إضاءة مهدوية
م.د.أحمد مهلهل مكلف
اعتاد جُلُّ الباحثين على الأخذ بالمشهورات في القضية المهدوية، ومنها قضية غَيبتَي الإمام المهدي عليه السلام الصغرى والكبرى، فصرنا نقرأ هذَين المُصطلحَين (أعني الغَيبة الصغرى والغَيبة الكبرى) في كل المصنفات القديمة والمراجع الحديثة، التي تناولت قضية الإمام، وهذا أمر بديهي، لكون الغَيبتَين هما الأبرز في الموضوع المهدوي، وقد ورد ذكرهما بكثرة في الأحاديث الشريفة، والروايات الإسلامية؛ ترسيخاً لمفهوم الغَيبة في ذهنية المتلقّي كونه أمر غير مألوف لدى المسلمين.
ولكن إذا ما أنعمنا النظر في الأحاديث المهدوية الأخرى، بل في حركة الإمام المهدي الفاعلة منذ مولده عام ٢٥٦ للهجرة وحتى عام ٣٢٩ للهجرة، سنجد أن بإمكاننا أن نستعمل مصطلحَين مختلفَين بدلًا من المصطلحَين القديمَين المذكورَين، وهما مصطلح “السيرة العلنية الوقتية” ، وهو بدل من مصطلح “الغيبة الصغرى” ، ومصطلح “السيرة الخفية” ، بدلًا من مصطلح “الغيبة الكبرى” ، ولنا في ذلك ما يُبرّر مذهبنا هذا، وهو أننا وجدنا أن الإمام المهدي عليه السلام قد كانت له سيرة حقيقة فاعلة في المجتمع، لا سيما بعد استشهاد أبيه الإمام العسكري عليه السلام، ومن مصاديق تلك السيرة تعيين السفراء والوكلاء، وتوزيعهم في مختلف مناطق العالم الإسلامي، وتدبيره شؤون أتباعه، كالإجابة عن مختلف المسائل الدينية والاجتماعية والاقتصادية، والوقوف بوجه الدعوات الباطلة، والرّد على المنحرفين، ونكْف النزاعات الكلامية في أصل وجوده، وكشف وإبطال إجراءات السلطة العباسية، التي اتخذتها ضد الوكلاء وشيعته للإيقاع بهم، وحضوره في موسم الحج ومراقبته لبعض السلوكيات الخاطئة التي كان يقوم بها الحجيج وإنكارها، كالتدافع من أجل استلام الحجر الأسود، وغير ذلك من مهامه الكثيرة، التي كان يقوم بها كلما سنحت الفرصة له بالظهور، وقد كان ظهورًا مؤقتًا، لذلك أسمينا المصطلح “بالسيرة العلنية الوقتية” ، وهي تبرهن على سيرته الحقيقية، التي لا يمكننا أن ندمسها بمصطلح الغَيبة الذي جاء لترسيخ مفهوم جديد وليس لإلغاء دور الإمام الفاعل، الذي ذكرنا شطرًا منه.
وقد يسأل سائل: ما أهمية المصطلح الجديد، فنقول: إن أهمية هذا المصطلح تكمن في أنه يكشف من الحقائق التاريخية الواقعية ما لا يستطيع كشفه مصطلح الغيبة الصغرى، فمصطلح السيرة العلنية الوقتية يعني أن هناك سيرة حقيقية للإمام المهدي، تمتد من عام ٢٥٦ وحتى عام ٣٢٩ للهجرة، وهذا كان نافعًا في التربية الاجتماعية للمعتقدين بإمامته ووجوده، وهم الإمامية، الذين كانوا يؤدون إليه حقوقه بواسطة سفرائه ووكلائه، ويتوجهون إليه بقضاء حوائجهم المختلفة.
لذلك نؤكد على أن مصطلح “السيرة العلنية الوقتية” ينبغي أن يكثر مداده، ليشيع استعماله في كتابات الدارسين والمهتمين في القضية المهدوية، إذ أنه يعبّر عن حقيقة ثابتة، بعيدًا عن المسائل الغيبية التي جعلت كثيرًا من أرباب الأقلام يهزؤون بالإمام المستتر عن الأنظار ويعدون الاعتقاد بوجوده ضربًا من الجنون.
وأما مصطلح “السيرة الخفية” ، فهو ذو أهمية كبرى أيضًا، فهو يعني أن للإمام المهدي في الوقت هذا سيرة حقيقية ووجود حقيقي، ولكنها غير مرئية أو معروفة لدينا، كما كان موسى ويوسف وغيرهما، يسيران في الأرض ويؤدّيان كثيرًا من المهام، من دون أن يعرفهما أحد أنهما نبيّان من أنبياء الله تعالى، حفظًا لحياتهما، وهذا ليس قياسًا منا وإنما هو سُنّة الله جرت في بعض أوليائه لدور ينتظرهم لم ينتهِ بعد.