الدولة الرستمية الإباضية في بلاد المغرب الاوسط “التأسيس والنشأة”
الدولة الرستمية الإباضية في بلاد المغرب الاوسط
“التأسيس والنشأة”
د. مروه مكي جعفر كلية التربية للعلوم الإنسانية/ قسم التاريخ
نتيجة للهزائم المتلاحقة التي منيّ بها الإباضية في المغرب الأدنى، فقد وجه عبد الرحمن بن رستم نظره نحو المغرب الاوسط، وأسس هناك دولة عرفت باسمه، بعد ان كثر اتباعه، و أن الدعوة الإباضية كانت قد تسربت إلى العامة في المغرب الاوسط قبل نزول عبد الرحمن بن رستم عليهم، لذا قام الاخير بالتوجه اليهم بعد أن بآءت محاولاتهم بالفشل في انشاء دولة لهم في طرابلس أو افريقية.
وبعد الطريق الطويل والشاق في الصحراء الذي سلكه عبد الرحمن بن رستم مع ابنه، لحق به محمد بن الاشعث والي افريقية وحاصره في جبل سوفجج، الا إن موقع الجبل الحصين، وكذلك وباء الجدري الذي حل بجيش ابن الاشعث جعله ينسحب، واتاح الفرصة لعبد الرحمن بن رستم الاتصال باتباعه، الذين بايعوه بالامارة عليهم، والتفوا حوله في الجيش الذي كونه وشاركه جميع الخوارج في حصار طبنة، ولكن بعد الهزائم قرر المكوث في المغرب الاوسط والتركيز عليه خصوصا بعد تزايد اتباعه، وبيعتهم له بالإمامة حوالي سنة 160ه/776م، اذ آلت الامامة اليه باعتباره احد ابرز الشخصيات الإباضية بعد ابي الخطاب وابي حاتم، وكذلك فان العامة انسوا في أنفسهم القوة لتأسيس دولة واطلقوا عليها إمامة الظهور ، ويتضح أن العامة قدموه لانه من حملة العلم ومكانته معروفة عند عامة الاباضية، فضلا عن كونه كان قاضياً عند ابي الخطاب، وجعله نائبا عنه ايام السيطرة على القيروان، اي ان الرجل كان يتمتع بخصال جعلت قلوب العامة تلتف حوله وتتفق على مبايعته، بالاضافة إلى أنه “ليست له قبيلة تمنعه اذا تغير وتبدل”، وهنا نجد تاكيد على العامل القبلي كون المجتمع آنذاك كان ذا انتماءات قبيلية، فخاف العامة من هذا الامر، حتى لا ترجح كفة قبيلة على اخرى لذا اختاروا عبد الرحمن بن رستم، والمعروف أنه فارسي أو من الاشبان باختلاف، اي انه لا ينتمي الى قبيلة معينة تكون عوناً له اذا حاد عن طريق العدل.
واشتهر عدله عند العامة حتى وصلت انباء ذلك الى ائمة المذهب الإباضي في البصرة ، وعلموا ان عبد الرحمن بن رستم مقبل على تأسيس دولة له ولاتباعه الإباضية، لذا ارسلوا له أموالاً، وهنا يظهر مدى التواصل بين إباضية المغرب وإباضية المشرق إذ أن أئمتهم في المشرق حالما وجدوا انه محتاجا للاموال، من دون أن يطلب ارسلوا له كي يدعموا موقفه في تأسيس دولة تحقق طموحهم في رفع راية مذهبهم.
وبدأ عبد الرحمن بن رستم ببناء مدينة تكون مقر حكمه وبنى تاهرت وهذا الموضع تقطن حوله قبائل من هوارة ولماية ومزاتة ولواته ومكناسة وأغلبهم إباضية، فضلاً عن هذه القبائل الانفة الذكر قبيلة نفوسة التي على الرغم من أن اراضيها في طرابلس إلا أنهم دعموا الدولة الرستمية في بداية تكوينها، وبعد بناء تاهرت صار لهم خطة في المدينة، وهي منطقة اختصت بالوافدين من نفوسة الى تاهرت، إذ أن طرابلس عادت تحت الحكم العباسي لذا فضل عدد من أهل نفوسة اللجوء الى الدولة الرستمية، وكانت لهم الريادة في الامور السياسية والادارية في الدولة.
