الواقعية السحرية
                         م.د. أمينة ثعبان يوسف    
 يقصد بالواقعية السحرية تقانة” روائية تتداخل فيها حدود الواقع بمجال الفانتازيا وتختلط فيها الأحداث الواقعية التي تحتمل التصديق بالإحالات التي تستعصي على التصديق،حتى يصل القارئ إلى مرحلة لا تستطيع عندها حواسه التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي “().
    وتعتمد الواقعية السحرية على ” سرد أحداث ووقائع غير عادية أو خارقة في ثنايا أحداث مغرقة في الواقعية وفي التفاصيل العادية بحيث تبدو وكأنها جزء لا يتجزأ من الواقع اليومي المعيش للشخصيات “ ().
    فالواقعية السحرية تتداخل فيها العجائبية وتستلهم منها ،وكذلك الغرائبية والخوارق والأساطير؛لتبني عالما تمتزج فيه الواقعية مع غيرها.
    وعليه سنميّز بين بعض المصطلحات وهي :(الغرائبي،الخارق ، العجائبي).
       ويقصد بالغرائبي هو الذي ” يتميز بأحداثه ،التي تظهر في البداية خارقة أو غير قابلة للتفسير ثم تتحول في النهاية إلى أحداث عادية أو مفهومة فإما أن هذه الأحداث لم تقع فعلا (كأن تكون ثمرة تخيلات غير منضبطة أحلام،عارض نفسي،هلوسة، إلخ …)وأما أن وقوعها تم نتيجة صدفة أو خدعة أو سر مكتوم أو ظاهرة قابلة للتفسير العلمي ” ()
      والخارق فيقوم “على تقاطع نقيضين:العقلانية والتي ترفض كل مالا يقبل التفسير،واللاعقلانية التي تقبل بوجود عالم غير عالمنا له نظامه ومقاييسه المخالفان لتجربتنا البشرية ومبادئنا العقلانية “()،ويقصد به ” نوع أدبي يتحدد مفهومه قياسا إلى الحقيقة والخيال وإنه ليس سوى وجود قائم بذاته بل إحساس لا يدوم سوى الوقت الذي يستغرقه تردد القارئ بين التفسير العقلاني،والتفسير الغيبي . كيف ينظر القارئ إلى الأشباح،مثلا أيراها وهما أم حقيقة ؟ هناك برهة من الوقت يمضيها ذهنه في التردد بين الرأيين قبل أن يصل إلى جواب  ”  ().
أما العجائبي فهو” التردد الذي يحسه كائن لا يعرف غير القوانين الطبيعية ، فيما يواجه حدثا فوق طبيعي حسب الظاهر ” () وعلاقة العجائبي بالتخييل هي ” ليس كل تخييل،وكل معنى حرفي مرتبط بالعجائبي،لكن كل عجائبي يرتبط بالتخييل، وبالمعنى الحرفي فها هنا إذن قيدان لازمان لوجود العجائبي ” () ، وعلى هذين  الشرطين يمكن التمييز بين العجائبي وغيره .
  ـ نشأة الواقعية السحرية :
     لم تظهر الواقعية السحرية عند الغرب في البداية في الأدب،وإنما في نقد الفنون التشكيلية إذ يعود الفضل في ذلك إلى الناقد الألماني فرانز راو فقد استخدم هذا المصطلح 1925 م ليميّز الرسامين الطليعيين الألمان عن غيرهم إذ ذهب إلى أن الانطباعيين يرسمون ما يرونه ويشاهدونه في الطبيعة في حين أن التعبيريين يرسمون الأشياء غير الموجودة أو المموهة،وبعد عقود ذهب النقاد إلى توظيف هذه التسمية في الأدب () وقد نشر ” إنجيل فلوريص مقاله الشهير الواقعية السحرية في الرواية الإسبانية الأمريكية سنة 1955 في مجلة إسبانيا  “ ().
 وقد انتشرت الواقعية السحرية انتشارا كبيرا في النصف الثاني من القرن العشرين لا مثيل له().
   والواقعية السحرية لا تقتصر في بناء عالمها على العجائبية بتوظيف عالم الجن والعفاريت كما في قصص ألف ليلة وليلة لكنها تجمع بين القديم والحديث بين العجائبي وبين الأسطورة بمفهومها الفني الأدبي والثقافي وأيضا الوعي بالجانب السريالي أو بما فوق الواقع ().
    إن الروائيين في الرواية العربية قد وظّفوا الواقعية السحرية في نتاجاتهم الإبداعية وقد جاء مصاحبا للتحولات في الشكل والمضمون للرواية العربية بسبب مواءمة الظروف لهذا التحول إذ بعد انتكاسة 1967 م قد تحول الوعي الفكري والسياسي وعلى إثر ذلك تأثر الروائيون في نظرتهم إلى العالم وإلى أساليب الكتابة  ” تطلعوا إلى التغيير برفض القوالب الجاهزة والشخصيات النمطية والأشكال التعبيرية البسيطة وأدى اطلاعهم على التجارب الأوروبية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وأمريكا اللاتينية وما صاحبها من تحولات في ظل النزوع العبثي الكافكاوي والوجودي في مرحلة الرواية الجديدة أو الرواية المضادة في مرحلة أخرى،ومع الواقعية السحرية” ()  وقد منحهم هذا المناخ للتمرد والخروج على جماليات الرواية التقليدية.
 

شارك هذا الموضوع: