الفرقة الكرامية
أ.م.د. صلاح هادي علي السعدي
جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الانسانية
نشأة الفرقة الكرامية
فرقة تنسب إلى أبي عبد الله محمد بن كرام بن عراق بن حزابة بن البراء السجستاني المتوفى سنة 255 هـ ,ولد في سجستان وعرف بأسم ابن كرام وذكر ابن حجر إن سبب تسميته بأبن كرام يكون على وجهيين احدهما كرام بالتخفيف والفتح ويأتي بمعنى الكرامة والثاني كرام بالكسر ويكون على لفظ جمع كلمة كريم , وكذلك ذكر ان سبب التسمية لأن والده كان يحفظ الكروم فقيل له ابن كرام .
نشأ ابن كرام في سجستان ثم ذهب الى خراسان طالبًا للعلم ,وجاور مكة خمس سنوات ثم انصرف الى سجستان وبعدها الى نيسابور إذ قام والي نيسابور طاهر بن عبدالله بحبسه بعد ان برزت آراءه الفكرية واصبح له أتباع ومريدين , ثم اطلقه فذهب الى ثغور الشام وعاش فيها مدة بعدها انصرف عائدًا الى نيسابور فحبسه محمد بن طاهر بن عبدالله , وطالت محنته حتى اطلق صراحة فأنتقل الى بيت المقدس وبقي فيها حتى مات.
وقيل ان اتباعه في بيت المقدس بلغوا اكثر من عشرين ألفًا ,وتكونت بعد ذلك الفرقة الكرامية واطلق عليها اسم مجسمة خراسان .
ألف ابن كرام العديد من المؤلفات الخاصة بعقائد الطائفة الكرامية التي أسسها إلا ان تراثه تعرض الى الحرق بعد شيوع أفكاره ولم يسلم منها إلا كتاب ” عذاب القبر ” إذ كان موجودًا حتى القرن السادس الهجري , وكان يضم خلاصة آراءه في الألوهية وقيل عنه انه أصل مذهبهم.
فضلًا عن كتابه في التوحيد , وبعض التعاليم التي كتبها على شكل أحاديث ومقالات عن النفس الشهوانية والزهد.
عقائد الفرقة الكرامية
قاعدة مذهب الكرامية هو التجسيم بأن لله جسم لا كالاجسام وتوصيف الواجب بأمور الحادثة , إذ كانت تلك الطائفة حركة رجعية بحته إذ دعا أتباعه الى تجسيم المعبود , وان له حد ونهاية من تحت والجهة التي منها يلاقي عرشه , وهذا شبيه بقول الثانوية إذ ان معبودهم الذي سموه نورا يتناهى من الجهة التي تلاقي الظلام وان لم يتناه من خمس جهات. فيمكن القول ان آراء ابن كرام وأفكاره لم تكن خالصة بل كانت متأثره بآراء مذاهب مختلفة فتعد مزيجًا مابين تلك الآراء فيذكر الذهبي عن ابن حبان قوله : “حتى التقط من المذاهب ارداها ومن الاحاديث اوهاها “.
ومن عقائد الفرقة أيضًا ان معبودهم محل للحوادث وزعموا ان اقواله وارادته وادراكاته للمرئيات , وادراكاته للمسموعات وملاقاته للصفحة العليا من العالم اعراض حادثة فيه , وهو محل لتلك الحوادث الحادثة فيه .
و وصف ابن كرام في بعض كتبه بأن معبوده جوهر كما زعمت النصارى ان الله تعالى جوهر , إذ قال في كتاب عذاب القبر : ” ان الله تعالى احدى الذات احدى الجوهر ” .
ومن غرائب ماجاء به ابن كرام هو وصف المعبود بعدة اوصاف ومنها الثقل إذ قال في تفسيره لقوله تعالى : ” إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ “, انها انفطرت من ثقل الرحمن عليها .
كما زعم الكرامية ان الله تعالى لم يزل موصوفًا بأسمائه المشتقة من أفعاله عند اهل اللغة مع أستحالة وجود الافعال في الازل , فزعموا انه لم يزل خالقًا رازقًا منعمًا من غير وجود ورزق ونعمة منه . كذلك قالوا انه لم يزل خالقًا بخالقيه فيه, ورازقًا برازقية فيه , وقالوا : ” ان خالقيته قدرته على الخلق , ورازقيته قدرته على الرزق , وقدرته قديمة , والخلق والرزق حادثان فيه بقدرته “.
كما ان الكرامية قد سوت بين الجسم الكلي والله وعدت الله جسماً كبيراً يشتمل على سائر الموجودات الأخرى، ويضاف إلى ذلك أن العالم أبدي إذ أن فناءه ممتنع، إلا إذا عدم الله ذاته، لأن الكون والعساد يلحق بالجوهر والجوهر لا يخلو من الحوادث، ولو خلى الجوهر عن ما يحدث فيه لكان في ذلك فناء للجوهر ذاته، ويبين الشهرستاني هذه النقطة فيقول: ومن أصلهم أن الحوادث التي يحدثها (الله) واحدة البقاء حتى يستحيل عدمها، إذ لو جار عليها العدم لتعاقبت على دائه الحوادث ولشارك الجوهر في هذه القصية، وأيضاً فلو قدر عدمها فلا يخلو أما أن يقدر عدمها بالقدرة وبإعدام يخلقه في ذاته، ولايجوز أن يكون عدمها بالقدرة، لأنه يؤدي إلى ثبوت المعدوم في ذاته بالقدرة من غير واسطة إعدام، ونحاز حصول سائر المعلومات بالقدرة، ثم يجب طرد ذلك في الموجود حتى بحور وقوع موحد محدث في ذاته وذلك محال عندهم، ولو فرض إعدامها بالإعدام لجار تقدير عدم ذلك بالإعدام فيتسلسل، فارتكبوا لهذا التحكيم استحالة عدم ما يحدث في ذاته .
تميز الكرامية بمفهوم خاص من الإيمان، وبعد قولهم في الإيمان أشهر أقوالهم البدعية، إذ رسمت الكرامية أن الإيمان هو القول باللسان دون المعرفة بالقلب، فمن نطق بلسانه ولم يعترف بقبله فهو مؤمن، وزعموا أن المؤمنين كانوا مؤمنين بالحقيقية .
اما من ناحية النبوة فقد كانت لهم آراء ايضًا منها قولهم: بأن النبوة والرسالة صفتان حالتان في النبي والرسول، سوى الوحي إليه، وسوى معجراته، وسوى عصمته عن المعصية، وزعموا أن من فعل فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى إرساله، وفرقوا بين الرسول والمرسل بأن الرسول من قامت به تلك الصفة، والمرسل هو المأمور بأداء الرسالة.
فضلًا عن ذلك فإن الكرامية ترى أنه ينبغي الاقرار بنبوة النبي ورسالة الرسل بمجرد أن يبلغ كل منهما رسالته. فيكفي أن يعرف ويسمع المرء عن النبي وأن يبلغ بما يقول به لكي يؤمن برسالته ودعوته، ولم تشترط الكرامية في هذا الصدد ضرورة أن يبرهن النبي أو الرسول على صدق دعوته، لقد كان رأيهم في هذا أنه يكفي أن يقول النبي: أنا نبي، حتى يؤمنوا به، ويباركوا دعوته، وزعموا أيضاً أن النبي إذا ظهرت دعوته، فمن سمعها منه أو بلغه خبره، لزمه تصديقه والاقرار به من غير توقف على معرفة دليله، وقد سرقوا هذه البدعة من أباضية الخوارج الذين قالوا: أن قول النبي أنا نبي فنفسه حجة لا يحتاج معها إلى برهان.
طوائف الفرقة الكرامية
انقسمت الكرامية بعد موت ابن كرام إلى فرق شأنها شأن أي مذهب من المذاهب التي كانت موجودة , ذكر الشهرستاني عن طوائف الفرقة الكرامية ان عددهم بلغ اثنتي عشرة فرقة، وأصولها ست العابدية، والتونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية، ولكل واحدة منهم رأي إلا أنه لم يصدر عن علماء معتبرين، بل عن سفهاء جاهلين.
وللكرامية ثلاث فرق اعتبرت هي الأصل الذي تفرعت منه الفرق الأخرى وهي: الاسحاقية ومؤسسها اسحاق بن محمـش والطرائقيـة والحقائقية، وقد عدوها فرقة واحدة اعتمادا على أنهم لا يكفرون بعضهم البعض، لعدم اختلافهم في الأصول. أما الفرق الثمانية فهي: فضلاً عن الاسحاقية، الهيصمية مؤسسها محمد بن الهيصم، العابدية نسبة الى عثمان العابد، المهاجرية مؤسسها إبراهيم بن مهاجر، الحيدية مؤسسها حيد بن سيف، التونية ومؤسسها احمد التوني ، الررينية وتنسب الى رجل من عربستان يدعى زرين ويقولون نفــل مـا تقولـه الحيدية، والسـورمية مؤسسها رجـل يعـرف بالسورمين .