وهناك عناصر سكانية اخرى انصهرت في المجتمع داخل الدولة الرستمية، وهم بقايا الأفارقة الذين كانوا يسكنون المدن ويدينون بالمسيحية، وكذلك العرب الذين وفدوا إلى المنطقة في مدة الفتح، وكذلك خوارج المشرق الذين وجدوا في بلاد المغرب الاوسط ملاذاً امناً لهم من سلطة الدولة الاموية ومن ثم الدولة العباسية، واصبحوا في الدولة الرستمية طبقة معروفة بالعرب، ويذكر أن للعجم نصيب في السكن في تاهرت وكانوا جزء من العامة ولهم تأثير كبير على حكم الرستميين كونهم ينتمون إلى الفارسية، وقد أتو الى المنطقة بفترات متعاقبة، فمنهم من اتى مع جيوش الدولة العباسية لاخماد ثورات الخوارج، ومنهم من وصلت اليه اخبار تأسيس الدولة الرستمية التي ينتمي زعيمها عبد الرحمن بن رستم إلى العجم فهاجر اليها، وكانت لهم مكانة مميزة داخل المجتمع الإباضي، وقد اختص الفرس بقيادة الجيوش وكانوا ذا قوة مالية ضاربة.
ومما يجدر ملاحظتهُ ان هنالك اندلسيين قد سكنوا في تاهرت، وساندوا عبد الرحمن بن رستم وكانوا من ضمن العامة في تاهرت، واصبح لهم موقع في المدينة الجديدة، وكان المجتمع في الدولة الرستمية قد ضم العبيد الذين كانوا يمثلون الخدم والعمال في الدولة الرستمية، وكانوا يعملون في البناء والاعمار بالدولة، وكذلك بصفة خدم في بيوت كبار رجالات الدولة والطبقة الغنية.
فضلاً عما سبق نجد أن هناك اديان اخرى كانت في تاهرت بالاضافة الى الدين الاسلامي ومنه أهل الذمة من اليهود والمسيح، وقد عاشوا بسلام في ظل الدولة الرستمية، وكذلك بالنسبة للمذاهب الاسلامية الاخرى فضلاً عن المذهب الاباضي، كان هناك المذهب الحنفيوالمالكيوالصفري والمعتزلة الواصليةوالشيعة.
وبعد أن ارسى عبد الرحمن بن رستم قواعد دولته الناشئة، واتبع سياسة التسامح مع مختلف المذاهب والأديان داخل دولته، التي تعايش فيها بشكل سلمي كل من سكنها، اقبل العامة من مختلف الامصار على السكن في تاهرت لما وجدوه من عدالة اجتماعية ورخاء، واطلق على تاهرت عراق المغربوقد وصفها اليعقوبيبقوله: “المدينة العظمى مدينة تاهرت جليلة المقدار عظيمة الأمر تسمى عراق المغرب لها أخلاط من الناس “، ويبدو ان اطلاق هذه التسمية عليها هو لما تزخر به من تنوع في البنية الاجتماعية من ناحية الاديان والمذاهب وكذلك القوميات المختلفة فضلا عن غنى هذه المنطقة بالثروات الطبيعية، وكذلك على طرق التجارة لذا شبهت بالعراق.
المصادر والمراجع:
اليعقوبي، احمد بن اسحاق بن جعفر، ت: بعد 292ه/904م ، البلدان، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م ـ
ابو زكرياء، يحيى بن ابي بكر الوارجلاني، ت: ق5ه/11م، كتاب سير الائمة واخبارهم، تحقيق: اسماعيل العربي، ط2، دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1982.
الجيلالي، عبد الرحمن بن محمد، تاريخ الجزائر العام، ط2، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت،1965.
الحريري، محمد عيسى، الدولة الرستمية بالمغرب الاسلامي حضارتها وعلاقتها بالمغرب والاندلس (160-296ه)، ط3، دار القلم، الكويت،1987.