مقالة بعنوان (اسلوب الاختصاص) / بقلم م.م. هبه علي مسلم / كلية التربية للعلوم الانسانية / قسم اللغة العربية.
     نشهد في عصرنا كثيرًا من المتعاقدين يبدؤون عقود البيع ، والشراء ، والمداينة ، وغيرها بجملة شاعت بينهم ؛ هي : (نحن – الموقعينَ  – على هذا نقرّ ونعترف بكذا وكذا …) وكلمة الموقعين : هي الاسم الظاهر المعرفة الذي جاء لإزالة ما في الضمير قبله من عموم وإيهام مع تميز الاسم الظاهر بما فيه من تحديد وإيضاح، فالاسم الظاهر المعرفة هو الذي يسميه النحاة في اصطلاحهم : ( المختص ) ، أو (المخصوص) ؛ لاختصاص المعنى به، ولأنّه يعرب (مفعولًا به ) لفعل واجب الحذف مع فاعله ، تقديره الشائع عندهم هو: ( أخص) ولا مانع أن يكون تقديره أعني ، أو : أقصد ، أو : أريد…..أو ما شاكل هذا ـ إلا أنّ الفعل (أخص) هو المشهور ومن مادته جاء الاصطلاح الشائع نحويًا (الاختصاص) .                                                                                                                              
      وعرف الاختصاص بأنه تخصيص حكم عَلِقَ بضمير لغير الغائب (المتكلم او المخاطب) باسم ظاهر منصوب معرفة ، يأتي بعده ، بشرط أن يكون هذا الاسم غير مبهم ، أي أن لا يكون ضميرًا ولا اسم إشارة لا اسمًا موصولًا ، وإنّما يأتي علمًا أو معرفًا بأل أو مضافًا إلى معرفة. وعرف أيضًا بأنّه اسم منصوب على أنّه مفعول به لفعل محذوف وجوبًا ، تقديره أخصّ أو أعني ، يأتي بعد ضمير المتكلم أو المخاطب ؛ لإزالة ما في هذا الضمير من عموم وغموض ، وتوضيح المقصود بالضمير وتخصيصه وتحديده ، نحو قولك: نحنُ – العربَ – نُكرِمُ الضيفَ , والمعنى الإخبار بأنّ العربَ تكرمُ الضيف ، وأن الإكرام مختص بهم ومقصور عليهم , ويجوز من الناحية النحوية رفع كلمة العرب ، والقول : نحنُ العربُ نُكرِمُ الضيفَ ، فتكون كلمة (العرب) خبرًا للمبتدأ نحنُ ، وجملة نُكرِمُ الضيفَ في محل نصب حال ، ويكون المعنى : الإخبار بأنّهم عربٌ ، وحالتهم إكرام الضيف ، وليس شرطًا أن يكون إكرام الضيف مقصور عليهم ؛ فقد يشاركهم في هذه الصفة غيرهم .
ويقال : نحنُ – الموقعينَ في أدناه – نَشهدُ بكذا وكذا  ف(الموقعينَ) : مفعول به لفعل محذوف وجوبًا ، تقديره : أخصّ ، وجملة أخصّ الموقعينَ : جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب ، والمعنى : الإخبار بأنّ الموقعينَ في أدناه يشهدون بكذا وكذا ، وأنّ هذه الشهادة مختصة بهم ومقصوره عليهم . فأن رُفعت كلمة (الموقعينَ) تحولت إلى خبر ، وصارت جملة : نشهدُ بكذا وكذا مقصورة عليهم ؛ فقد يشاركهم في هذه الشهادة غيرهم .
      والأكثر في الاسم المنصوب على الاختصاص أن يأتي بعد ضمير المتكلم ، تقول مثلا : نحنُ – الحسينيينَ – لن ننسى المقابر الجماعية
ومثله قراءة من قرأ (ليُخرِجَنّ الأعزُّ) في قوله تعالى لَئِنْ رجَعْنا الى المدينةِ ليُخرِجَنّ الأعزُّ منها الأذلَّ (المنافقون آية 8). بنون الجمع مفتوحه وضم الراء ، ونصب الاعزَّ على الاختصاص ، ونصب الاذلّ على الحال ، هكذا : لنَخرِجَنّ الأعزُّ منها الأذلَّ
لنَخرِجَنّ من الفعل : خرج , الأعزّ معرف بأل . اسم منصوب على الاختصاص لفعل محذوف ، تقديره أخصُّ, وموضع الشاهد في هذه القراءة (لنُّخرِجَنّ الأعزُّ) ، إذ جاء الاسم المنصوب على الاختصاص بعد ضمير المتكلم ، وهو الضمير المستتر الواقع فاعلًا للفعل نَخرُجُ
        وقد يأتي الاسم المنصوب على الاختصاص بعد ضمير المخاطب ، تقول مثلًا : أنت – الحسينَ – أكثرُ النّاسِ تضحيةً , أنت : ضمير مخاطب, الحسينَ : اسم منصوب على الاختصاص, ومجيء الاسم المنصوب على الاختصاص بعد ضمير المخاطب قليل في كلام العرب ، ومثله قوله تعالى :  رحمةُ اللّهِ وبركاتُهُ عليكُمْ أهلَ البيتِ (هود: 73) . وأهل البيت : اسم منصوب على الاختصاص لفعل محذوف ، تقديره : أخص ، ويجوز أن يكون منصوبًا على النداء بأداة نداء محذوفة ، والتقدير يا أهل البيت, وموضع الشاهد الآية المباركة (عليكم أهل البيت) ؛ إذا جاء الاسم المنصوب على الاختصاص بعد ضمير المخاطب ، وهذا قليل . 
      ولا يأتي الاسم المنصوب على الاختصاص بعد ضمير الغائب ، فلا يقال : بهِم معشرَ العرب خُتِمَتْ المكارمُ  بفتح الراء من كلمة (معشرَ) ، بل يقال : بهم معشرِ العربِ ، بكسر الراء على انه بدل من ضمير الغائب (هم) ، أو نقول : بِنا معشرَ العربِ أو بِكُمْ معشرَ العربِ ، فنحول الضمير الغائب الى ضمير المتكلم او ضمير المخاطب ، فيكون لفظ (معشر) أسمًا منصوبًا على الاختصاص .
    وكذلك لا يأتي الاسم منصوب على الاختصاص بعد اسم ظاهر ، فلا يُقال : بزيدٍ العالمَ يُقتدى ، بفتح الميم من كلمة (العالم) ، بل يُقال : بزيدٍ العالِمِ يُقتدى بكسر الميم على أنّه صفة ل(زيدٍ) . بزيدٍ : اسم ظاهر.
      والغرض الأساس من الاسم المنصوب على الاختصاص بيان المقصود بالضمير وتخصيصه ، تقول مثلًا : إنّي الحسينيَّ لا أستكينُ لطاغيةٍ إنّي : ضمير متكلم , الحسينيَّ : اسم منصوب على الاختصاص
 وقد يكون الغرض من الاختصاص الفخر ، نحول قول الشاعر : 
لنا معشرَ الأنصارِ مجدٌ مُؤثّلٌ        بإرضائِنا خيرَ البريةِ أحمدا
ويمكن ان يكون الغرض من الاختصاص التواضع ، نحو قولك :أنا المسكينَ محتاجٌ إلى إعانتك.
       ويأتي الاسم المختص في العربية على خمسة أشكال أو أقسام ، هي :
1-أن يكون معرّفًا بأل ، نحو أنّا المجّدَ أسعى إلى التفوقِ
2-أن يكون مضافًا إلى المعرّف بأل ، نحو : أنا صانعَ المعروفِ لا أرجو عليه الجزاء.
ومثله قول الشاعر : لنا معشرَ الأنصارِ… ، وقوله تعالى : رحمةُ اللّه وبركاته عليكم أهلَ البيت ، وقد مضى ذكرهما .
3- أن يكون مضافًا إلى علم ، نحو قول الشاعر :
إنّا بني مَنقَرٍ ذوو حَسَب               فينا سَراةُ بني سعدٍ وناديها
4- أن يكون علمًا ، وهو أقل أنواع الاسم المنصوب على الاختصاص ورودًا في كلام العرب ، نحو : عليَّ خالدًا يُعتَمدُ , ومثله قول الراجز : بنا تميمًا يُكشَفُ الضبّابُ
5- أن يكون بلفظ أيُّها للمذكر ، وأيُّتُها للمؤنث ، مبنيان على الضم في محل نصب مفعول به لفعل محذوف وجوبًا ، تقديره : أخِصُّ ، ويكون الاسم بعدهما معرّفًا بأل على أنّه صفة ل(أيّ) أو (أيّة), ومن أمثلة ذلك قولك : أنا أفعلُ الخيرَ أيُّها الرّجلُ , وتقول : نحنُ أنصارُ الحقِّ أيّتُها الفتياتُ.
      نستنتجُ ممّا تقدّم أنَّ : الاسم المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرةً ولا ضميرًا ولا اسم إشارة ولا اسمًا موصولًا ، وإنما يكون اسمًا ظاهرًا معرفة غير مبهم ، أي يكون علمًا أو معرفًا بأل أو مضافًا إلى معرفة ؛ لأنّ الغرض الأساس من الاسم المنصوب على الاختصاص توضيح المقصود بالضمير المتقدم وتخصيصه . 
قائمة المصادر والمراجع :
  • القرآن الكريم   
  • التصريح على التوضيح في النحو محمد باسل عيون السود ، ص 268 – ص272 ، ج2 ، تحقيق محمد باسل عيون السود الطبعة الاولى 1432ﻫ مطبعة سليمانزاده 
  • شرح أبن عقيل على ألفية أبن مالك ، أبن عقيل ، عبد الله بن عبد الرحمن العقيلي الهمداني المصري ( المتوفى : 769ﻫ ) ، ص297 – ص298 ، ج3 ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، دار التراث – القاهرة ، دار مصر للطباعة سعيد جودة السحار وشركاه الطبعة العشرون ، 1400ﻫ – 1980م .
  • شرح الأشموني على ألفية ابن مالك  ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، ص478 – ص479 ، ج2 ، قم ذوي القربى الطبعة الاولى . 
  • كتاب سيبويه ، أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بسيبويه ، تحقيق عبد السلام محمد هارون ، ص169 – ص172 ، ج2 ، دار التاريخ  – بيروت – لبنان






شارك هذا الموضوع: