السفير في العصور الإسلامية- مواصفاته- ومهامه
أ.م.د. صلاح هادي علي السعدي
جامعة كربلاء/ كلية التربية للعلوم الانسانية
 
 الشروط الواجب توفرها في السفير او الرسول 
     كان القائم بعمل السفارة يطلق عليـه الرسـول، والقاصـد، والسفير.والرسول سمي بذلك لأنه كان ذا رسالة، وقد أطلق عليه في بعض المصادر التاريخية  القاصد، وهو اسم فاعل مشتق من الفعل قصد، بمعلـى: الآتـي . وأحيانا كان يطلق عليه لفظ “السفير”.
     اما الشروط الواجب توافرها في الرسل فهناك شروط وصفات كان لابد من توافرها في الرسول الذي يقـوم بمهام السفارة. فهو يمثل مرسله، ويتكلم باسمه، ويحمل رسـالته إلـى المـلـوك والسلاطين والخلفاء، لذلك كان يتم اختياره بدقة شديدة حتى يكون خالياً من أي نقص أو عيب يؤثر عليه في أداء مهمته. وكان من أهم الشروط الواجب توافرها في الرسول، أن يكون من أهل الشرف والبيوتات . وإلى جانب ذلك كان يراعى فيه الوسامة فـي الصـورة وجمـال الهيئة، والصوت الجهوري، وحدة البصر، وأن يكون حسـن الوجـه، ولـيس دميماً. 
     وكان يراعى عند خروج الرسول من بلاده متجهاً إلى البلاد المرسل إليها لتأدية الرسالة المكلف بها،أن يتجمل على أكمل وجه، بحيث يرى الناظر إليـه الأبهة العظيمة والهيئة الجليلة من أول وهلة. فالرسول عندما يصل إلى البلاد المرسل إليها تخرج الجماهير للفرجة عليه، فينظرون زيه الذي يرتديه، وهيئته التي هو عليها، ويستطيعون أن يحكموا عليه من مظهره ويتوقعون ما هو عليه من الكفاية وسداد الرأي. 
    وقد قيل: إن رسول المرء دليل عقله، فليكن فيه من حسن صورته اسمه وشكله، حتى يكون صورة مشرقة له تمثل أمام المرسل إليه. وقد قال بعض الحكمـاء “إذا غاب عنكم حال الرجل ولم تعلموا مقدار عقله، فانظروا إلى كتابه أو رسوله فهما شاهدان لا يكذبان” . 
    وإلى جانب ذلك كان من الضروري أن يتمتع الرسول بصـفات عقليـة وأخلاقية هامة، منها أن يكون ذا عقل وافر، فقد قال بعض الحكمـاء: “العقـل شرف الإنسان كذلك لا بد أن يتمتع الرسول ” بالذكاء والحـزم، وأن يكـون ذا لسان سليط، وقلب حديد، قطنا الطائف الكبير . 
    ومن الأمور التي يجب أن يكون عليها للرسول أيضاً، أن يكون صاحب ذكـاء وحيلة ودهاء، حتى يستطيع أن ” يحيل الباطل في شخص الحق ، والحـق فـي شخص الباطل ، محتالاً في محاورته ومكايده. 
    كذلك يجب أن يكون على قدر كاف من الجرأة والشجاعة، مـع الحلـم والتواضع والهدوء والتأني والصبر، حتى يعرف متى يشتد ومتى يلين، وبـذلك يحقق النجاح في مهمته. أما إذا كان سريع الاستثارة والغضـب فإنـه يخسـر الموقف ولن يوفق في تبليغ رسالة مرسله. بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون الرسول نزيهاً شريفاً لا تغريه رشوة أوهدايا. لذلك وجب على الملك لو للسلطان أن يراعي رسله ويزيل كل الصـعاب والمشاكل التي تواجههم في جميع نواحي الحياة خاصة المادية والمعنوية حتى لا تضعف نفوسهم أمام اي محاولة لإغرائهم بالأموال من جانب الطرف الآخر. 
