نظرية النحو القرآني للدكتور أحمد مكي الأنصاري والخلاف النحوي
قراءة نقدية
أ.م.د. رافد ناجي وادي الجليحاوي
جامعة كربلاء/ كلية التربية  للعلوم الإنسانية / قسم اللغة العربية
 
       ظهر كتاب نظرية النحو القرآني، نشأتها وتطورها ومقوماتها الأساسية للدكتور أحمد مكي الأنصاري في عام (1405هـ) في طبعته الأولى، يدعو إلى نظرية النحو القرآني، إذ يرى أنَّ النحو القرآني يقسم على قسمين؛ الأول: قسم ارتضاه النحويون ووافقوا عليه. والآخر: قسم لم يرتضوه وعارضوه، وعنده كلا القسمين موضع اهتمام في هذا الكتاب ولاشك في ذلك، إلا أنَّ القسم الآخر أكثر ثقلًا والمعول عليه.
   ونقول: ما ذُكِر من القسم الأول في موافقة النحويين للقرآن الكريم؛ فهذا أمرٌ مسلمٌ به؛ فهو الشاهد الأوَّل في السماع الذي يُعدُّ أصلًا من أصول النحو، وتثبته الشواهد النحوية القرآنية؛ فلا حاجة أن يدخل تحت مصطلح النحو القرآني الذي يُفهَم منه خلاف النحو العربي.
      أمَّا القسم الآخر الذي لم يوافق النحويون عليه؛ فأوَّل هذه المسائل وأكثرها تمثيلًا في الكتاب (دخول إذا الشرطية على الاسم)، من ذلك قوله تعالى: {إذا السماءُ انشقَتْ}؛ فهذا الشاهد القرآني وغيره يُعدُّ من المسائل الخلافية بين البصريين والكوفيين؛ فمذهب البصريين إلا الأخفش على حذف الفعل، والتقدير:( إذا انشقت السماءُ انشقت)؛ لأنَّ الشرط عندهم لا يكون إلا في الأفعال، ومذهب الكوفيين على تقديم الفاعل (السماء) على الفعل (انشقت)، ومذهب الأخفش أنَّ (السماء) مبتدأ، خبره الجملة الفعلية (انشقت)، ومن المسائل أيضًا في هذا الكتاب التي هي من مسائل الخلاف النحوي العقدي ( لا يجوز عطف الاسم الظاهر على الضمير المجرور إلا بإعادة حرف الجر)، ويستدل بقراءة حمزة بن حبيب الزيات ( واتقوا الله الذي تساءَلون بهِ والارحامِ) بجرِّ (الأرحامِ) من غير إعادة حرف الجرِّ.
    فهاتان المسألتان وغيرهما من تطبيقات كتاب نظرية النحو القرآني تُعدُّ من مسائل الخلاف النحوي المدونة في كتب النحو زيادة على كتب الخلاف النحوي؛ منها كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري.
      فصفوة  القول  كان الأولى  ـــ من يدعو إلى مصطلح النحو القرآني ـــ أنْ يمثل بشواهد قرآنية لم يلتفت إليها النحويون، وتكون خارج الخلاف النحوي الذي فيه إقرار الكوفيين في الغالب على موافقة هذه الشواهد وعدم تأويلها؛ فتبقى شواهد الخلاف تمثل مسائل الخلاف النحوي وتوجيهه؛ فلا ضرورة تستلزم أن تكون هناك نظرية تُسمى النحو القرآني، وشواهدها في الخلاف النحوي. فلابد أن تكون خارج الخلاف النحوي ومسائله وتوجيهه؛ لأنَّ ما جاء به القرآن من استعمالات تفرَّد بها لا تنهض أنْ تستقل بنحوٍ يخصُّها، فهي مسائل تدور في فلك الخلاف، ومن الجانب الكمِّي لا يسعفها قلَّة العدد أن تحوي نحوًا قائمًا على قواعد تختلف أو تتجاذب مع النحو العربي الذي وُضِع خدمة للقرآن في ضوء الاستعمال العربي الذي جاء الاستعمال القرآني على شاكلته.
 

شارك هذا الموضوع: