة ورميها ـ نهائيا ـ خارج متاحف القواميس،توسيع دلالة الواقع لكي يعود إليها الحلم والأسطورة والشعر،مساءلة ـ لم تكن مداهمة ـ الشكل الاجتماعي القائم تدمير سياق اللغة السائد المقبول ” ().
وعليه فإن التجديد في الفن الروائي” يجب أن يلتمس أولا في إستراتيجية الكتابة وتفاعلها مع الحياة المجتمعية وطموحات الذات إلى التحرر من الإرغامات والنواميس؛أما القطيعة الكاشفة لهذا التجدد فتتجلى أساسا في اللغة والشكل ونوعية التخييل وبقية مكونات النص التي يعتمدها الروائي ” () والروائي بذلك يحقق التباعد عن السائد ، ويحقق الجدة والاختلاف والمغايرة عن غيره من الروائيين .