هكذا هي السياسة الامريكية …
أ.م.د. سلام فاضل حسون 
قبل أربعة عقود من الزمن ، بالتحديد عام 1979 ، لم يخف الزعيم السوفيتي بريجينيف قلقه من تنامي قوة الجماعات الاصولية الاسلامية في افغانستان ، أذ عدٌ ذلك خطراً على النظام الشيوعي السوفيتي ،بحكم الصلات الجغرافية بين البلدين الجارين . شن السوفييت غزواً عسكرياً تجاوز عدد مقاتليه (500.000) الف جندي على الجيران الافغان بدعوى ان الحكومة الافغانية طلبت المساعدة السوفيتية في القضاء على الجماعات الاصولية الاسلامية المتطرفة ، وان القوات السوفيتية سوف تنسحب حالة تحقيق ذلك الهدف ،والواقع لم تنسحب ألا في عام 1989.       
        اعتبر الامريكيون الاجتياح السوفيتي هذا تهديداً لمصالحهم في الشرق الاوسط ، وخطراً  محدقاً  بالإمدادات النفطية من الخليج العربي الى الولايات المتحدة واوربا الغربية ، تدخل الرئيس الامريكي جيمي كارتر بقوة، واصدر بما يعرف بمبدأ كارتر جاء فيه ” ان الولايات المتحدة ستكون مضطرة  لاستخدام القوة العسكرية عند الضرورة لحماية المصالح الامريكية في  الشرق الاوسط “. وطيلة عشر سنوات والولايات المتحدة تقدم دعمها العسكري واللوجستي الى التنظيمات الاسلامية هناك ، حتى قرر السوفييت سحب الجيش الاحمر من افغانستان اثر انهيار النظام الاشتراكي ، وضعف الاقتصاد السوفيتي عام 1989، وانتهاء حقبة الحرب الباردة بتفتيت هذا الكيان العملاق في نهاية عام 1991. لقد تبدد كل شيء ولم يعد السوفييت يمثل تهديدا للمصالح الامريكية في المنطقة .                         
       انهارت الجمهورية الافغانية المدعومة سوفيتيا ، وسادت الفوضى العارمة في ربوع البلاد ، وفي ظل تلك الظروف تأسست حركت طالبان في ولاية قندهار الافغانية عام 1994، وفي نهاية عام 1996 سقطت العاصمة كابل بيدهم بعد ان تخلى عنها رباني وحكمت يار وأعلن عن قيام “امارة أفغانستان الاسلامية ” التي اخفقت في الحصول على الاعتراف الدولي بها، ألا  من ثلاثة دول فقط وهي باكستان ، والعربية السعودية ،والامارات العربية ، وتحت ضغط المشروع الدولي الجديد لمحاربة التطرف والارهاب والجماعات الاصولية تراجعت السعودية والامارات عن اعترافهما بالأمارة الجديدة ، وشنت الولايات المتحدة الحرب على الجماعات التي دعمتها في الحرب ضد السوفييت  عشرسنوات ،  تمكنت في النهاية من ازاحتهم بقوة الاسلحة التكنلوجية من دفة الحكم ، ومنذ ذلك التاريخ والحرب سجال بين حلفاء الامس (اعداء السوفييت ) حتى عام 2011 حينما تلقى الامريكيون صفعة قوية بهجوم طالباني على قاعدة امنية امريكية في كابل قتل فيها عشرات الجنود الامريكيين . وبعد سنوات عدة تغيرت الظروف الدولية في المنطقة وتغيرت معها الاستراتيجية الامريكية من جديد ، فمع الاصرار الصيني على المضي قدما في طريق الحرير، وتنامي القوة الايرانية الصاعدة، ادرك الامريكيون بضرورة خلط  الاوراق هناك وخلق بيئة سياسية ملوثة، غير امنة وغير مستقرة سياسيا لعرقلة المشروع الصيني العملاق ، والحد من التأثير الايراني في المنطقة . رفعوا ايديهم من جديد وتركوا شركائهم في حيرة من امرهم ، غادر الرئيس الافغاني اشرف غني بلاده وعينه ترف على الامريكيين الذين تخلوا عنة مدركا انه الضحية الجديدة لسياستهم “تلك السياسة التي تخلت يوما ما عن الشاة الايراني رضا بهلوي الذي كان بمثابة العصا الغليظة التي يلوح بها الامريكيون في المنطقة . دعما امريكيا للجماعات الاسلامية، ثم حروب امريكية شرسة ضدهم ، وتخلي عنهم في ظروف قاهرة. حصل كل ذلك في غضون اربعة عقود من الزمن ، ولا غرابة في ذلك لمن يقراْ التاريخ ويستوعب الدروس والعبر.                

شارك هذا الموضوع: