وسارعوا
م.د. أحمد مهلهل مكلف
على كل عاقل لديه قلب سليم أن يكون أبطأ الناس في الشرّ وأسرعَهم نحو الخير ولا يكون شيء يمنعه من ذلك فالحياة قصيرة ونحن بدأنا في هدم عمرنا منذ أن سقطنا من بطن أُمّنا فكلما كبرنا قصرَت أيامنا وبطأت حركتنا والسباق يستحق الاستعداد فنهايته الفوز العظيم.
إن الله تعالى دعانا في كتابه الكريم إلى المسارعة في فعل الخير والتنافس على الخدمة الشريفة التي فيها نفع للفرد والمجتمع، وقد قال تعالى ذلك في غير آية ومن ذلك قوله عز وجل(يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) وقال سبحانه وتعالى : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) وقال جل أسمه: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) وقال تباك اسمه: (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
وقد يسأل سائل: لِمَ علينا أن نُسارِع في الخيرات؟ الجواب عن هذا هو أن الإنسان عمره قصير ثم أنه لا يعرف متى ينقضي أجله، ثم أن المسارعة تعني مسابقة الزمن فعلى الإنسان أن يستثمر وقت قوته وصحته ونشاطه قبل أن يأتي عليه الوقت الذي يفقد فيه ذلك فلا يستطيع حينها العمل، وأن الجائزة المُعدَة لما بعد فعل الخيرات ذات قيمة عليا ومن البديهي فأن الحصول عليها يكون بالسباق والتسارع وبهما يحصد الإنسان الأكثر والأثمن.
وإذا ما ألقينا نظرة على أحاديث النبي وآله الطاهرين عليه وعليهم السلام فسنرى فيها الحض على المسارعة عنوانًا واضحًا لديهم، فعنه صلى الله عليه وآله: (ترك الفرص غصص، الفرص تمرّ مر السحاب)، وقال صلى الله عليه وآله: (مَن فُتِحَ له باب خير فلينتهزه، فإنه لا يدري متى يُغلَق عنه)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (لا خير في الدنيا إلا لرجلين: رجل أذنبَ ذنبًا ذنوبًا فهو يتداركها بالتوبة، ورجل يُسارع في الخيرات). وقال عليه السلام: (الفرصة سريعة الفوت، بطيئة العود)، وعنه عليه السلام: (بادروا بالعمل قبل حلول الأجل).
وفي سيرة الإمام الحسن عليه السلام كثير من الشواهد على السباق في فعل الخير، فكان عليه السلام يدعو إلى المبادرة في العمل معللًا ذلك بأن الإنسان معرض للموت في أية لحظة وأن الدنيا لا أمانَ لها، وفي الجانب العملي كان عليه السلام يُسارِع في قضاء حوائج الناس حتى أنه يقطع تعبُّده لأجل ذلك.
وجاء في الآثار عن بقية الأئمة عليهم السلام تأكيدات كثيرة على التعجيل بفعل الخير بمجرّد الهمّ به، وعدم البطء أو التردد فيه، وليعلم الإنسان إن تثاقله عن الخير وتسارعه إلى الشرّ ينمُّ عن أمرٍ خطر ويجعله في صفوف أهل الدنيا الذين سُلِبوا التوفيق إلى فعل الخيرات، وما ذلك عن فراغ وإنما سببه المعاصي التي تحول بينه وبين المسارعة إلى فعل الخير. وقد قيل في هذا الباب: (الطريق إلى الجحيم مرصوف بالنوايا الحَسَنَة)، ويُراد بهذه المقولة أن الإنسان قد ينوي فعل الخير وهو قادر عليه ولكنه لا يفعله، وطالما أن رصيد الحسنات يعتمد على العمل الصالح بعد الإيمان فإن عدم تأدية ذلك الفعل يجعله في طريق الجحيم.