    وكما ذكر ابن طباطبا: ” وكم من رسول برقت له بارقة طمع من جهة من أرسل إليه، فحفظ جانبه، وترك جانب مرسله. كما يجب أن يكون الرسول أمينا في تبليغ الرسالة التي يحملها، ويبتعـد عـن الكذب والخيانة، فهما يؤديان إلى نتائج خطيرة، فكثيرا ما نقضت عهود وقامت حروب بسبب خيانة الرسل والأكاذيب التي اختلقوها أثناء أدائهم للرسالة التـي كلفوا بحملها. كذلك يجب أن يكون الرسول متمسكا بتعاليم دينه حتى ينال احتـرام المرسـل إليهم، وحتى لا يفعل أمورا تسئ إليه، وتسئ إلى من أرسل إليه. ومن ذلك أنه يجب أن يبتعد تماماً عن شرب الخمر في أرض المرسل إليهم، لأن الخمر تذهب العقل وتفضح شاربها، وتجعله يفشي أسراراً كان عليه كتمانها تماماً عن أسماع الآخرين. 
     وأما عن الشروط الثقافية التي يجب توافرها في الرسول فهي على درجة بالغة من الأهمية؛ فمن الضروري جدا أن يكون الرسول على درجة عالية مـن الثقافة والعلم، وأن يكون طلق اللسان مع الفصاحة. ولو كان على دراية بلغـة المرسل إليهم يكون هذا لفضل كثيراً، ولكن لا يشترط أن يكون كل رسول على معرفة بلغة البلد التي سيتوجه إليها، ففي كل بلاط الملوك يوجـد المترجمـون الذين يتولون عملية الترجمة بين الرسول وبين المرسل إليه.
      أما معرفة الرسول بلغة المرسل إليهم فهي تفيده في معرفة أشياء كثيـرة ربما لا يعرفها في البلاط الملكي أثناء تأديته للرسالة، وفي أحيان أخرى تفيـده إذا أذن له صاحب الرسالة أن يتحدث أثناء تأديته للرسالة بلغة المرسل إليـه أيضاً معرفته بلغة المرسل إليهم تفيده جدا لأن المهمة التي يقوم بها هذا الرسول تعتمد اعتماداً كبيراً على الحوار والمناقشة والإقناع، فالرسول لسـان مرسله وترجمانه، لذلك لابد أن تكون ردوده وألفاظه على جانـب كبيـر مـن اللباقـة والفطنة، وأن يكون على علم كاف بجميع الأسئلة والكلمات التي توجه إليه مـن قبل المرسل إليه. 
     كذلك يجب على الرسول أن يكون على دراية كبيرة بأحوال البلـد الـذي سيتوجه إليه في سفارته، وأن يكون خبيراً ذا تجارب عديدة، عارفـاً للســن والأحكام والسير. 
ونظراً لخطورة مهمة الرسول، كان على الملوك أن يمتحنوا رسلهم قبل أن يوجهوهم لأداء هذه المهمة ، وذلك حتى يكونوا على بينـة مـن امـرهم، ويطمئنوا إلى حسن أدائهم. 
     لذلك كان ملوك الفرس يقومون باختبار رسلهم، فكانوا يكلفون رسلهم في بعض المهام إلى بعض خواص الملك، وينسـون علـيهم الجواسيس دون أن يشعروا بهم. وبعد أن يؤدي كل ملهم مهمته، يقوم الملـك بسـول الجاسوس المكلف عما قطه هذا للرسول، فإذا اتفق كلام اللجاسوس مع كلام الرسول وظهر الملك أن الرسول صادق ولمين في مهمته صار عنده في منزلة عظيمة، وبذلك يختاره لأن يكون رسولا له إلى الملوك.
المهام المكلف بها الرسول:
      إن المهمة الرئيسية التي يكلف بها الرسول هي حمل رسالة مكتوبة إلى السلطان أو الملك المرسل إليه. وإلى جانب ذلك فإنه في بعض الأحيـان يقـوم بتبليغ رسالة شفهية للمرسل إليه غير مكتوبة في الرسالة، ثم يعود إلى مرسـله بجواب لتلك الرسالة التي حملها، وببعض الهدايا، وذلك بعد الانتهاء من مهمته. وينصح ابن الفرا للرسول بأن يستمع جيداً لرسالة سلطانه التي سيحملها معه، ثم يعرضها عليه، فإن اقر ما بها، يطلب منه الرسول أن يوقع عليها بخطه: ” هذه رسالتي “. وعند وصول الرسول إلى المرسل إليه يقوم بعرض تلـك الرسـالة عليه، ثم يستمع إلى جوابه ورده عليها، ثم يقوم الرسول بكتابة تلك الرد ويثبته مع رسالة مرسلة، ثم يعرض ذلك مرة ثانية على المرسل إليه، فإذا وافق علـى ما كتبه الرسول يطلب منه اعتماده، وذلك بأن يوقع بخطه: ” هكـذا ادى الي الرسالة وهذا جوابي عنها ” ويحرص ابن الفرا على تذكير الرسل بهذه النصائح، خوفاً من أن ينكـر الملوك بعض ما جاء في رسائلهم من كلمات أو عبارات، فتقع مسؤلية ذلـك على الرسول، وفي هذه الحالة تكون العواقب جسيمة. وإلى جانب الرسالة المكتوبة قد يكلف فملك أو السلطان رسوله بمشـافهة يبلغها إلى المرسل إليه، وفي هذه الحالة فإن الملك يثبت في رسالته حتى يذكر الرسول بأن عليه أداء هذه المشافهة، وفي نفس الوقت ليعلم المرسـل إليـه أن الرسول الوافد عليه يحمل له مشافهة كذلك كان الرسول في أحيان كثيرة يفوض في عقد الاتفاقيات والمعاهدات باسم مرسله بصفته المتحدث الشخصي له، وفي هذه الحالـة يقـوم الرسـول بالتوقيع عليها إقرارا منه بالالتزام التام من جهة مرسله بتنفيذ كل ما ورد فيهـا تجاه الطرف الآخر، ثم يقوم الرسول بحملها إلى مرسله ليعتمدها بتوقيعه. 
ومن هذا المنطلق نجد أنه لا بد أن يتمتع الرسول بالحريـة والسلطات الكافية التي تتيح له عمل ما هو صالح لبلاده من الاتفاقيات لو المعاهدات، وذلك يتطلب أن تكون الثقة متبادلة بين الرسول ومرسله، حتى يتم الرسـول مهمتـه بنجاح، ومن الأمور الهامة التي يجب على الرسول مراعاتها أثناء تأديته مهمته؛ الحرص الشديد على السرية، وذلك للدواعي السياسية والحربية التي يخشـى أن نبوع أمرها قد يضر بمصالح مرسله والمرسل إليه معاً. وفي هذا الأمر ذكر ابن طباطبا: ” يجب على الملك الفاضل لمعان النظر في أمر أسراره، وصونها، وتحصينها، وحرستها، من الإنشاء والذيوع”. لذلك يجب على السلطان أو الملك أن يؤمن مهمة رسوله، وذلك بأن يوفر له كل وسائل الحماية والأمان حتى لا يتعرض لأي مخاطر قد تؤدي إلى كشف أسرار دولته، خاصة في كل حالة الحرب. لذا أيضاً كان يشدد على الرسول أن تتم كل خطواته في سرية حتى تنجح مهمته. أيضا تذكر المصادر أنه من الضروري إخفـاء مـا فـي المراسلات والأوراق المكتوبة من أسرار، وذلك خوفاً من وقوعها في ليدي الأعداء لو من له مصلحة ضد مصالح البلدين: المرسل والمرسل إليه. لذلك ذكرت المصادر كيفية إخفاء ما في المكاتبات من أسرار، فأوضـع القلقشندي في كتابه “صبح الأعشى” كيفية إخفاء الكتابة وقال:” وذلك بأن يكتـب بشيء لا يظهر في الحال، فإذا وصل إلى المكتوب إليه فعل فيه فعـلا يكـون مقررا بين المتكاتبين من إلقاء شيء على الكتابة، أو مسحه بشيء، لو عرضـه على النار ونحو ذلك. وقد ذكر عدة طرق لذلك؛ ” منها: أن يكتب في الورق بلبن حليب قد خلط نوشادر، فإنه لا ترى فيه صورة الكتابة، فإذا قرب من النار ظهرت الكتابة. ومنها: ” أن يكتب في الورق أيضاً بماء البصل المعتصر منه، فلا تـرى الكتابة، فإذا قرب من النار أيضاً ظهرت الكتابة.
      ومنها: أنه يكتب فيما أراد من ورق لو غيره بماء قد خلط فيه زاج، فلا تظهر الكتابة، فإذا مسح بماء قد خلط فيه العفص المدقوق ظهرت الكتابة”. ومنها :’ يكتب في الورق غير المنشي بالشب المحلول بماء المطر؛ ثم يلقيه في الماء أو يمسحه به، فإنه إذا جف ظهرت فيه لكتابة. 
ومنها: ” أن يكتب بمرارة السلحفاة، فإن الكتابة بها ترى فـي الليـل ولا ترى في النهار”.
ومنها: ” أن تأخذ الليمون الأسود وعروق الحنظل المقلوة بزيت الزيتـون جزأين متساويين وتسحقهما ناعماً، ثم تضيف إليهما ذهن صفار البيض وتكتـب على جسد من شئت، فإنه ينبت الشعر في مكان الكتابة، وهـو مـن الأسـرار العجيبة، فإذا أريد إرسال شخص بكتاب إلى مكان بعيد، فعل به ذلك، فإنـه إذا نبت الشعر قرئت الكتابة. 
      أما ما يتعلق بالخط المكتوب به الرسائل، وأيضاً لضمان السرية وحتى لا يعرفه أحد غير المرسل والمرسل إليه، فإن القلقشندي ينصح أن تكون الكتابـة بقلم يكون متفقاً عليه بين الطرفين، وذكر أن هذا يسمى “التعمية”، وقال إن أهل زمانه ـ أي في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي ـ عبروا عنه ” بحل المترجم، فإن الترجمة عبارة عن كشف المعمى” وقد ذكر أنواعاً عديدة ومتنوعة لهذه الخطوط، وهذه الطريقة في الكتابة هي مايطلق عليه في زماننا الحالي اسم الشفرة.
     كذلك من طرق الإخفاء والسرية في كتابـة الرسـائل ان يكتـب بالرموز والإشارات التي لا تعلق لها بالخط والكتابة، و يعبر عنها بالوحي والإشار. 
      أما عن نفقات رحلة الرسول لأداء مهمته، فكان السلطان أو الملـك يعطي للرسول ما يكفيه من الأموال لنفقات الرحلة، وكذلك يكتـب إلـى نوابه بإكرام رسوله خلال مروره ببلادهم. وعند وصوله إلى البلـد المرسل إليه فإنه ينزل في ضيافة حاكمه، وعند عودته إلى مرسله كـان يعود بالهدايا والإنعامات التي أهديت إليه من البلد التي سافر إليهـا فـي مهم.
     والمدة اللازمة لأداء الرسول لمهمته في تبليغ الرسـالة فلـم تكن محددة، وذلك نظراً لاختلاف ظروف الرحلة التي يقطعها الرسـول للوصول إلى بلد المرسل إليه، لذلك لم يكن هناك تحديد للوقـت.
 

شارك هذا الموضوع: